الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عواقب الخذلان العربي للمقاومة في غزة ولبنان

سامح قاسم

2024 / 9 / 24
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


في السياقات التاريخية والسياسية للعالم العربي، كانت قضية المقاومة الفلسطينية، وبشكل أكثر تحديداً المقاومة في غزة، بالإضافة إلى دور المقاومة اللبنانية المتمثلة في حزب الله، تمثل نقاطاً مفصلية في تحديد الهوية السياسية والوطنية للأمة العربية. على مدار عقود، كان خطاب الوحدة العربية والدعم المطلق للمقاومة شعاراً مركزياً في السياسة العربية. ومع ذلك، تراجعت في السنوات الأخيرة العديد من الدول العربية عن هذا الموقف، متبنية سياسات أكثر براغماتية أو حيادية تجاه القضية الفلسطينية والمقاومة اللبنانية.
ففي ظل تخلي الكثير من الدول العربية عن المقاومة في غزة ولبنان وتبني هذه الدول موقف المتفرج، نحاول هنا أن ننقاش بالتفصيل عواقب خذلان العرب للمقاومة من النواحي السياسية، الاجتماعية، والإنسانية، وكيف أثّر هذا الخذلان على هذه الحركات وعلى الشعوب التي تعتمد عليها.

أولاً: الأثر السياسي
خذلان العرب للمقاومة في غزة ولبنان يرتبط بشكل مباشر بالتغيرات الجذرية في المشهد السياسي الإقليمي منذ أوائل الألفية الجديدة. كانت هناك عدة نقاط فاصلة أدت إلى تراجع الدعم العربي:
1- اتفاقيات التطبيع: مع توقيع عدة دول عربية لاتفاقيات تطبيع مع إسرائيل، شهدت القضية الفلسطينية، والمقاومة بشكل عام، تحولات جذرية. هذه الاتفاقيات لم تقف فقط عند حد الاعتراف بإسرائيل، بل تعدّت ذلك إلى بناء علاقات دبلوماسية واقتصادية. هذا الأمر أضعف الموقف العربي تجاه دعم المقاومة، إذ أن التعاون العلني مع إسرائيل بات يتناقض مع أي مواقف شعبية أو سياسية تعزز دعم المقاومة.

2- الانقسامات الداخلية: شهد العالم العربي تشرذمًا سياسيًا كبيرًا، سواء بين الدول أو داخلها. الثورة السورية، الحرب في اليمن وفي السودان، والأزمات السياسية في لبنان والعراق، كلها عوامل قللت من القدرة العربية الجماعية على تقديم دعم فعال للمقاومة. كانت هناك أولويات داخلية للدول العربية، مما جعلها تركز على الاستقرار الداخلي بدلًا من الانخراط في الصراعات الإقليمية الكبرى.

3- التحولات في مواقف القوى الإقليمية: تركيا وإيران باتتا تلعبان دورًا أكبر في دعم المقاومة مقارنة بالدول العربية، مما أدى إلى إضعاف الموقف العربي التقليدي تجاه القضية الفلسطينية. هذه التحولات أثارت انقسامات أكبر داخل العالم العربي، حيث باتت بعض الدول ترى في دعم المقاومة وسيلة لتعزيز نفوذ دول غير عربية في المنطقة.

ثانياً: الأثر العسكري والأمني
الخذلان العربي للمقاومة في غزة ولبنان لم يقتصر على الجانب السياسي فحسب، بل امتد ليشمل الجوانب العسكرية والأمنية. لقد أثّر تراجع الدعم المالي والعسكري بشكل مباشر على قدرة الحركات المقاومة على الصمود أمام إسرائيل. من بين أبرز التداعيات:

1- تدهور القدرات العسكرية للمقاومة: أحد أبرز عواقب الخذلان العربي هو تراجع القدرة العسكرية للمقاومة. فقد كانت بعض الدول العربية تقدم دعمًا عسكريًا وتقنيًا مباشرًا أو غير مباشر للمقاومة الفلسطينية واللبنانية. ومع توقف هذا الدعم أو تراجعه، أصبحت المقاومة تعتمد بشكل أساسي على الدعم الإيراني والجهود الذاتية في تطوير منظوماتها الدفاعية والهجومية.

2- تعزيز الهيمنة الإسرائيلية: التراجع العربي عن دعم المقاومة فتح المجال لإسرائيل لتعزيز هيمنتها العسكرية في المنطقة. الهجمات المكثفة على غزة، مثل حروب 2008 و2014، 2023، كانت أمثلة واضحة على كيف أن ضعف الدعم العربي للمقاومة جعلها أكثر عرضة لهجمات إسرائيلية مدمرة. نفس الأمر ينطبق على لبنان، حيث تقلص الدعم العربي أدى إلى تعزيز التهديدات الإسرائيلية ضد حزب الله، رغم أن الأخير لا يزال يحافظ على قوة كبيرة في المنطقة.

3- تصاعد دور اللاعبين غير العرب: مع تراجع العرب، لعبت إيران دورًا أكبر في دعم المقاومة اللبنانية، وحماس في غزة. هذا التحول كان له تأثير مزدوج؛ فمن جهة قدم لإسرائيل ذريعة لتعزيز هجماتها تحت شعار "مواجهة النفوذ الإيراني"، ومن جهة أخرى زاد من تعقيد العلاقات بين حركات المقاومة والدول العربية التي باتت تعتبر إيران تهديدًا.

ثالثاً: العواقب الإنسانية والاجتماعية
الخذلان العربي للمقاومة لم يقتصر على الجوانب السياسية والعسكرية، بل كانت له تداعيات إنسانية واجتماعية جسيمة على شعوب المقاومة في غزة ولبنان:

1- الضغوط الاقتصادية والمعيشية: غزة تعاني من حصار اقتصادي خانق منذ سنوات طويلة. ومع تراجع الدعم العربي، ازداد العبء على سكان غزة الذين يعتمدون على المقاومة في توفير بعض الاحتياجات الأساسية. الأوضاع الاقتصادية في القطاع تفاقمت، مما زاد من معاناة الشعب الفلسطيني. في لبنان، تدهور الوضع الاقتصادي بشكل أكبر بعد الأزمة السياسية والمالية التي تضرب البلاد، مما أثّر على قدرة حزب الله على تقديم الخدمات والدعم لأبناء الجنوب اللبناني.

2- الأزمة الإنسانية في غزة: القطاع يعاني من نقص حاد في المواد الغذائية، والمياه، والكهرباء، والرعاية الصحية. ومع تراجع الدعم العربي المباشر أو غير المباشر للمقاومة، ازداد الضغط على المؤسسات الإنسانية والاقتصادية في غزة. كانت هناك فرص لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني، لكن تراجع المساعدات والدعم العربي جعل الوضع أكثر تعقيدًا.

3- تراجع الروح المعنوية: المقاومة في غزة ولبنان تعتمد بشكل كبير على الدعم الشعبي العربي. ومع تراجع هذا الدعم، تراجعت الروح المعنوية ليس فقط لدى الحركات المسلحة، بل أيضًا لدى الشعوب التي تعتمد على المقاومة كرمز للنضال والكرامة. رؤية بعض الدول العربية تتخلى عن القضية أو تلتزم الحياد في صراعات حاسمة أثر على المشاعر الشعبية العربية تجاه المقاومة، وأدى إلى شعور بالعزلة.

رابعاً: الأثر على الوحدة العربية
الخذلان العربي للمقاومة لم يؤثر فقط على فلسطين ولبنان، بل أدى إلى إضعاف مفهوم الوحدة العربية. كانت القضية الفلسطينية تمثل رمزًا للوحدة العربية عبر العقود. ومع تراجع الدعم العربي، تبدد هذا الرمز، وأصبح التشرذم العربي أكثر وضوحًا.

1- تدهور الرابطة القومية: القومية العربية كانت في مركز الخطاب العربي منذ منتصف القرن العشرين. دعم المقاومة كان أحد الأسس التي بُني عليها هذا الخطاب. ومع تراجع الدعم العربي، تراجعت القومية نفسها، وأصبح العرب أكثر انقسامًا وتفككًا.

2- صعود النزاعات الإقليمية: الخلافات بين الدول العربية حول كيفية التعامل مع المقاومة في غزة ولبنان أدت إلى تعميق الصراعات الإقليمية. باتت بعض الدول العربية ترى في دعم المقاومة تحديًا لمصالحها الإقليمية، بينما دول أخرى ترى أن التخلي عن المقاومة خيانة للقضية الفلسطينية.

خامساً: مستقبل المقاومة في ظل الخذلان العربي
المستقبل يبدو معقدًا، فالمقاومة في غزة ولبنان لا تزال قائمة، لكنها تواجه تحديات غير مسبوقة. في ظل تراجع الدعم العربي، ستستمر المقاومة في البحث عن بدائل، سواء من خلال التحالف مع قوى إقليمية غير عربية مثل إيران أو تركيا، أو من خلال تعزيز قدراتها الذاتية. ومع ذلك، فإن عواقب هذا الخذلان ستستمر في التأثير على الحركات المقاومة وشعوبها لسنوات قادمة.

1- المقاومة الذاتية: ستستمر حركات المقاومة في تعزيز قدراتها الذاتية عبر تطوير التكنولوجيا العسكرية وإيجاد مصادر تمويل جديدة. لكن هذا النهج لن يكون كافيًا لتعويض الدعم العربي المفقود.

2- تحالفات جديدة: إيران وتركيا ستلعبان دورًا أكبر في دعم المقاومة، مما قد يغير التوازنات الإقليمية بشكل أكبر. إلا أن هذا التحالف قد يعمق أيضًا الانقسامات بين الدول العربية ويزيد من تعقيد الوضع الإقليمي.

خذلان العرب للمقاومة في غزة ولبنان يمثل انعكاسًا للتغيرات العميقة التي يمر بها العالم العربي. هذا التراجع له عواقب سياسية وعسكرية وإنسانية واسعة على المقاومة والشعوب التي تعتمد عليها. في النهاية، فإن المقاومة لا تزال قائمة، ولكنها تواجه تحديات هائلة في ظل غياب الدعم العربي الفعّال. على الرغم من كل ذلك، تبقى المقاومة جزءًا لا يتجزأ من النضال الفلسطيني واللبناني، وستستمر في البحث عن وسائل جديدة للصمود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الإيطالية تعتدي على متظاهرين مؤيدين لفلسطين في ميلانو


.. الحكومة تعالج الاختلالات المالية من جيوب المغاربة #المغرب




.. تغطية القناة الأولى للجلسة الافتتاحية للمؤتمر الإقليمي لحزب


.. محمد نبيل بنعبد الله : صفقة أكبر محطة لتحلية المياه فازت به




.. علم الحراك الشعبي في سوريا لعام 2011 شوهد وهو معلقا خارج الق