الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الخيانة ليست وجهة نظر
سامح قاسم
2024 / 9 / 22الثورات والانتفاضات الجماهيرية
في زمن تتصارع فيه الأصوات وتختلط فيه الحقيقة بالزيف، يُطل بعض المتربصين في لحظات الشدة والضيق، لينشروا سُمًا في هيئة رأي، محاولين تقويض مفهوم المقاومة. يختار هؤلاء المُتربصون لحظات الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على جنوب لبنان ليُهاجموا المقاومة اللبنانية، ويشمتوا في دورها البطولي، ويُصوروا دفاعها عن الأرض وكأنه عبء أو خيانة لقضايا أخرى. هنا يجب أن نتوقف، ونعيد ترتيب المشهد ونقول بوضوح لا لبس فيه: الخيانة ليست وجهة نظر.
قبل الخوض في الرد على الشامتين والمُتخاذلين، يجب أن نفهم أن المقاومة اللبنانية، مُمثلة بحزب الله، لم تولد من فراغ، ولم تكن خيارًا عابرًا أو انتقائيًا. بل هي وليدة عقود من الاحتلال الإسرائيلي المتكرر للأراضي اللبنانية. منذ الغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982، ولدت المقاومة كضرورة دفاعية، لحماية الوطن والأرض من اعتداءات مستمرة وسعي دائم لإخضاع الجنوب تحت سطوة الاحتلال.
المقاومة ليست مشروعًا عدوانيًا أو مغامرة سياسية كما يُصورها البعض، بل هي حق مشروع في مواجهة الاحتلال والاعتداءات الخارجية. هذا الحق مكفول دوليًا بموجب ميثاق الأمم المتحدة، الذي يقر للشعوب المحتلة والمُعتدى عليها حق الدفاع عن نفسها بكافة الوسائل الممكنة.
وكما قال جان بول سارتر: "الحرية لا تُمنح؛ بل تُنتزع". فالمقاومة في لبنان لم تنتظر إذنًا من أحد، بل جاءت استجابة حتمية لاحتلال واعتداء، رافضة أن تقبل الذل والاستسلام.
في خضم الصراع القائم، يطل الشامتون برؤيتهم الضيقة التي تتلبس بثوب "الواقعية السياسية" أو "الحكمة المزعومة". هؤلاء لا يرون في المقاومة سوى مخاطرة، ويغضون الطرف عن حقيقة واحدة: أن الصمت أمام العدوان هو الخيانة الحقيقية.
إن الذين يقفون على الهامش ويتخذون من النقد سلاحًا لشن حملات تشويه ضد المقاومة، ليسوا سوى أدوات في لعبة دولية أكبر، تحاول أن تفرغ المقاومة من شرعيتها وتجعل الدفاع عن الوطن قضية مشكوكًا فيها. هؤلاء الشامتون يرددون في كثير من الأحيان خطابات تنبع من مصالح ضيقة أو ولاءات خارجية، متناسين أن تاريخ الأمة مليء بالمقاومة التي انتصرت بصمودها، لا بالاستسلام والخضوع.
قال أمل دنقل في قصيدته الشهيرة "لا تصالح":
"لا تصالح ولو منحوك الذهب..
أترى حين أفقأ عينيك، ثم أثبت جوهرتين مكانهما،
هل ترى؟
هي أشياء لا تُشترى!"
الخيانة ليست فقط في خيانة الوطن، بل في خيانة الحقيقة والتاريخ. أولئك الذين يتنكرون لدور المقاومة أو يشمتون في تضحياتها، إنما يخونون تضحيات الأجيال التي ناضلت وضحت لأجل الكرامة والاستقلال.
في تحليلاتهم السطحية، يروج بعض الشامتين لفكرة أن المقاومة جلبت الدمار على لبنان، وأن الحل الأفضل هو "التسوية" أو "التعايش" مع إسرائيل. هذه الفكرة، رغم ما تحمله من بريق "الواقعية"، هي في جوهرها ترويج للاستسلام ورفض للتاريخ وللواقع الذي يُظهر بوضوح أن الاحتلال لا يفهم سوى لغة القوة.
تجربة الأمم والشعوب التي اختارت الاستسلام بدلاً من المقاومة تكشف بجلاء أن النتائج كانت دائمًا كارثية. فلسطين مثال حي على ذلك. منذ النكبة عام 1948، تعيش القضية الفلسطينية في دوامة من التسويات والمفاوضات التي لم تجلب سوى المزيد من الاستيطان والمزيد من الاحتلال. وفي المقابل، كانت المقاومة الفلسطينية واللبنانية هي التي أجبرت الاحتلال على الانسحاب من الجنوب اللبناني عام 2000، وكانت هي من لقن العدو درسًا لا يُنسى في حرب تموز 2006.
قال إرنست همنغواي: "من لا يجرؤ على المقاومة، يستحق أن ينحني تحت ظل الطغيان". المقاومة هي التعبير الأسمى عن الرفض والكرامة، وهي الجواب الوحيد لمن يعتقد أن الأوطان يمكن أن تُباع أو تُشترى.
من بين أبرز الأساليب التي يستخدمها الشامتون هي إثارة النعرات الداخلية، ومحاولة تقسيم المواقف الوطنية. فهم يحاولون الترويج لفكرة أن المقاومة تمثل طائفة أو جماعة معينة، وليست مشروعًا وطنيًا شاملاً. هذا الطرح يستغل التعقيدات الطائفية في لبنان، ويضرب في عمق النسيج الاجتماعي اللبناني.
ولكن الحقيقة تقول إن المقاومة هي مشروع وطني جامع، يتجاوز الحدود الطائفية والسياسية. لقد وقفت المقاومة إلى جانب كل أبناء لبنان، مسلمين ومسيحيين، شيعة وسنة، في مواجهة الاحتلال والعدوان. وإنجازاتها ليست ملكًا لطائفة معينة، بل هي إنجازات للشعب اللبناني بأكمله. فالصمود في وجه العدوان الإسرائيلي هو الذي حمى السيادة اللبنانية، وأكد أن لبنان بلد لا يقبل الهيمنة ولا يخضع للتسلط.
كما يقول نيلسون مانديلا: "المقاومة ليست مشروع فرد أو طائفة، بل هي حق الشعب في الدفاع عن كرامته ووجوده". إن الذين يحاولون تفتيت هذا الحق أو الطعن فيه إنما يمارسون خيانة على مستوى أعلى، لأنهم يخونون وحدة الصف الوطني في لحظة حرجة.
في النهاية، نقول بصوت واضح: الخيانة ليست وجهة نظر. إن النقد الهادف والمشروع للمقاومة يجب أن ينبع من حب للوطن ورغبة في تحسين الأداء وتطوير الوسائل، لا من كراهية مغلفة بأجندات خارجية أو شخصية. أما الشماتة في المقاومة اللبنانية، ومحاولة تقويض شرعيتها في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، فهي ليست إلا خيانة صريحة لكل ما تمثله الكرامة الوطنية، وخيانة لدماء الشهداء وتضحيات الأبطال الذين وقفوا في وجه الاحتلال.
المقاومة اللبنانية، بكل ما حملته من تضحيات وصمود، كانت ولا تزال حصنًا منيعًا أمام الأطماع الإسرائيلية. لقد أثبتت في أكثر من مناسبة أنها ليست مجرد ردة فعل على الاعتداءات، بل هي استراتيجية مستمرة للدفاع عن الأرض والسيادة. ومن هنا، يجب أن نؤكد: أن تكون مع المقاومة هو أن تكون مع الوطن، أما أن تشمت أو تتخاذل، فهو أن تختار الخيانة، والخيانة ليست سوى انحراف عن الحق والحقيقة، ولا يمكن أن تُبرر كوجهة نظر.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - عجب العجاب من بعض الكتاب
س. السندي
(
2024 / 9 / 22 - 19:18
)
بداية تحياتي لك وردي ؟ :
١-;-: طيب أين قولك أن العمالة ليست وجهة نظر من خيانة ما تسميه محور المفاخدة
لشعوبهم أوطانهم ، فهل العمالة لإيران حلال وغيرهم حرام ؟
٢-;-: صدقني هؤلاء قمة في الخيانة العمالة لابل وفي الخسة والنذالة ؟
٣-;-: كفى تزوير الحقائق وتزيل الوقائع يا من تدعون أنكم كتاب متنوين . عييييب؟
ليس
.. الشرطة الإيطالية تعتدي على متظاهرين مؤيدين لفلسطين في ميلانو
.. الحكومة تعالج الاختلالات المالية من جيوب المغاربة #المغرب
.. تغطية القناة الأولى للجلسة الافتتاحية للمؤتمر الإقليمي لحزب
.. محمد نبيل بنعبد الله : صفقة أكبر محطة لتحلية المياه فازت به
.. علم الحراك الشعبي في سوريا لعام 2011 شوهد وهو معلقا خارج الق