الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيروت.. وجه الله في مرآة البحر

سامح قاسم

2024 / 9 / 26
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


بيروت، تلك المدينة التي يتقاطع فيها الضوء مع العتمة، والشِعر مع الرصاص، والألم مع الرجاء، لطالما كانت معبرًا للأزمنة، وجسرًا بين السماء والأرض. في كل زقاق من أزقتها يختبئ تاريخٌ من الغرق والنجاة، وفي كل زاوية يقف صوتٌ هادر يتحدى الزمان والمكان. إنها مدينة الله، المكان الذي يتسرب فيه الغناء رغم جراحها، ويتجلى فيها الحمال في أبهى صوره، رغم الفوضى التي تكتنف تفاصيلها.
بيروت، المدينة التي تطل على البحر كأنها تحمل على عاتقها أعباء العالم بأسره، تنظر إلى الأفق وكأنها تبحث عن سرٍ خفي. هناك في هذه المدينة، يلتقي الجمال بالألم، والبحر بالسماء، حيث تقول الجدران المشققة حكايات النجاة والخوف، وتبقى عيون الناس مفتوحة على الأمل.
"بيروت، مدينة تبدو وكأن الله قد أودع فيها أسرار الخلق والتجدد. ففي كل مرة تنهض من الرماد، كأنها تنطق بلغة الخلود."
في نظر الله، كما في نظر أهلها، كانت بيروت مدينة لا تُهزم. كلما ضُربت أو غُدرت، كانت تنهض من جديد، عاقدة العزم على الحياة، مستمدة قوتها من إيمان عميق بأن المقدس يقطن في تفاصيلها البسيطة، في كل حجر وفي كل زهرة تتفتح على شرفاتها المتعبة.
قد تكون بيروت أكثر المدن التي تشهد على الألم والفداء، لكنها أيضاً أكثرها تمسكاً بالحياة، وكأنها تدرك أن الله لا يتخلى عن الباحثين عن الحب، الساعين إلى المودة والسلام. كانت بيروت على الدوام ملاذاً للأحرار، وللشعراء الذين جعلوا من هذه المدينة أيقونة للبطولة والرثاء. كيف لا، وهي التي شهدت الحروب، لكنها بقيت، كأن السماء قد حفظتها من الزوال.
"السماء فوق بيروت ليست كالسماء فوق المدن الأخرى، إنها سماء تدمع وتضيء، تترقب وتحنو. الله هنا، بين الأنقاض والشوارع، قريب من الأيدي التي تصلي ومن تلك التي تعمل."
بيروت ليست مجرد مدينة، إنها كائن حي. كلما حاولت الحروب أن تخنقها، كانت تُولد من جديد. وكأنها تقول للعالم إن الله في كل ذرة من ترابها، وأن الصمود هو صلاتها الأبدية. إن من يمرّ في شوارعها، لا يمكن إلا أن يشعر أن هناك قوى غير مرئية تحميها من الانكسار.
في كل حي من أحياء بيروت، ثمة روح تنتظر من يكتشفها. كما أن الله لم يخلق الجمال فقط في السماء، بل أودع شيئاً منه في هذه المدينة التي تمزج بين الطوائف، وبين الماضي والحاضر، بين التراث والحداثة. إنها مدينة الله بكل معنى الكلمة، ففي صلب تاريخها تظهر لحظات من التجلي الإلهي. عندما تشاهد مشهد الغروب على البحر، أو تستمع لصوت المآذن مختلطة بأجراس الكنائس، تدرك أن الله قد بارك هذه الأرض لتكون شاهدة على كل ما هو مقدس.
"بيروت، هي الصليب الذي نحمله في أرواحنا، هي القبلة التي لا يغيب عنها الإيمان، مهما غابت الشمس عن سمائها."
بيروت هي تلك المدينة التي رغم الجراح التي تنزف منها، لا تفقد بريقها. وكأن الله قد وهبها روحاً لا تموت، حتى في أقسى اللحظات. هذه الروح تجسدت في مقاومتها لكل ما مر بها من ويلات. لم تكن بيروت فقط مسرحاً للصراعات، بل كانت ولاتزال رمزاً للصمود.
بيروت مدينة الشهداء، أولئك الذين اختاروا التضحية بأنفسهم لأجل حياة أفضل. كل ركن في المدينة، كل شارع، كل زاوية يحمل في طياته ذكرى لمن غادروا حياتهم ليمنحوا لمدينتهم الأمل بالاستمرار. هؤلاء هم من جعلوا من بيروت مدينة الله، مدينة تشهد على أن الدماء لا تذهب هباء، وأن الفداء هو طريق الخلود.
"في كل روحٍ فارقت جسدها على أرض بيروت، كان الله حاضراً، يبارك الشهداء ويُخلد ذكراهم. إنهم أبناء النور الذين لا يخشون العتمة."
في لحظات الحرب والحصار، حين تبدو السماء بعيدة والأرض قاسية، تظل بيروت تشهد على معجزة الخلق. إنها مدينة الله لأنها تعرف كيف تحوّل الفناء إلى حياة، وكيف تجعل من الموت شهادة على الحق، ومن الصمت صرخة في وجه الظلم.
لطالما كانت بيروت مصدر إلهام للشعراء والكتاب، الذين رأوا فيها المدينة التي تجمع المتناقضات. إنها المدينة التي تُصلي بلا توقف، تدعو إلى الله في كل لحظة، وتسأل عن رحمته في كل ضربة تلقتها. وكما كتب محمود درويش: "بيروت، خيمتنا الأخيرة.. بيروت، طريقنا إلى السماء."
بيروت لم تكن يومًا مدينة عابرة في جغرافيا العالم، بل هي نقطة التقاء بين الأرض والسماء، بين ما هو مادي وما هو روحي. شعراءها وأنبياؤها كانوا على الدوام يستلهمون من قوتها ليعبروا عن الإيمان الذي لا يموت، والحب الذي لا يفنى، والصمود الذي لا يُقهر.
بيروت، مدينة الله التي تسكن بين البحر والسماء، بين الجرح والأمل، تبقى على الدوام عنوانًا للصمود والإيمان. إنها المدينة التي تحمل في قلبها قوة الخلق والصمود، تلك القوة التي تستمدها من الإيمان بأن الله موجود في كل ركن من أركانها، في كل حجر، وفي كل روح تعبر شوارعها.
بيروت ليست مجرد مدينة على خريطة، إنها شهادة حية على صلوات المقهورين. تبقى بيروت مدينة الله، لأن فيها يُعانق الإيمان الحياة، وتُولد المعجزات من رماد الحروب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الإيطالية تعتدي على متظاهرين مؤيدين لفلسطين في ميلانو


.. الحكومة تعالج الاختلالات المالية من جيوب المغاربة #المغرب




.. تغطية القناة الأولى للجلسة الافتتاحية للمؤتمر الإقليمي لحزب


.. محمد نبيل بنعبد الله : صفقة أكبر محطة لتحلية المياه فازت به




.. علم الحراك الشعبي في سوريا لعام 2011 شوهد وهو معلقا خارج الق