الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، (الحلقة الأولى): مدخل: المشروعات الاستيطانية الأوروبية البيضاء

مسعد عربيد

2024 / 10 / 3
القضية الفلسطينية


الفصل الأول

مدخل

واهمٌ مَنْ يتصور أن حرب الإبادة على شعبنا في غزّة والضفة الغربية المحتلة هي بداية هذه الإبادة أو نهايتها في صراعنا مع العدو الصهيوني - الإمبريالي ومشروعه الاستيطاني في فلسطين.

وواهمٌ أيضاً من يَظن أن هذا العدو قد يتوقف عن مذابحه وحروبه عبر المفاوضات أو الاتفاقيات. فالمشروع الصهيوني منذ بدايته، وسيّان أعلن العدو عن ذلك أم أبقاه طي الكتمان، هو مشروع إحلالي هدفه التخلص من عرب فلسطين، سواء بالإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني أو الترانسفير أو كلاهما معاً، وتدمير كافة مقومات المجتمع الفلسطيني.

وعليه، فالقول بإن الكيان الصهيوني (وسوف نسميه أيضاً في هذا البحث "الكيان") لم يحقق أهدافه في حرب الإبادة على قطاع غزّة والضفة الغربية المحتلة منذ "طوفان الأقصى" قد يصح على أهدافه المعلنة مثل وهم نتنياهو أو حلمه ب"النصر المطلق" و"تحرير الرهائن" وتصفية حماس والمقاومة الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين إلى خارج قطاع غزة وغيرها. ويصح هذا القول أيضاً لأن العدو لم ولن يتمكن من كسر شوكة الصمود والمقاومة لدى شعبنا.

أما في الحديث عن أهدافه المستترة في إفناء الشعب الفلسطيني وتدمير قطاع غزة والضفة الغربية، فعلينا أن نتوخى الدقة وأن نغوص في عمق ايديولوجيته ومخططاته، كي نوعي المواطن العربي بها وبمخاطرها على فلسطين والوطن العربي بأسره.
▪️▪️▪️
نتناول في "مدخل" هذا البحث طبيعة المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين كونه واحداً من المشروعات الاستيطانية الأوروبية البيضاء، بل هو آخرها، بقصد تجليسه (الاستيطان الصهيوني) في إطار المشروعات العنصرية البيضاء، دون إغفال أوجه الشبه والاختلاف وتميّزه عن المشروعات الأخرى.

وفي الفصول اللاحقة، نتابع تطور هذا المشروع منذ نشأته في ثمانينيات القرن التاسع عشر، وعبر مراحله التاريخية وصولاً إلى الاحتلال البريطاني لفلسطين، وقيام الكيان الصهيوني عام 1948 وما تلاه. وفي كلٍ من هذه المراحل، نضيء على المعاني الأيديولوجية والسياسية للاستيطان لدى قادة الحركة الصهيونية، وتكيف مخططاته وأدوته مع ظروف تلك المرحلة، ونستشهد بأقوال هؤلاء القادة وصانعي القرار لديه.

(1)
المشروعات الاستيطانية الأوروبية البيضاء
في نشأة الاستيطان:
الفكرة والمشروع
عاشت أوروبا عصر القرون المظلمة خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر والتي اتسمت بركود وتخلف اجتماعي واقتصادي وفكري وثقافي، إلى أن خرجت المجتمعات الأوروبية خلال عصر النهضة (يطلقون عليه أيضاً اسم عصر التنوير أو عصر العقل) الذي امتد عبر القرنين السابع عشر والثامن عشر.

خلال القرن السادس عشر، عصر الاكتشافات الجغرافية، خرجت أوروبا إلى العالم بغية التوسع والهيمنة والاستيطان متكئةً على حجج وذرائع التمدن والتفوق الحضاري والأخذ بيد "الشعوب المتخلفة" للارتقاء بها ومساعدتها على التقدم.

رافقت مشروعات الاستيطان الأوروبي، إذن، الاكتشافات الجغرافية. ومنذ ذلك الحين، وعلى مدى خمسة قرون، شهد التاريخ البشري، حقبة وظاهرة الاستيطان الكولونيالي الإحلالي:
أي احتلال أراضي "الآخر" واقتلاع شعوبها وسكانها الأصليين وإحلالها بشعب آخر، أو مجموعة سكانية بأخرى.

ومن أجل تحقيق مصالحه الاستعمارية وحمايتها، صاغ الغرب الاستعماري إيديولوجيا ورؤيةً تختزل العالم وفق منظوره، وتنطلق من "تفوقه العرقي والحضاري" وتلغي خصوصيات وثقافات شعوب المستعمرات الاستيطانية. فإنجاز المشروع الاستيطان الكولونيالي يتطلب ذرائع وتبريرات من أجل السيطرة على الأرض، ثم إبادة المكونات الأساسية لوجود وهوية السكان الأصلانيين وإحلالها بمجموعات الغزاة المستوطنين، كما يتطلب تدمير الأسس المادية والمعنوية لأهالي هذه المستوطنات من بنية تحتية وثقافة وتاريخ ولغة وتراث وغيرها.

على هذا البنيان - إبادة السكان الأصليين - أنشأ المستوطنون الأنجلو مستعمراتهم في أميركا الشمالية (كندا والولايات المتحدة) وأستراليا ونيوزيلندا، بينما أقام الفرنسيون والإسبان مستعمراتهم الاستيطانية في أمريكا الوسطى والجنوبية ومنطقة البحر الكاريبي والمحيط الهادئ وأفريقيا، وعلى رأسها الجزائر.

الاستيطان وتراكم رأس المال

خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، تنامت المشاريع الاستيطانية ساعية إلى الهيمنة الإستراتيجية والسيطرة على الأسواق والمواد الأولية والأيدي العاملة الرخيصة. ولكنها، بالإضافة، روّجت للاستيطان ضمن منظومة أيديولوجية عنصرية استعمارية من خلال ادعاءات التنوير ونشر الحضارة والقيم الإنسانية الراقية، كما سعت إلى نشر الدين المسيحي والثقافة الغربيين، عبر الإرساليات التبشيرية في العديد من أجزاء العالم.

شكّلت المشروعات الاستيطانية ركيزة التوسع الاستعماري الأوروبي الأبيض وهيمنته على الكون، ووفرت المقدمة والتراكم لنشوء الرأسمالية كنمط إنتاج وكنظام اجتماعي - اقتصادي.

هكذا صعد الغرب الرأسمالي مروجاً لشرعنة وتبرير الغزو والاحتلال وإبادة الشعوب المستعمَرة ونهب ثرواتها وتحويلها إلى المراكز والمدن الرئيسية الأوروبية. ونتيجة لذلك، راكم المستعمرون الأوروبيون ثروات هائلة أثمرت ثورة صناعية واقتصادية ونهضة اجتماعية في العديد من بلدانهم، فقامت فيها منظومات سياسية وتشريعية ودستورية لاستدامة وتطور المشروع الرأسمالي.

لنأخذ نشأة الولايات المتحدة كمثال للتدليل على ما نقول.
كان تأسيس الولايات المتحدة كدولة استيطانية بمثابة بداية حرب استمرت عقوداً عديدة ضد السكان الأصليين من أجل محوهم والاستيلاء بالعنف على أراضيهم ومزارعهم ومصادر قوتهم، وإحلالهم بالمستوطنين الأوروبيين البيض.
ولكن المشروع الاستيطاني في الولايات المتحدة لم يتوقف على إبادة السكان الأصلانيين Native Americans، بل امتدت آلة القتل والإبادة إلى الأفارقة الذين تم "تصيدهم" واستحضارهم قصراً مكبلين بسلاسل العبودية من سواحل أفريقيا الغربية عبر المحيط الأطلسي Transatlantic Slavery إلى الشواطئ الشرقية لأميركا الشمالية، ما أدى عمليا إلى إخلاء الساحل الغربي لأفريقيا. وخلال رحلات الاستعباد هذه فتكت الأمراض بالأفارقة وأفنت منهم الملايين قبل وصولهم إلى شواطئ أميركا الشمالية.
هكذا تمكن المستوطنون البيض من خلق اقتصاد كبير وسوق ضخمة. وبهذا المعنى، فإن إقامة المستوطنة الأوروبية البيضاء في الولايات المتحدة وبناء مقوماتها الاقتصادية، كانت على حساب وكلفة الملايين من الشر:
أ) السكان الهنود الأصليين؛
ب) الأفارقة من بلدان الساحل الغربي للقارة الأفريقية.
✺ ✺ ✺








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مشاهد للدمار في مطار المزة العسكري جراء الغارات الإسرائيلية


.. جيش الاحتلال يسقط مئذنة مسجد في حي الجنينة شرقي رفح




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استهداف روسي لدبابة أوكرانية


.. احتفالات في مدن أوروبية عدة بعد سقوط نظام بشار الأسد




.. فرق الدفاع المدني تنهي البحث عن مفقودين في سجن صيدنايا