الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقامة الشتيمة .

صباح حزمي الزهيري

2024 / 10 / 9
الادب والفن


مقامة الشتيمة :

يقول باولو كويلو : (( الجهل يقاس بمقدار الشتائم التي يستخدمها الشخص عندما لا تكون لديه أي حجج للدفاع عن نفسه )) , في تعليق على شتائم أحدهم كتبت على صفحته : ( كم اعترف بكونك جليلاً في التحقيق والسرد والنقل الأمين , لكن عبارة واحدة تجعلك تحت طائلة النقد , وأحيانا الشك في علميتك وأنت الذي تدعي الأكاديمية , ليست مشكلة أن لا تحب الحزب الفلاني , ولك ان تذكر مساوئ عهده بما تشاء , لكن أن تصفه بالمجرم والنذل وكذا من الأوصاف السوقية , يخرجك عن رزانة المثقف والمحقق والمؤرخ , عباراتك هذه ضد خصمك , يمكن أن تقال في مقهى أو بين اصدقاء , لكن لا يجوز أن تكون في مواقع رصينه , وتصدر عن أحد من يدعي نفسه من فحول المثقفين )) , وطلبت ممن يتفضل بالتعليق ألا يخرج عن القصد , قصدنا ليس حزبا معينا , إنما استخدام مفردة غير لائقة , سوى كانت ضد هذا الحزب أو سواه , من كاتب يفترض ان له وزنه و بحوثه .

قال ألأمام علي أيام حربه مع الخوارج : لا تسبوهم و لا تشتموهم , لسنا شتامين و لا لعانين و لا سبابين , قولوا أخواننا بغوا علينا , وقد قرأت تغريدة لشيخ خليجي تقول : (( لسنا بالشتامين ولا اللعانين ولا أهل فتنة , ترفعنا عن قذارة المسيئين ليس ضعفاً , بل مكسب لديننا وأخلاقنا وسمعتنا الحشيمة , اسفهوهم فهم المسفوهين )) , ومثلما يقول الشاعر: (( إن اللئيم بقبح القول تعرفه وبالحوار طباع الناس تكتَشَفُ - فنُ التَّخاطب ذوقٌ ليس يُدركهُ إلّا كريمٌ بحسن الخُلق يتَّصفُ )) , وهكذا فأن اللين هو المفتاح الذهبيّ للقلوب, والطريقة الأصحّ للتدرّج في الكمال.

لو فكر الشاتمون لثواني قبل ما يقومون به , لكان أفضل لهم من أن يضعوا أنفسهم تحت الانتقاد من القريب قبل الغريب , فاذا اردت ان تهاجم خصمك محاولا تسقيطه فلا تستعمل كلمات او اوصافا سوقية ومبتذلة كالطعن بالشرف مثلا, لان ذلك يفقدك المصداقية ويرفع من شأن خصمك , وتذكر ان الكلام صفة المتكلم , فاستعمل لغة رفيعة وحجة دامغة في هجومك لكي لا ينقلب الهجوم ضدك.

لا شك أن أول ما سيتبادر إلى دماغك عن السِّباب هو أنه شيء محرّم , ومحظور, وغير مقبول تحت أي ظرف , وهو مؤذٍ كذلك , لهذا السبب تضع قنوات التلفاز صفيرا مكان الشتائم , خشية أن يؤثر ذلك على عدد متابعيهم , أما كتابيا فقد يضع البعض طلاسم (كـ !&@-$-#) ) للتعبير عن أن هناك كلمات نابية قد قيلت أو كُتبت , لكن على الرغم من ذلك , فإن استخدام الشتائم هو سلوك عابر للثقافات , يوجد في كل اللغات وله تاريخ ضارب في القدم لدرجة أننا لا نعرف بدايته , كان منهج المتنبي المسجل باسمه في فن الهجاء الشعري , أن يهجو على قدر احترامه لذهنية المهجو, فإن كان ذا عقلٍ وذائقة أدبية , فإنه يبدعُ له قطعًا من الهجاء الفني , والصور غير المباشرة , أما إذا كان يحتقره , فإنه (يصير يسب) بنص , لكن لأن المتنبي كان ماكينةً بشرية لإبداع الحكمة , فإنه لا يكف عن إطلاق تُحَفِه الشعرية حتى وسطَ موجات السباب , يذكر الرواة أن أحد الأشخاص اعترض طريق المتنبي , وذلك لإجباره أن يمتدحه في قصيدة , فرّ المتنبي منه , لكنه قرر مكافأته بما يستحق وما لا يستحق من أجل ما فعل , فأهداه قصيدة من أقبح الهجائيات في الشعر العربي عرَّض -تصريحًا لا تلميحًا- فيها بنسبه وشرفه وشرف زوجته , ووالديه , ولعل أكثر أبياتها أدبًا في هجاؤه :
(( ومن البليَّةِ عذلُ من لا يرعوي *** عن غيِّهِ .. وخطابُ من لا يفهَم
وإذا أشارَ مُحدِّثًا فكأنَّــهُ *** قردٌ يُقَهْقِهُ أو عجوزٌ تلطِــــمُ )) .

بعد الانتشار السريع لوسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي على مدى السنوات الماضية , وكثرة المشهورين عبر العديد من هذه المنصات مثل فيسبوك وانستغرام وسناب شات , إلا أن السياسيين منهم يفضلون موقع التدوين المصغر تويتر , كان غالبيتهم لا يتصور في يوم من الأيام أن يتم قذفه أو التشهير به أو التعرض لشرفه وعرضه عبر هذه المنصة , وبالمتابعة لكبار المغردين وأكثرهم شهرة نجد كثرة السب والشتم بألفاظ خارجة عن المألوف , وعن الشهامة والمبادئ العربية الأصيلة ولكنها مع الأسف تنبع من العرب , وغالبيتهم من الجاهلين بالقضايا التي يسبون ويقذفون من أجلها.

مع ظهور هذه الظاهرة للمغردين الخارجين عن القانون والأعراف والعادات والتقاليد , أصبحت هناك حسابات لأشخاص محسوبين على حكومات , يفتقرون لأقل صفات الرجال الأحرار , ويتمادون على أعراض , ويقذفون محصنات بأقذر الألفاظ , ولا أريد ذكر مثال لهؤلاء لأنكم جميعاً تعرفونهم وتعرفون من يتبعون , ما يثير الاشمئزاز بهؤلاء أنهم محسوبين على العرب بغض النظر عن تعاليم الدين الإسلامي , لأن هناك من إخواننا الذين يعتنقون ديانات أخرى لا يرضون بما لا يرضى به الإسلام , ولهذا أنتقدهم على أنهم عرب والعرب معروفون بالنخوة والشهامة والأخلاق مع اختلاف أديانهم ومعتقداتهم , والاحتماء وراء شاشات هواتفهم الذكية أيضاً ليست من الشجاعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنان بولندي يحتج وحيدا أمام السفارة الإسرائيلية في وارسو


.. أحمد بدير وإدوارد يؤديان واجب العزاء في زوج الفنانة بدرية طل




.. برغم إصابة قدامها الفنانة وفاء عامر تقدم واجب العزاء في زوج


.. الفنان السوري باسل خياط: فخور كوني سورياً.. وحتى الآن لا أصد




.. الفنان السوري باسل خياط لـ-العربية-: تعرضت لمحاولات كثيرة من