الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب على غزة تهجير وخيام وأرواح

سعاد أبو ختلة

2024 / 10 / 5
الادب والفن


الخيمة، مفردة دخلت قاموسنا اللغوي اليومي عنوة، لا نعرف ان كانت فعل أم فاعل أو مفعول به، خيمتنا لم تكن كالخيام، صنعت بأيدينا، خطناها بتوجس وخيفة أن تلتهم عمرنا وتصبح شرنقتنا، تغلف روحنا وتكبلها، كانت عبارة عن شادر أزرق، يلتحم بسلك يلف حول أعمدة خشبية، في اليوم الأول للنزوح نمنا في العراء، تكدسنا ننظر للسماء، لم نتوقع بعد كل هذا السجال أن يهجروننا من رفح، صوت الموج في الليل، وحشرات تتطاير وقلوب وجلة، صمت صاخب يلوكنا، كيف سيكون الغد، ندعو الله ألا يحتاج أحدنا الذهاب للحمام، ألا يصرخ جوفنا بعض الماء أكاد أحترق"
في اليوم التالي عملت كل عائلة مهجعها الخاص بما توفر لديها، ملاءات، بطاطين وحتى أغطية الفراش، وصنعت خيام واجتمعت كل عائلة بأفرادها في الخيمة، خيمتنا الصغيرة صنعناها بكل ما لدينا، شوادر اعطانا اياها صديق وأعمدة ابتعناها بأسعار مهولة، لكن خبرتنا وربما رفضنا أو رغبتنا أن ينتهي هذا سريعاً، كانت خيمتنا صغيرة، بالكاد تتسع فراشنا وطاولة صغيرة لأشيائنا، وبعد مضي الوقت عرفنا أنها يجب أن تكون أوسع قليلاً لأن من يقوم لا يجب أن يدوس على قدمي أخيه أو يرفس وجهه، وأن الخيمة يجب أن يكون لها ملحقات، مطبخ لإعداد الطعام لاسيما وغاز الطهي مقطوع وعليك استعمال النار في اعداد الخبز والطعام، وأن من ملحقات الخيمة مكان بمفهومنا الحضري يعني صالون وغرفة سفرة ثم لا ننسى الحمام الذي هو قصة مختلفة، اذ أن علينا كمجموعة عائلات أن نصنع حمام مشترك والتفاصيل كثيرة، دارت جلسات نقاش وبحث وتقصي وتوابع أخذت عدة ايام ونحن بالكاد نأكل أو نشرب كي لا نضطر للذهاب لحمام ألأرض الزراعية الموجود في طرف المكان، الليلة الأولى في الخيمة رأيت كل شيء أزرق، وأصابني الهلع حين رأيت شفتي ابنتي باللون الأزرق، قفزت مرعوبة" شفتيها زرقاوان نقص اكسجين وأريد أن أبعدها عن المكان، لكنهم ضحكوا وقالوا لي انعكاس لون الشادر- كلنا زرق – في الخيمة لم أعد أميز الألوان أذكر أنني احدى المرات وضعت عبوتين من الصلصة على طاجن خضار يتكون من حبة بصل وقرن فلفل ودرس ثوم مع حبة بطاطا وحبة باذنجان لأنني لم أميز اللون، وكان تناولنا طعامنا على مضض، لنعاني من الحموضة بقية النهار.
بعد أن استقرينا في المكان وأنهينا التجهيزات وقعنا فريسة للمرض، ابني الذي كان يقوم بمهام التوريد للخيمة ماء وكل مستلزمات الخيمة أصيب بالتهاب الكبد الوبائي a وأصيبت ابنتي بجرثومة المعدة بسبب الطعام الغير معروف مدى صحيته بينما أصبت بضربة الشمس، وقضينا وقتاً ونحن لا نعرف ما نعاني منه الأعراض تتشابه لكنها غير متطابقة، مدة اسبوعين ونحن نعاني ونقوم بكل الأعباء الملقاة على عاتقنا فالراحة رفاهية ليست لنا...
أن تقتلع أناساً من حياتهم وتلقي بهم في الفراغ ليتشبثوا بالحياة التي يشعرون أنها تلفظهم، أحياناً كان يصيبني الشطط، وأشعر أننا في الأعراف، سيغربل الناس من هنا ليذهبون للجنة أو النار، من يصبر ويتحمل ينجو.. وفي ذات الوقت أهرب من كل أفكاري باللعب مع الصغار، الجلوس تحت شجرة الحرش التي تطل على المخيم والبحر في الأفق لا يتوقف عن الحركة، ونحن على هامش الحياة، أصابتنا البلادة، خبر استشهاد، قصف مربعات سكنية، عائلات كاملة تقضي مع بيوتها ونحن ننظر بالفراغ نفرح لمن مات سريعاً ونقلق على المصابين والجرحى الذين سيعيشون الألم وقد يفقدون بعض أعضائهم ويعيشون حياتهم بمعاناة الله أعلم كم تستمر...
الحياة بجوار البحر شيء لم نعهده، كان الصغار فرحون بالبحر وكنا نسخر ها قد أجبرونا أن نقضي الصيف كعائلات على شاطىء البحر، صوت البحر في الليل قد يكون لغيرنا قمة الرومانسية، يتهادل على الشاطئ، لكن هذا الشاطئ حزين يلتقط هموم المهجرين عنوة من حياتهم وحلمهم ليدفعوا لحياة لم يسعوا لها، ولا يريدونها، كلن صوت الموج في الليل يخيفني، والخيمة تعلو وتهبط مع الريح اخاف أن تتمرد علينا وتقلع بالعامود وتسقط على رؤوسنا ونحن نيام، صوت الشادر وهو يهتز بشدة، أكره الليل وأخافه، وفي ذات الوقت أشتاق اليه لأن الذباب لن يشاركنا والقيظ سيذهب وسينام صغار المخيم ويعم الهدوء وطبعاً لا ننسى الزنانة الطائرة التي تتجسس على سكناتنا وهمساتنا وتصدر أزيزاً على مدار الساعة وقد يعلو ضجيجها عندما ترانا نتعايش مع قهرنا...
الجمعة الرابع من أكتوبر 2024








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبكات| الفنانون السوريون يغيرون مواقفهم من بشار الأسد.. كيف


.. رئيس قطاع الهندسة بمدينة الإنتاج الاعلامي من مهرجان البحر ال




.. «نجم المسرح» منصة اكتشاف المواهب الفنية بقيادة «قروب مافيا س


.. فكرة جميلة علشان الجماهير تروح الملاعب وتشجيع فرق كرة القدم




.. الفنان السوري فارس الحلو: أرفض حكم العسكر