الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبء السلطة على القضية الفلسطينية

خالد عبدالله

2003 / 7 / 5
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 


كاتب عربي يقيم في وارسو

لم يكن هناك أدق تعبيرا على أن السلطة الفلسطينية أصبحت عبئا كبيرا على الشعب الفلسطيني من تصريحين أخيرين. أحدهما يخص أثرها على المجتمع الفلسطيني، والثاني، يتصل بنتائج تصرفاتها على الصعيد الدولي. فقد صرح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي يالون " في ضوء كون المجتمع الإسرائيلي قد نجح في الاختبار، وأن الجيش قد قاتل الإرهاب ببطولة، فعلينا أن نعلن الآن أننا قد ربحنا وسنستمر ". كما أن الرئيس الباكستاني كرر لشعبه أن علي "التأمل في حقيقة أن باكستان لا يمكنها أن تكون فلسطينية أكثر من الفلسطينيين ".

 ويمتطي كلا التصريحين ظهر ممارسات السلطة الفلسطينية. فالمجتمع الإسرائيلي لم ينجح في الاختبار خلال الأشهر الثلاثة والثلاثين التي مضت. فقد غلق الأبواب على نفسه خوفا، وارتحل قسم منه رهبة، واعتصره العسر الاقتصادي. ولولا الأكسجين الأمريكي لاختنق هما وليس قتالا. كما لم يحارب الجيش الإسرائيلي ببطولة، فقد كان في كل ممارساته يجمع الجبن والخزي، يقاتل من داخل بروج عسكرية، ويذبح النساء والأطفال، ويقتلع  الأشجار، ويهدم البيوت على رؤوس أهلها. فليس في هذا بطولة. وهذا ما يعرفه يالون، ومع ذلك فكان عليه أن يفسر النصر الذي يراه الإسرائيليون.

حينما انطلقت الانتفاضة جن جنون شارون، لأن السلطة الفلسطينية لم تمنع انطلاقتها كما تقتضي واجباتها وفق اتفاقيات أسلو فأراد معاقبتها، ثم أخطأ فأوغل في خطيئته حينما قضى على بناها، فحيدها حينما أزيحت بحكم الضرورة من أن تكون بين الشعب الفلسطيني وإسرائيل. ثم ظن أن مزيدا من الإرهاب سيقضي على الانتفاضة، فوجد الخسارة مزدوجة سقوط أخلاقي مريع لإسرائيل على الصعيد العالمي مس مسا كبيرا اليهود أنفسهم، ومعركة مفتوحة لا تجري وفق قواعد اللعبة الإسرائيلية، استوى فيها الإسرائيلي والفلسطيني من حيث الاكتواء بنار شظاياها.

 وهذه خسارة كبيرة ليست مألوفة، وليست مقبولة لدى المجتمع الإسرائيلي الذي ألف النصر بدون تضحيات.

وقد استفاق شارون على صحة نصائح العمل، وبالذات من بيريس، من ضرورة إقامة حاجز بين الشعب الفلسطيني وإسرائيل. في البداية  استمع إلى النصيحة لكنه لأنه تورط في اعتبار القيادة الفلسطينية إرهابية، شرع في بناء الجدار الفاصل. لكن خاب ظنه، وظلت نصيحة بيريس تصم آذانه من أنه لا جدار إلا حائط السلطة الفلسطينية. وكان لا بد من العودة إليها. لكن الأمريكان سهلوا عليه مضغ اللقمة حينما تبنوا رأيه في ياسر عرفات، وبات بإمكانه التحدث إلى السلطة الفلسطينية. لقد حل الإشكال بأن تم شخصنة السلطة الفلسطينية.

وجاءت خطة الطريق لتحقق هدفين رئيسيين، أحدهما أمريكي يتصل بالعراق، وثانيهما إسرائيلي بعودة جدار السلطة الفلسطينية ليفصل بين الشعب الفلسطيني وإسرائيل. فيالون حينما يشير إلى النصر فإنما يؤكد على نجاح إسرائيل في جعل السلطة الفلسطينية مرة ثانية جدارا يحمي الإسرائيليين. وقد وجدت السلطة عونا لها من بعض البلدان العربية على فصائل المجتمع الفلسطيني. وقد انحنت الفصائل للضغط يقلقها دون ريب مخاطر الاقتتال الفلسطيني. لكن هذه الفصائل أجلت الاقتتال ولم تذهب بمخاطره. فالسلطة الفلسطينية قد رهنت نفسها لإسرائيل، وهي ستواصل كلما قوى عودها ضغطها على الفصائل الفلسطينية.

كذلك، كان تصريح الرئيس الباكستاني معبرا عن حقيقة واضحة أن وجود السلطة وممارساتها أصبحت ذريعة مقنعة لتحلل البلدان العربية والإسلامية من التزاماتها. فكل إنسان عادي يمكن إقناعه بهذا المنطق الشكلي، لقد التزمت الدولة الفلانية بمواقف من إسرائيل دعما للأشقاء الفلسطينيين، لكن الأشقاء قد توصلوا إلى اتفاقات فما الذي يمنعنا من اقتفاء أثرهم. وستبقى بالتأكيد الجماعات المستنيرة سياسيا، والملتزمة مبدئيا تعارض مثل هذه المحاجة المتهافتة جوهريا، لكنها ستبقى جماعات يظل صوتها خافتا بين ضجيج الإعلام العربي والإسلامي الرسمي.

ومع ذلك فالمسالة أعمق وأكثر تعقيدا. فالحكم على ضرر السلطة الفلسطينية ينبغي أن يقاس بمعايير أشمل، وأن يحكم عليه بشروط أعمق. وحين النظر في ظاهرة السلطة الفلسطينية في تاريخ القضية الفلسطينية نجدها عابرة. فالشعب الفلسطيني لم تكن لديه سلطته منذ عام 1967. وحينما ننظر إلى الظاهرة من حيث الحاجة إليها، يمكن أن نحكم عليها من خلال نوعين من الحاجات. الأول، إدارة شؤون الشعب الفلسطيني. ومنذ تولت السلطة شؤون الشعب الفلسطيني نجد أنها صاحبتها ظاهرتين. الأولى، توطن الفساد واستشرائه. الثانية، استخدام قوى الأمن الفلسطيني لترهيب الفلسطينيين التي تمثلت في القتل والتعذيب والسجن.

أما النوع الثاني، فهو الحاجة إلى تمثيل الشعب الفلسطيني في المفاوضات مع إسرائيل وغيرها. ومن الناحية الشكلية فليست هذه ضرورة ماسة، إذ يمكن للمنظمة أن تواصل تمثيل الشعب الفلسطيني. بل أن تمثيل المنظمة أقوى لأنها تتحدث باسم الداخل والخارج. أما من الناحية الجوهرية، فالمفترض أنها ضرورية للحصول على حقوق الشعب الفلسطيني. وهي حقان أساسيان. عودة الفلسطينيين إلى ديارهم، وتقرير مصيرهم المتمثل بإقامة الدولة الفلسطينية. وحينما ننظر في ممارسات السلطة الفلسطينية نجد أنها عملت على تآكل حق العودة بأشكال مختلفة، حتى أصبح التبرؤ منه مجهور به في الوقت الذي يعتبر به التحريض ضد إسرائيل عملا غير مشروع. أما حق تقرير المصير فليس له معنى. فلم تبن إسرائيل مستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة طوال فترة احتلالهما له بقدر ما شيدت في عهد السلطة الفلسطينية. وقد يقول قائل أن إسرائيل كانت ستبني على أية حال المستوطنات بوجود السلطة أو بعدمه. وهذا صحيح من الناحية الشكلية، لكن البناء كان يتم والمفاوضات قائمة. وقد بدا للعالم كله أن هذه ليست مشكلة، إذ لو كانت مشكلة لانسحبت السلطة من المفاوضات. ولو انسحبت السلطة من المفاوضات حتى يتوقف البناء لما كان هناك حاجة إلى السلطة من المنظور الأوسلوي. فالفرق جوهري. ووجود السلطة أعطى مشروعية غير مقصودة لما تقوم به إسرائيل على الأرض،  بدليل أن الولايات المتحدة أخذت في كامب ديفيد في الاعتبار هذه الوقائع حينما كانت تحاول إقناع الفلسطينيين بقبول صفقة التسوية.

والآن عادت السلطة إلى أن تكون الجدار الحاجز، فما الذي يجري؟ لا زال الاحتلال العسكري على حاله في كل مكان، ولا زالت القتل متواصلا، ولا زالت السلطة الفلسطينية لا عمل لها سوى تحضير أدوات القمع لشعبها. وحينما يرى المرء قوات الشرطة تتدرب يدب الهلع في نفسه من أن تعود الأيام السابقة من جديد.

لكن الأخطر من كل هذا، أن الجدار الجديد يمكن إسرائيل من المضي قدما في بناء شكل الدولة الفلسطينية التي تريدها. فالاستيلاء على الأراضي حول القدس بدأ يتسارع. وهذا التوجه الإسرائيلي لم يخفه حتى أصحاب المعالي في السلطة. فمعالي وزير الإعلام يقول " إن إسرائيل ليست جادة حول تهدئة الوضع. وهي ليست جادة بشأن الوصول إلى تسوية سياسية ". كما يقول معالي الوزير ياسر عبد ربه " إن السيد شارون استخدم الانسحاب من بيت لحم بالأمس، ومن غزة خلال الأسبوع، كغطاء للاستيلاء على الأرض" فهل هناك من برهان على فائدة السلطة كجدار  يحد من حركة المقاومة، ويمنع تطفل العالم على ما يجري، ويسهل لإسرائيل ما تقوم به، ويعطي الذريعة لمن يسعى إلى الصلح مع إسرائيل.

ولكن هل ترى السلطة فائدتها لإسرائيل؟ بالطبع تراها، ولا تختار الخروج منها. فقد بنت مصالح ضخمة مع الإسرائيليين، وتمكنت من الجاه بمساعدتهم، فهل يحلم عباس أو دحلان بلقاء بوش لولا تقديم شارون لهم. وإذا ما قررت أن لا تخدم إسرائيل فأين تذهب؟ هل تصبح ككثير من الفلسطينيين أسرى مخيماتهم، أو جوالين على طائرات لا يقبل الكثير أن تحط بهم على أراضيها، أو تتقاعد في بيوتها بعد أن استطابت المقاعد الوثيرة والمراسم الفخمة. ثم كيف يتركون ما ينسال إليهم من المعونات الأوروبية والعربية وربما الأمريكية. وهل نريد من النخبة الفلسطينية أن تكون أكثر نبلا من النخب في البلدان المستضعفة الأخرى؟
 

كنعان









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟