الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القطاع الخاص والخصخصة في الصناعة النفطية 5من6

حمزة الجواهري

2006 / 12 / 25
الادارة و الاقتصاد


2006-12-18
التطوير مسألة فنية قبل أن تكون سياسية:
في هذا الجزء أود مناقشة موضوع خطير يعتبر مثار جدل بين القوى السياسية الحاكمة والمشاركة بالعملية السياسية حاليا، وهو الموضوع الذي اتفقوا عليه بصيغة أن لا يتفقوا إلى أبد الآبدين، والأغرب من ذلك أصدروا بيان يؤكد نجاح المفوضات والتوصل إلى صيغة توافقية بين الأطراف! هذا ما قرأته بعد أن كتبت هذا الجزء من المقال، لذا قررت إضافة هذه المقدمة له، وكذلك إضافة مزيدا من الإيضاحات التي تتعلق بهذا الموضوع قبل نشره.
الصيغة التي اتفقوا عليها هي أنهم في حال عدم قبول المركز بالشركة التي يختارها الإقليم لتطوير ما، فإن موضوع الخلاف يحال للمحاكم المختصة! في حين أن المحاكم المختصة أصلا غير موجودة!
هذا الأمر إن دل على شيء، فإنه يدل على جهل مطلق بمبادئ تطوير الحقول وتطوير الصناعة النفطية بجميع مراحلها، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإنه يعد هدرا ما بعده هدر لثروة العراقيين الأساسية، وأخيرا فإن طبيعة الخلاف تدل على النوايا الحقيقية المبيتة مسبقا بما يتعلق بملكية الشعب العراقي والتجاوز عليها باسم الشرعية الدستورية! من خلال السياق، سيجد القارئ إيضاح لهذه الأمور.
ضمان النوعية:
الكيان الخاص في الوزارة، والذي يهتم بتطوير القطاع الخاص، يجب أن يكون أيضا مسؤول عن مستوى الخدمات التي تقدمها هذه الشركات، وهو الذي يضع المعايير التي يجب إتباعها لتأهيل أي شركة كونها كفء لتقديم الخدمة المطلوبة منها أم لا؟ وهذه مهمة يجب أن تتفرد بها الوزارة على مستوى العراق بالكامل، أو الشركات المستفيدة من الخدمات، أي الشركات التي تقوم بإدارة العمليات الإنتاجية أو الشركات التي تستثمر في تصنيع النفط والغاز "أي صناعة الداون ستريم"، إذ ليس من المعقول توقيع عقد مع شركة ما لتقديم خدمة معينة وهي لا تستطيع أن تقوم بذلك، سواء من ناحية مستوى التكنولوجيا، أو مستوى تطور الكادر الذي يدير العمل، أو تكاملية نظام إدارة، أو خبرة الشركة التي يجب أن تكون واسعة في المجال الذي تعاقدت عليه. هذه المعايير وغيرها يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار عند تسجيل أي شركة لدى الوزارة أو الشركات المنتجة، وذلك لضمان استمرار الشركات بتقديم خدماتها، أو إيقافها عن العمل بسبب تدني مستواها أو عدم رفعها لمستواها. لذا يجب أن تكون لدينا معايير لضمان النوعية ومواصفات هندسية حديثة ودائمة التحديث لتقديم الأفضل والاستمرار بمواكبة القفزات التكنولوجية الهائلة في هذه الصناعة.
الإنسان أثمن رأسمال:
إن مهمة الوزارة لا تنتهي عند هذا الحد لكي نستطيع القول أن البيئة التطويرية قد أصبحت متكاملة، لأن العنصر البشري الوطني سيكون هو العامل الحاسم في نهاية المطاف، فهو المسؤول عن أي عملية ارتقاء لهذه الصناعة أو تكامليتها، لذا فإن إدارة التطوير والتدريب المستمر يجب أن تكون مهمة وطنية مركزية وتديرها الوزارة بالتعاون مع الشركات الوطنية الخاصة، ويجب أن تضمن الوزارة والشركات المنتجة وجود عراقيين عاملين في المستويات المختلفة من العمل في الشركات الخدمية بما يكفي لكي تستطيع أن تقف الشركة على قدميها فيما لو تركها الشريك الأجنبي، ولكي تستطيع بعد فترة من الزمن أن تقدم خدماتها كاملة لوحدها دون الاعتماد عليه، بالرغم من ضرورة بقاء الشريك الأجنبي في الكثير من الحالات لأنه سيضمن استمرار مواكبة الشركة لمستوى تطور التكنولوجيا عالميا، لأن في حال توقف الشركة عن التطور والمواكبة، فإنها في غفلة قصيرة من الزمن ستجد نفسها متخلفة وبحاجة إلى تحديث في نظم عملها والتكنولوجيات التي تستعملها ورفع مستوى تطور العاملين فيها.
في هذه المرحلة بالذات تدخل بيوت الخبرة أو لجان الخبرة المتخصصة التابعة للوزارة أو الشركات المنتجة في الأقاليم أو المحافظات بتقييم الشركة التي تتقدم لتسجيلها كشركة معتمدة لتقديم خدمات تخصصية في الصناعة النفطية، وأن تجري لها الاختبارات اللازمة وتزور مرافق عملها سواء كانت موجودة في داخل العراق أو خارجه، وتطلع على نظم العمل فيها بالكامل، خصوصا من الناحية الفنية ومن ناحية احترامها لقوانين السلامة الصناعية والسلامة العامة والبيئة، وذلك وفق نموذج ثابت من أجل أن تكون الفرص التي تمنح للشركات متكافئة وغير منحازة لجهة دون أخرى، لأن الانحياز هنا يضر أولا بالشركة الخدمية أو التطويرية قبل أن يضر بالشركة المستفيدة من الخدمات، لأن فشلها في مراحل لاحقة يعني تورطها بأعباء مالية كبيرة جدا، في كثير من الأحيان تكون الشركة لا طاقة لها بتحمل أعبائها، هذا فضلا عن الضرر الكبير والمتوقع منها بالنسبة للشركة المستفيدة.
هذا بالنسبة للشركات الخدمية، أما إذا كانت الشركة المتقدمة ترغب بالتنافس على تطوير الحقول، فإن شروط التقييم يجب أن تكون قاسية جدا، وأن تكون المعايير التي تطبق عليها أكثر بكثير من تلك الشركات الخدمية. على سبيل المثال، تأخير لمدة ثلاثة أشهر بتشغيل حقل نفطي جديد طورته الشركة، تعني أن الدولة قد تعاقدت على المشروع بضعف قيمته، فلو كانت كلفة التطوير لحقل ما بحدود نصف مليار دولار، فإن تأخير مشروع من هذا الحجم لمدة ثلاثة أشهر بسبب قلة كفاءة الشركة المطورة، تكون الدولة قد خسرت كنتيجة لتأخير الإنتاج نصف مليار دولار، بمعنى أن الكلفة الإجمالية هي مليار دولار، أما لو كانت الدولة قد منحت المشروع لشركة أخرى أكثر كفاءة لكن بكلفة أعلى، ستكون في النتيجة قد ربحت الدولة من كنتيجة للتشغيل المبكر لمشروع، وربما تستعيد كامل كلف التطوير فيما لو استطاعت الشركة فعلا بالإسراع بعملية التطوير.
من الأمور الغريبة التي سمعنا عنها خلال كتابة مسودة قانون النفط هي تلك النقاط التي تتعلق بالعقود التي تمنحها الدولة للشركات التي تقوم بالتطوير، فقد كان الخلاف على تحديد الجهة المسؤولة عن التعاقد، الإقليم أم الدولة المركزية؟ وقد أحيل الموضوع للمستقبل على أن تحلها المحاكم في حال وجود خلاف بين المركز والإقليم على العقد الذي يريد الإقليم إبرامه مع الشركة العالمية! ولم يكن الخلاف بين الطرفين على المعايير التي يجب إتباعها بقبول الشركة أو رفضها!! وهناك أقاليم هرعت للخارج وأسست شركات وهمية، أو حتى حقيقية، من أجل القيام بعمليات التطوير لمنحها عقود مشاركة بالإنتاج، من قبل أن يقر البرلمان مبدأ منح هذه العقود، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، إن الشركة التي تأسست لا تملك خبرة بإنشاء حظيرة أبقار، وليس منشآة نفطية عالية التخصص والتطور!!
إن هذا الجهل المطلق بمفهوم تطوير الحقول والصناعة النفطية بمراحلها، والجهل بأساليبه وثوابته، بل وكل ما يتعلق به، ينبغي على أبناء شعبنا النظر له بجد كي لا تتكرر مآسي المحاصة الطائفية وتنجر على مواضيع أخرى تمس مستقبل البلد وملكيته المقدسة التي لا ينبغي لأحد التلاعب بها كما يشاء، فلا نفط النجف للنجفي فقط، ولا نفط كوردستان للكوردستاني فقط، بل النفط في أي مكان لكل العراقيين، ولا سياسي البصرة له علاقة بالصناعة النفطية، لأنها صناعة لها أصولها والمتخصصين الذين يعملون بها، ولا السياسي من المنطقة الغربية له علاقة بمفاهيم التطوير، لأنها ليست شعارات سياسية يرفعها كل من هب ودب..
بهذه المناسبة أقول، أيها السادة من السياسيين، نعم أنتم تديرون دفة البلد السياسية، وبالرغم من تخبطكم السياسي وصراعاتكم المخجلة، نحن راضون بكم، لكن حين يتعلق الأمر بالثروة الوطنية الوحيدة التي نعول عليها جميعا، عليكم الابتعاد جانبا وترك الموضوع بأيدي المتخصصين، فإننا لا نسمح أولا بسرقتها، وثانيا لا نسمح بهدرها، وثالثا عليكم أن تعرفوا أن الذي تملكوه من هذه الثروة كأشخاص، هو نفس المقدار الذي نملكه، وقد ولى الزمن الذي يتم به سرقة العراقي وحقوقه على المكشوف.
أين يجب أن يعمل الاستثمار الأجنبي في الصناعة النفطية والغازية العراقية؟
هذا الفصل بالكامل كان قد نشر سابقا في مقالة مستقلة بعنوان " النفط والدستور - الاستثمار في الصناعة النفطية والغازية" خلال شهر حزيران من العام2005 . في الواقع اكتفيت بإعادة صياغة بعض العبارات التي يجب أن تتغير موضوعيا سبب المستجدات على الساحة.
إن جميع الاستثمارات في مجال النفط والغاز، ما عدا الاستخراجية منها، تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة جدا، عشرات، بل مئات المليارات، والتي لا قبل للعراق بها، خصوصا في هذه المرحلة، وحتى ولو كان العراق لديه رؤوس الأموال هذه، فإنه من الأفضل أن تكون أجنبية لأنها ستضيف للعراق ولن تنقص منه مادمنا نتمسك بالثوابت الوطنية لدخول الاستثمار، والتي هي موضوع بحثنا. فالرأسمال في العادة يحصن نفسه من أي نوع من أنواع الخسارة، لذا يترتب عليه أن يدخل وهو محصن باستعماله أرقى أنواع التكنولوجيا والإدارة الحكيمة والأسواق المفتوحة في بلدانه ولا يسمح بأي نوع من أنواع التسيب أو الإهمال أو التضخم الوظيفي وإلى آخره من أمراض المشاريع الاستثمارية التي تدار وطنيا والتي تسبب في معظم الأحوال خسارة تلك المشاريع. فدخول رؤوس الأموال في الاستثمار في العراق هي ما يجب أن نبحث عنه ونسعى إليه كما تسعى له جميع دول العالم، لأن تعلم إدارة المشاريع بشكل سليم أهم بكثير من باقي عناصر الموضوع، إضافة إلى إنه يمنحنا الفرصة لتوظيف الأموال التي لدينا في مجالات التنمية البشرية والعمرانية والتخلص من الديون المتراكمة على العراق. في الواقع، ما كان علي أن أضيف هذه النقطة إلى الثوابت لولا حاجة العراق إلى هذه الأموال الضخمة، فإنه بدونها سيبقى النفط والغاز تحت الأرض ولا نستطيع الاستفادة منه إلا بحدود ما تسمح الأوبك به من حصة، وهو قليل نسبة لما لدينا من ثروات نفطية. فالعراق باستطاعته أن ينتج أكثر من عشرة ملايين برميل يوميا من النفط الخام، ولكن لا يستطيع بيعها، فما الفائدة إذا من زيادة الإنتاج إذا لم تكن هناك مشاريع استثمارية أجنبية تصنع هذه الكميات في العراق وتكون خارجة عن حصص الأوبك؟ إذا فالاستثمار الذي لا يدفع به العراق شيئا من رأس المال يكون أفضل بكثير من ذلك الذي يأتي على أساس المشاركة، هذا فضلا عن أنه يسمح بإنتاج كميات كبيرة من النفط خارجة عن حصة الأوبك.
كون أن النفط والغاز ملك للشعب العراقي لا ينبغي لأي جهة التلاعب بحق الملكية، لذا لابد أن يكون استثماره بشكل مباشر من قبل العراقيين أمر لا مناص منه، ولكن وبذات الوقت ندعو الحكومة والمشرع للعمل على وضع مسودة قانون للاستثمار فيها حوافز مجدية للمستثمر الأجنبي الذي يبغي العمل في صناعة النفط والغاز العراقية، تحديدا مجال الصناعات البتروكيماوية والتكرير، وهو ما يسمى بصناعة الداون ستريم، فهذه الصناعة المجدية جدا للعراق وللمستثمرين يمكن أن ترفع من شأن العراق وتجعل من عائداته أرقاما فلكية تعود بالرفاهة على أبناء الشعب العراقي ومستقبل أجياله، والتي هي أيضا مجدية أكثر للرأسمال المالي العالمي الذي لا يتطلع لصناعة الاستخراج للنفط والغاز لفقرها، من ناحية حجم الاستثمارات وليس العائدات، وحساسيتها السياسية والاجتماعية.
إن دخول راس المال سيف ذو حدين، فمن ناحية نسعى له لأنه يرتقي بالبلدان من جميع النواحي، ولكن من الناحية الأخرى يمكن أن يخل بالسيادة الوطنية ويستبيح البلد وثرواته وينهب ما استطاع أن ينهب ويتآمر ما استطاع أن يتآمر ويشتري الذمم ما استطاع أن يشتري من أجل مزيد من الربح والتحكم بمقادير البلد. من هذا الجانب الثاني أصبح رأس المال من الشرور التي تحاول الكثير من الدول الابتعاد عنها لكي تتحاشى الوقوع بشراكها، ولكن لو كان هناك ثوابت وطنية لا يمكن التنازل عنها من قبل السلطة الوطنية والمجتمع المدني، سيكون بهذه الطريقة، الأمر تحت سيطرة العراقي، هكذا يمكن الاطمئنان لدخول رأسمال من أجل الاستثمار الذي نحن الآن أحوج ما نكون إليه، هذه الأمور إضافة إلى تحقيق مفهوم السيادة الوطنية، سوف أحاول معالجتها في الحلقة القادمة والتي ستكون الأخيرة.
يمكن الرجوع للأجزاء الأخرى من الموضوع عبر الرابط التالي:
http://www.rezgar.com/m.asp?i=118








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الخميس 2-5-2024 بالصاغة


.. الرئيس السيسي يوجه تحية لليد المصرية وعمال مصر لجهودهم في تأ




.. كل يوم - - كل يوم - يفتح ملف الدعم أيهما أفضل للمواطن العيني


.. النائب أيمن محسب: الدعم النقدي هو الأفضل للفقير والدولة والط




.. كل يوم -د. أحمد غنيم : الدعم النقدي لن يؤدي لمزيد من التضخم