الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقامة اين نحن من الأعراب .

صباح حزمي الزهيري

2024 / 9 / 16
الادب والفن


مقامة اين نحن من الأعراب ؟

كيف نقرأ إعراب الحاضر؟ وماذا طرأ على ركنَي الجملة الفعلية في نحو غزة وصرفها ؟ وما موقع نائب الفاعل في واقع سياسي التبست فيه المعاني؟

قصيدة راشد حسين ( دروس في الأعراب ) , من ديوانه ( أنا الأرض لا تحرميني المطر ) , يجيب فيها على هذه الأسئلة ,حين قدم اقتراحاً شعرياً سمح له بإعادة تأويل النحو, في سياق رؤيته الشعرية لعلاقة الفاعل بالمفعول به ليعلن أن زمن المقاومة قادر على تحويل المفعول به فاعلاً , والفاعل مفعولاً به , أي أن قراءته النحوية لم تكن سوى مدخل لتأكيد ما صار ممكناً على يد الفدائيين .

((بعد يوم دخل الصفَّ المعلم / جاء فرحاناً وسرّيّاً كعطرِ البرتقالْ / كان في سبعينه طفلاً… فحيّانا وقال / «وضعوا عدنانَ في السجن»/ أعربيها يا صبايا / وأعربوها يا رجال / ففرحنا… وبكينا… وهتفنا/ «عدنانُ»: فاعلْ / «السجنُ»: مفعولٌ به/ وحرقنا النحوَ والصرفَ وأغلالَ القواعدْ / وتحولنا نضالْ )) .

سبق أن طلب المعلم من تلاميذه إعراب الجملة التالية : «سيدي يحلم بالثورة لكن لا يقاتل» , فأعربها تلميذه عدنان على الشكل التالي : «الثورة لا تجرّها الباء , لا يقاتل هي الحقيقة» غير أن اعتقال عدنان , «الفلاح البلا أرض» , مثلما تصفه القصيدة , ينجح في قلب المعادلة النحوية بأسرها , ويسمح للأستاذ بأن يتعلم مع تلميذه كيف يعيد تأليف قواعد الصرف والنحو.

هذا الشعور العذب بأن الأيام تعلّمنا أن انقلاب الأدوار هو سمة الوجود , وأن تحوّلنا إلى أبناء لأبنائنا هو تتويج لمسيرة حياتنا , كان ممكناً في قصيدة راشد حسين , لأن الشاعر لم يحجب الفاعل أو يجهّله , فترك ركنَي الجملة الفعلية , بحسب الاصطلاحات التي صاغها النحاة العرب , أي الفعل والفاعل في موقعهما , كما لم يحاول التفاصح بقدرته على اللعب البهلواني باللغة , على ما درجت عليه العادة في الشعر العربي قبل بداية زمن الإحياء الذي مهّد للنهضة الأدبية , أن إعادة النظر في البديهيات وتفكيكها وإخراجها من موقعها الثابت المتفق عليه , هو في رأيي شرط الثقافة النقدية التي لا حياة للمجتمع من دونها.

الانتقال من وضعية المفعول به إلى وضعية الفاعل ممكن , شرط قيامنا بتجاوز قواعد الصرف والنحو , وهذا متاح دائماً إذا توافرت الإرادة , أمّا نائب الفاعل فإن وضعيته الملتبسة تشلّ الإرادة لأنها وضعية كاذبة توحي بما ليس فيها , ونائب الفاعل مسألة حيّرت النحاة العرب طويلاً , نجح ابن مالك في صكّ هذا المصطلح في «ألفيّته» في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) , محرراً نائب الفاعل من الالتباسات التي رافقت أسماءه المتعددة , فسيبويه (القرن الثامن الميلادي) أطلق عليه تعبير «المفعول الذي لم يتعدَّ إليه فعل فاعل» , وسماه الفرّاء (القرن التاسع) «ما لم يُسمَّ فاعله» , لكن النحاة أجمعوا على الاسم الجديد الذي صاغه ابن مالك , وتحوّل إلى ركن من أركان الجملة الفعلية.

إذا أردنا إحراق الصرف والنحو على طريقة راشد حسين , فإننا سنكتشف سبباً لم يخطر في بال النحاة من علماء الكوفة والبصرة , وسيقودنا الشاعر إلى افتراض جديد هو أن تجهيل الفاعل قد لا يكون هو الهدف الحقيقي , بل ربما يكون انتحال المفعول به لوضعية الفاعل هو الجذر الذي يقود إلى انهيار المقاييس التي تتجاوز مسألة تجهيل الفاعل , وتؤدي إلى تعاون الضحية أي المفعول به مع الجلاد والتنسيق معه , بحجة أنها إذا لم تكن فاعلاً كاملاً , فإنها على الأقل نائب فاعل.

أعداء العربية هم أعداء الأمة. وقد تكون هذا العداوة بنت الجهل , وقد تكون بنت المكر (سمّها مؤامرة أو ما شئت) , أما الماكرون فليس لي بهم شأن , ولن أتحدث عنهم في هذا المقام , ثم إنه لا يعنيني خطأ يصدر عن عالم , ولا هفوة تصدر عن نِحرير, أو سقطة يهفو بها فارس معروف , ولكن يعنيني أن الخطأ الفظيع الواحد الذي يصدر عن عالم يؤخذ عنه العلم , يزن الأخطاء كلها التي يتبناها من يأخذ بخطئه , ولندخل في الموضوع.

لقد حوربت العربية كثيرًا (لأنها أم المصاعب , ولأن نحوها من المصائب , ولأن الإعراب عن كل ذهن غائب) , وغير ذلك مما تسمعه بين الفينة وأختها , وتجد بعض الأساتذة الكبار يقعون في ما لا ينبغي أن يمسّ قدرهم , وحين تقع بين أيديهم بارقة من نصوص يظنونها مؤيدة لهم يسارعون إلى استنتاج ما , مثلما استنتج أحد العلماء المحدثين أن العربية كانت في طريقها إلى إسقاط الإعراب , وهو بذلك يعني دون ان يصرح أن القرآن هو الذي حفظها من ذلك , نعم , القرآن حفظ للعربية الفصيحة إعرابها كله , ولكن بما أن القرآن لا يقبل التسكين إذن فمن المستحيل أن يسقط بعض القرآن في القرآن , ثم يكون ذلك دليلا على أن العربية كانت في طريقها إلى أن تخلع الإعراب , و زعم الدكتور إبراهيم أنيس , أن العربية لم تكن معربة يوما من الأيام , وأن النحاة هم الذين أدخلوا الإعراب على العربية , فهل هم الذين أدخلوا الإعراب إلى القرآن؟ هل النحاة هم الذين أدخلوا الإعراب إلى الشعر الجاهلي والشعر الفصيح في سائر العصور؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد الشرنوبي يتحدث عن رأيه فى فيلم بضع ساعات


.. مهرجان الأقصر يحتفي بالسينما الموريتانية في ندوة بحضور رئيس




.. عمر متولي يثير جدل في الوسط الفني بسبب حديث عن موهبة الراحل


.. النادي الأميركي في الجزائر.. مساحة جديدة للتعريف بثقافة الول




.. الدوحة تستعد لعودة منافسات بطولة -ون- للفنون القتالية في فبر