الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نخب الأقليات والنموذج الإسرائيلي

صالح سليمان عبدالعظيم

2006 / 12 / 26
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


أخطر ما في الوجود الإسرائيلي في المنطقة العربية، أنه أوجد نموذجاً للتوسع والهيمنة ونفي الآخر، احتذته وأخذت به الكثير من نخب الأقليات في عالمنا العربي، سواء تم ذلك بوعي أو بغير وعي، بقصد أو بغير قصد، بسوء نية أو بحسن نية. لقد بدأت اسرائيل بمجموعة من اللاجئين المتطفلين على الأراضي الفلسطينية، وهاهي اليوم، وفي ظل الضعف العربي المتواصل، الدولة الأقوى، الأكثر استعلاءً ونفوذاً في المنطقة. وفإذا كانت اسرائيل قد نجحت فلماذا لا يقلدها الآخرون، المستشعرون بضعفهم، الراغبون في الاستقواء، ولو على حساب الأغلبية، وبشكل خاص في ظل الهجمة الشرسة ضد العالم العربي، المسلم بالأساس. ماذا تفعل نخب الأقليات في العالم العربي الآن؟ وماهي عناصر النموذج الإسرائيلي الذي تحتذيه وتأخذ به وتكرسه؟

أهم ما يلفت النظر في السلوك المعاصر لنخب لأقليات في العالم العربي هو محاولة التمايز عن الأغلبية. لا تأتي هذه المحاولة من الرغبة في الحفاظ على التراث والتاريخ والملامح الخاصة بالأقليات، لكنها تنبع في الأساس من الرغبة في التمايز عن الأغلبية العربية المسلمة، اتساقاً مع الخطاب الغربي المُحط لكل ما هو عربي وإسلامي بالأساس. وفي هذا السياق، تحفل كتابات أبناء الأقليات، خصوصاً المكتوبة بلغات غير عربية بالنقد الحاد والاتهامات الغير مسبوقة لكل ما هو عربي ومسلم، مع التقليل والحط من شأن الأغلبية. إضافة إلى محاولة التأكيد على عدم صلة أبناء الأقليات بما يحدث في العالم العربي.

وفي إطار ذلك، يصل الأمر ليس فقط إلى التمايز على مستوى الأفكار والتوجهات والسلوكيات، بل يتعداها إلى خلق تمايز آخر وموازي على مستوى الشكل الخارجي الخاص بالملبس بشكل عام، وغطاء الشعر بالنسبة للسيدات بشكل خاص. ويعجب المرء كيف أن نساء إحدى الأقليات في المنطقة العربية اللاتي ينتمين إلى أطر تقليدية شعبية وريفية محافظة، قد قمن بكشف رؤوسهن، رغبة في التأكيد على التمايز عن هؤلاء المسلمات اللاتي يرتدين الحجاب. كما أن الملاحظ لما تطالعنا به القنوات الفضائية العربية يكشف عن الدرجة التي بلغتها الرغبة الحادة في التمايز لدى القنوات التابعة لبعض الأقليات، والتي تصل إلى مستوياتها القصوى في طبيعة البرامج الغربية المقدمة، والمصحوبة في ذات الوقت بمستويات عُري غير مسبوقة. وفي الحالتين لم يكن هذا السلوك مدفوعا برغبة أبناء الأقلية ككل، بقدر ما هو تعبير عن توجهات نخبوية مهيمنة ودافعة ومشجعة.

إن ألف باء التعامل الإنساني يتمثل في أننا جميعا ننتمي إلى جنس واحد، حيث تجمعنا خصائص إنسانية واحدة ومشتركة، حتى لو اختلفت المستويات الحضارية فيما بيننا. وحينما يختلق البعض منا أشكالاً مختلفة ومتنوعة من التمايز يستعلي بها على الآخرين، فإنه يبدأ على الفور في ممارسة أشكال أخرى مختلفة ومتنوعة من الانتهازية. ولعل ذلك هو لب المشروع الإسرائيلي الاستيطاني الاستعماري، وللأسف فإن هذا هو السلوك المصاحب الآن لأغلب نخب الأقليات في العالم العربي المعاصر. فحينما تحين الفرصة أمام هذه النخب للحصول على مكاسب ما، خصوصاً إذا ما جاءت مصحوبة بالضغوط الخارجية، فإنه يتم الاستفادة منها لأقصى درجة، مع ضرورة التأكيد على ألا يبدو الفضل في ذلك راجعا للأغلبية.

كما أنه من المفروض هنا الحصول على الفوائد المختلفة بشكل استعلائي يبدو للآخر الغربي الفضل فيه أكثر من أى طرف آخر. أما إذا لم يحصل أبناء الأقليات على ما يريدونه فحينئذ يصبون جام غضبهم على أبناء الأغلبية، ودرجات القمع والظلم الذي يتعرضون له. ففي حالة تعظيم المنافع هناك صمت تام، وفي حالة عدم الحصول على شيئ هناك الصياح والولولة. من الأشياء اللافتة للنظر هنا، الكيفية التي تحتفي بها نخب الأقليات في العالم العربي بالكتاب اللبراليين، سواء المنتمين للأغلبية أو للأقليات ذاتها، الذين يهاجمون الأغلبية ويدافعون عن الأقليات. في الوقت نفسه، الذي تقوم فيه هذه النخب بمهاجمة كل من يخرج عن اتفاقهم واجماعهم وتوجهاتهم، سواء أكان من أبناء الأغلبية أو من أبناء الأقليات ذاتها.

وارتباطاً بذلك، يستند أبناء نخب الأقليات في العالم العربي اليوم إلى الظهير الغربي المسيحي، وبشكل خاص الأمريكي منه بالأساس أكثر من أى شيئ آخر. وكما نتحدث عن اللوبي الإسرائيلي، يمكننا أيضاً الحديث عن لوبي ينتمي بالأساس إلى أبناء الأقليات المهاجرة من العالم العربي إلى الغرب. ولا يعيب الأمر هنا بالتأكيد أن يشكل أبناء الأقليات المهاجرة من العالم العربي لوبي يستفيدون من خلاله لتعظيم مصالحهم سواء في دول المهجر أو لذويهم في الدول العربية التي هاجروا منها، حتى لو جاء ذلك على حساب أوطانهم تلك!!

العيب هنا يتمثل في الإدعاءات المتواصلة التي يمارسها أبناء الأقليات حينما يجاهرون بأنهم لا يمثلون جماعة ضغط ضد أوطانهم، وأنهم يعملون من أجل الصالح العام لأوطانهم. في هذه الحالة يمارس أبناء الأقليات انتهازيتهم وأنانيتهم وخطاباتهم المزيفة الاستعلائية. والملاحظ الآن أن أكثر الخطابات المكتوبة قسوة وتحريضا ضد العالم العربي والإسلامي، سواء تلك المكتوبة في الخارج، أو تلك المكتوبة في العالم العربي، هي تلك الممهورة بأسماء بعض أبناء الأقليات التي تنتمي إلى العالم العربي. وفي هذا السياق تستفيد هذه الأقلام بدرجة غير مسبوقة من المواقع الجديدة المنتشرة على الإنترنت، كما تستفيد من حجرات الدردشة التي يمارس فيها البعض أكثر أشكال الهجوم تحريضاً ضد الإسلام بعامة، وضد العرب بخاصة.

لا يمكن للمرء هنا، بأى حال من الأحوال، أن يعفي الأغلبية مما وصل إليه حال العلاقات مع الأقليات في العالم العربي المعاصر. وبشكل عام يمكن القول بأن العلاقات بين الأغلبية والأقليات في العالم العربي لم تكن طوال العقود المنصرمة في أحسن حال، حيث شابها الكثير من التوترات والصراعات التي وصلت في بعض الأحيان إلى حد المواجهات المباشرة. لكن الأمر الذي يجب وضعه في الاعتبار هنا أن الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها أبناء الأغلبية والأقلية على السواء في العالم العربي قد ألقت بظلالها على طبيعة العلاقة فيما بينهما، بما يمكن معه القول بأن الصراعات والمشكلات بين الأغلبية والأقلية كانت حصيلة لصراعات نخبوية بالأساس أكثر منها انعكاساً لتوجهات شعبية عريضة.

إضافة إلى ذلك فإن حدة العلاقات بين أبناء الأغلبية وأبناء الأقليات تتصاعد دائما بسبب من ممارسات النخب الممثلة لكل منهما. وهو الأمر الذي يتطلب القول والتأكيد على أن القاعدة العريضة في العالم العربي أغلبية وأقلية مازالت بخير، على الأقل بحكم حتمية الجوار التاريخي والمعاملات الحياتية اليومية، وهو الأمر الذي يقلل من حجم الصراعات والتوترات بينهما إلى حد بعيد. لكن المخاطر تنشأ بشكل رئيسي من خلال النخب المعاصرة سواء من قبل بعض المنتمين إلى الأقليات أو من قبل بعض المنتمين إلى الأغلبية، وهو الأمر الذي يستدعي بدرجة أو بأخرى خلق نخبة مغايرة مضادة لمثل هذه التوجهات على كلال الطرفين، تحتذي نماذج وطنية أخرى ليس من بينها النموذج الإسرائيلي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا


.. أوضاع إنسانية صعبة في قطاع غزة وسط استمرار عمليات النزوح




.. انتقادات من الجمهوريين في الكونغرس لإدانة ترامب في قضية - أم


.. كتائب القسام تنشر صورة جندي إسرائيلي قتل في كمين جباليا




.. دريد محاسنة: قناة السويس تمثل الخط الرئيسي للامتداد والتزويد