الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حذاري أن تُحبوا من أعماق قلوبكم

سامح قاسم

2024 / 9 / 17
الادب والفن


الحب، ذلك الشعور الذي يحرك الساكن ويذيب الجمود في الأرواح، ليس مجرد كلمة عابرة أو تجربة سطحية تمر في حياتنا وتزول مع مرور الزمن. بل هو قوة جاذبة تغيّر مسار الأقدار، وتعيد تشكيل الأرواح بطرق لا يمكن التنبؤ بها. ومع ذلك، يُقال "حذاري أن تحبوا من أعماق قلوبكم"، وكأن الحب في جوهره سيف ذو حدين، يجلب السعادة والفرح أحيانًا، لكنه يحمل في طياته أيضًا إمكانية الألم والفقد.

عندما نحب من أعماق قلوبنا، نرى الحياة بمنظار مختلف، تُضخّم فيه أدق التفاصيل وتُزهر المعاني الخفية. تبدو الأيام المألوفة أكثر تألقًا، ويكتسب كل شيء من حولنا عمقًا جديدًا. ومع ذلك، كلما تعمق الحب، نمت معه مخاوف الخسارة، وتسلل الخوف من الألم الذي قد يصاحب انكسار القلب. فماذا يجعل هذا الشعور الجميل محفوفًا بمثل هذه المخاطر؟

الحب من أعماق القلب هو العطاء بلا حدود، والاندماج مع شخص آخر إلى درجة أنك تصبح جزءًا من روحه وهو جزء من روحك. إنه حب يجردك من كل الأقنعة ويكشفك بكل ما فيك من ضعف وقوة، جمال وعيوب. في هذه الحالة، تتلاشى الفواصل بين "الأنا" و"الآخر"، ويصبح الاثنان "نحن"، مما يجعل الحياة نفسها معلقة بخيط رفيع قد ينقطع في أي لحظة.

يقول الأديب الروسي ليو تولستوي: "الحب هو أن تحب شخصًا ما دون سبب". هذه المقولة تبرز نقاء الحب الحقيقي، ذلك الحب الذي يتجاوز العقل ويستمد قوته من أعماق الروح. ومع ذلك، فإن الحب الذي لا يستند إلى أسباب عقلية قد يكون أكثر هشاشة، ويعجز أحيانًا عن الصمود أمام عواصف الحياة.

رسائل فلاديمير نابوكوف إلى زوجته فيرا، تعتبر نموذجًا رائعًا للحب العميق الذي ينغرس في جذور الروح. في إحدى رسائله كتب: "أنا لا أستطيع العيش بدونكِ. أنتِ هوائي، وأنتِ نوري". هذه الكلمات المفعمة بالتفاني، تعكس قوة ارتباط نابوكوف العاطفي بفيرا. لكنها في الوقت ذاته تكشف الهشاشة التي قد يأتي بها هذا النوع من الحب، حيث يصبح كل شيء في حياة المحب متعلقًا بهذا الحب. وإذا ما تصدع، تتصدع الحياة بأكملها.

الحب العميق يجعل المحب يفقد ذاته في الآخر. يتحول الآخر إلى مركز الكون، وكل شيء آخر يتضاءل أمامه. لكن رغم المخاطر التي قد يحملها هذا النوع من الحب، لا يمكن للإنسان أن يعيش بدون حب. الحب ضروري كالهواء الذي نتنفسه.

ومع ذلك، فإن هذا النوع من الحب، كما يهبنا السعادة القصوى، يمكنه أيضًا أن يسلبنا إياها في لحظة. قد يتحول الشخص الذي كان يومًا ما مصدرًا للسعادة إلى مصدر للألم الذي لا يُطاق، وقد يتحول الحب الذي كان ملاذًا إلى سجن لا مفر منه، مليء بالألم والذكريات المؤلمة.

رغم كل هذا، يظل الإنسان يسعى وراء هذا الحب العميق لأنه يحمل وعدًا بالسعادة التي لا تضاهى. وهنا يتساءل الكثيرون: هل يستحق الحب العميق المخاطرة؟ هل يستحق أن نخاطر بقلوبنا ونسلمها لمشاعر قد تحطمنا؟

الإجابة ليست بسيطة، فالحب ليس خيارًا يُتخذ بوعي كامل. إنه شعور يغزو القلب دون سابق إنذار، يأخذنا في رحلة قد تكون محفوفة بالمخاطر، لكنها أيضًا مليئة بالمعاني. وربما تكون المخاطر جزءًا لا يتجزأ من تجربة الحب، فالحب الذي يخلو من المخاطرة قد لا يكون حبًا حقيقيًا. ومع ذلك، فإن التحذير من الحب العميق ليس دعوة للهرب منه، بل هو دعوة للتأمل والتفكير في ماهيته، وكيفية التعامل معه بحذر ووعي.

في رسائلها إلى غسان كنفاني، كتبت غادة السمان: "لقد أحببتك حتى النهاية، حتى آخر قطرة من القلب، رغم أنني كنت أعلم أن هذا الحب قد يقودني إلى الجحيم". تعبر هذه الكلمات عن الحقيقة الصارخة التي يعيشها كل من أحب بعمق، تلك الحقيقة التي تكمن في أن الحب العميق يحمل في طياته احتمالية الألم، ولكنه أيضًا يمنح سعادة تفوق كل ألم.

في نهاية المطاف، الحب من أعماق القلب مغامرة تُخاض بكل ما فيها من مخاطر وجمال. قد تكون مليئة بالآلام، لكنها تمنحنا الفرصة لنعيش الحياة بأقصى عمق. لذا، حذاري أن تحبوا من أعماق قلوبكم، لكن إذا فعلتم، فتأكدوا أنكم مستعدون لمواجهة كل ما يحمله هذا الحب من تجارب، سواء كانت سعادة غامرة أو ألمًا عميقًا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بطلة فيلم -سنو وايت- تخطف الأنظار.. وكريم فهمى يقبل يدها


.. شبكات| الفنانون السوريون يغيرون مواقفهم من بشار الأسد.. كيف




.. رئيس قطاع الهندسة بمدينة الإنتاج الاعلامي من مهرجان البحر ال


.. «نجم المسرح» منصة اكتشاف المواهب الفنية بقيادة «قروب مافيا س




.. فكرة جميلة علشان الجماهير تروح الملاعب وتشجيع فرق كرة القدم