الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الف توربينى ينتظرك يا مصر

ايمان كمال

2006 / 12 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


دور التربية والرعاية أو "الإصلاحية"، هي المكان الذي يودع فيه أطفال الشوارع بهدف تنشئتهم تنشئة اجتماعية ونفسية سليمة، وفي هذه الأيام انتشرت قصة "رمضان منصور" -الذي أطلقت عليه الصحف ورجال الأمن "التوربيني"- وزملائه وهم أبناء إحدى دور الرعاية، وهو الأمر الذي فجر قضايا أكثر أهمية.. كيف يتحول هؤلاء الأطفال الموجودون بدور الرعاية إلى مجرمين؟ هل هذه الدور تعمل لرعاية هؤلاء الأولاد وتأهيلهم، أم تحولت إلى معامل لتفريخ الجريمة والعنف؟!

المشرفين.. بياكلوا أكل الأولاد!
وذهبت للدار التي كان فيها "التوربيني" وزملاؤه على أساس أنني إحدى المتطوعات اللائي يذهبن لتقديم المساعدات للأولاد، وكنا ندخل لكل قسم لنوزع عليهم الطعام؛ لأكتشف أولى المفاجآت.. "المشرف له حصة ونصيب من الطعام أكثر من الأطفال أنفسهم، وإلاّ فلن يسمح لنا بالدخول كمتطوعين!".

وأثناء توزيعنا للطعام وجدت طفلا -لا يتجاوز الثامنة من عمره- يبكي، وآثار الضرب والدم على وجهه، فسألته عن ذلك فقال لي: إن أحد زملائه سلّط المشرف عليه، وقال له إنه مش عاجبه اللبس اللي لابسه، فضربه المشرف!

ثم اقتربنا من طفل آخر وسألته "بتعرف تقرأ وتكتب" -هو في أولى إعدادي- قال لي:
"أعرف أكتب.. بس قراءة لأ"، قلت له طيب اكتب اسمك فكتب حروفا ليس لها أي معنى مفهوم. في حين قال لي طفل ثالث إنه مش بيلحق يأكل؛ لأن زملاءه يسبقونه للطعام، والوقت المخصص له قليل أصلا.

أما المفاجأة التي هزتني والتي كانت كالصاعقة فكانت أثناء نزولنا لنذهب لقسم آخر؛ حيث وجدنا صفا من الأولاد يرتدون ملابس خفيفة جدا وقذرة للغاية، والمشرف أمامهم، نازلين ينظفوا الحوش الخارجي للدار والحمامات، والساعة وقتها كانت 9 ونص بالليل، وبعد ما وزعنا عليهم الطعام راح المشرف واخده منهم تاني! والمصيبة الكبرى أن هؤلاء الأولاد عندهم امتحان الصبح؛ فهم طلبة بإحدى المدارس الحكومية المجاورة للدار!!



إصلاحيات لتعليم السرقة!
"غادة" إحدى المتطوعات تقول لـ"بص وطل":
"لا يوجد أي نوع من الرعاية في هذه الدور، وكمان ازاي أربعة أو ثلاثة مشرفين يقدروا على 70 طفلا وخصوصا أنهم -أي المشرفين- لا يمتلكون الخبرة ولا التأهيل النفسي، ومابيعرفوش يتعاملوا مع الأولاد بطريقة سليمة؛ لأنهم مش متخصصين ،حتى خريجي الخدمة الاجتماعية منهم لا يتلقون أي نوع من أنواع التدريب؛ لأن المفروض أن هناك معاهد متخصصة تعطيهم تدريبات ودورات علم نفس واجتماع وتربية خاصة لمدة 9 أشهر عشان يقدروا يتعاملوا مع الأولاد اللي هم اسمهم فئات خاصة.. سواء اللي أهله رموه أو اللقيط أو اللي أبوه في السجن، أو اللي سرق حاجة وأخدوه الإصلاحية".






وتضيف: "المشرفون مرتبهم لا يزيد عن 150 جنيها وده بيخلي عندهم نوع من عدم الاهتمام، يعني الولد بيدخل ماعندوش أي نوع من أنواع التربية، لا خير ولا شر، بيلاقي كل اللي حواليه بيكدبوا ويسرقوا، وأولهم الإخصائيون والمشرفون، لدرجة أن بعض -وليس كل- المشرفين بيبعتوا العيال يسرقوا ويتقاسموا معاهم خارج الدار، فالمشرفون ليس لديهم أي نوع من الخبرة، وفاقد الشيء لا يعطيه"


وتكمل: "الملاعب حلوة والمباني جميلة، يعني الاهتمام بالشكل فقط فأين الرقابة على الحالة النفسية للأولاد، وأين الرقابة التي تقيّم ماذا تعلم الطفل خلال وجوده بالدار؟ وأين الرقابة الصحية لتتابع حالتهم؟ هل يعلم المجتمع أن هؤلاء الأولاد تقدم لهم "السلطة" في جرادل مثل جرادل المسح؟!"


تلتقط أنفاسها ثم تقول في انفعال: "إهانة الكرامة والآدمية بتخلي عند الأولاد نوعا من الكبت، يعني الأولاد بيصحوهم الصبح وهم نايمين عشان ينظفوا أو آخر الليل، وده بيخليهم يهربوا، وبالمناسبة رغم وجود مسّاحات ومقشات إلا أنهم يستخدمون أيديهم في الكنس زيادة في المهانة، والقانون الخاص بالدور المادة 65 و76 بيقول إن المؤسسات دي للتأهيل النفسي والتهذيب.. هو فين ده؟"

ولأن المتطوعين ليس لهم أي شكل قانوني، فهم يتعرضون لكثير من التعقيدات فـ"دينا" إحدى المتطوعات تحكي أن الحياة في هذه الدور تفتقر للتأهيل النفسي والاجتماعي؛ لأنه مافيش حد بيعلم الأولاد ازاي يخرج ويشتغل ويواجه المجتمع بأسلوب آدمي، فكيف يكونون منتجين في المجتمع يوم ما، في دار بتساعد حد بتصرف له 2000 جنيه بعد ما يخرج يقعد يصرف فيهم، ولما يخلص يبدأ يتسول في الشارع ويسرق ويتحول إما لمجرم أو لقاتل، أو يموت في الشارع؟ وأضافت بأنهم لو حاولوا -كمتطوعين- الانتظام في رعاية هؤلاء الأولاد فإن الدار ترفض وتقول إننا للأسف ليس لنا وجود قانوني. في الخارج هذه المؤسسات بيكون للمتطوعين فيها نسبة من مجلس الإدارة، ولكن الشكل غير القانوني لنا يجعلنا غير قادرين على اتخاذ أي خطوة إيجايبة مثل الرعاية النفسية للأولاد، فنحن لا نستطيع أن نأخذهم لخارج الدار لتلقي علاج نفسي مع أحد الأطباء النفسيين، أو نجلس معهم حتى بمفردنا.

والوزير.. كرم الدار!
"بص وطل" واجهت مديرة العلاقات العامة في الدار.. بما يحدث فيها، فكشفت أن وزير التضامن الاجتماعي عمل لهم زيارة بعد قصه "التوربيني" وأعطاهم جواب شكر كنوع من التكريم! وعن المساوئ الموجودة قالت إن الأولاد جاءوا من الشارع بكل الخبرات السيئة وكارهين كل اللي حواليهم وبيكذبوا علينا؛ لإحساسهم إننا سلطة تحقيق، واحنا بنحاول نشيل الخوف ده، لكن المشكلة هي إن المجتمع مش متقبلهم.

وعن "التوربيني" تحكي أنه ولد هادئ الطباع جدا، ولم يكن عدوانيا، وأنه اكتسب العدوانية من الشارع؛ عشان المؤسسة زي الفل، والدليل أن الوزير صرف لنا مكافآت، ولو كان فيه تقصير كان الوزير أقال المدير على الأقل، أو أي أحد آخر.

وسألتها عن عنف المشرفين لكنها أنكرت هذا وقالت: "لو فيه أي تجاوز المدير مش بيسكت، لكنه بيجازي المخطئ".. ولما عرفت بذهابي للدار وأني شاهدت بنفسي جميع الأوضاع السيئة والتي قامت بنفيها بشدة قالت لي: "هاقول لك.. هو أي خلل بيرجع للإمكانيات المادية والموارد البشرية، يعني الولد بيتعامل مع 200 موظف، لو واحد هيعامله كويس مش لازم التاني يكون زيه، والأولاد دول ضحايا لأهاليهم وظروفهم، وقبل أي محاكمة لنا حاكموا الأسرة والفقر والجهل، يعني كيف ننجح فيما فشلت فيه الأسرة!

وعن هروبهم ترى أن الأولاد بيهربوا عشان مش عاوزين نظام ولا تعليم، لكن عاوزين حرية في الشارع، وخصوصا أن هناك بعض الجمعيات التي تقوم برعايتهم لحد 5 المغرب، ثم تقوم بإخراجهم للشارع،خصوصا وأننا نوفر لهم العمل بعد تخرجهم من الدار! وفي النهاية أشارت إلى أن كل ما يقال عن الدار مجرد شائعات مغرضة!

الخارج من الدار.. "توربيني" أكيد!


سألت "جمال فتحي" أحد أبناء الدار وهو متخرج من 5 شهور فقال إنه لم يتلقَ منهم أي رعاية منذ خروجه، وقضى في الشارع ليالي كثيرة، حتى عطف عليه أحد الناس وتكفّل به وشغله معه في محل للكمبيوتر، وحكى عن معاناته هو وغيره في الدار، وكيف كانوا يتعرضون للاغتصاب الجنسي داخل الدار، على مرأى المشرفين، وحكى أن الأولاد يهربون من الدار ويذهبون لمنطقة في دار السلام، والمشرفون يعلمون؛ لكنهم لا يتخذون أي إجراء لأنها منطقة خطرة، ولأنهم غير مهتمين بالأولاد من أساسه، موضحا أن هذه المنطقة تعتبر مقرا للعصابات زي "التوربيني" وزمايله، وأنه عندما ظهر في أحد البرامج التليفزيونية وحكى عن مساوئ الدار وحاول بعدها أن يدخلها منعوه.

وسألته عن رعاية الدار للخريجين قال: "ده فبركة ورق"، لكنه عاد وأقر بأن هناك في الدار أناسا لهم ضمير ولكنهم قله من الناس، ورفض أن يكمل الكلام وقال إن نفسيته مدمرة بعد موقف كل اللي في الدار منه، وحتى إنه بيفكر يترك عمله.

بعد هذه الجولة الصادمة في الدار، تبقى الأسئلة القاسية معلقة في الهواء دون إجابات..

كيف لإنسان تنتهك آدميته ويتعرض للضرب والذل والمهانة والاعتداء الجنسي، أن يصبح منتجا في المجتمع؟! ماذا ينتظر منه غير أن يتصور المجتمع كله عدوا له ويبدأ في الانتقام ممن حوله؛ لأنه تعرض لكل ذلك دون ذنب؟ وماذا ينتظره بعد خروجه من المؤسسة دون كفيل أو راعٍ، ولا وظيفة، ولا تعليم، ماذا ينتظر من الخارجين إذا كان المتعلمون منهم لا يعرفون القراءة والكتابة، والمجتمع لا يتعامل معهم بأي صورة لأنهم خريجو الإصلاحيات؟

نبشركم.. بالعديد من "التوربيني"!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: المرشحون للانتخابات الرئاسية ينشطون آخر تجمعاتهم قبيل


.. رويترز: قطر تدرس مستقبل مكتب حماس في الدوحة




.. هيئة البث الإسرائيلية: تل أبيب لن ترسل وفدها للقاهرة قبل أن


.. حرب غزة.. صفقة حركة حماس وإسرائيل تقترب




.. حرب غزة.. مزيد من الضغوط على حماس عبر قطر | #ملف_اليوم