الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عداد الموتى في غزة تخطى البشر والحجر

سعاد أبو ختلة

2024 / 10 / 9
الارهاب, الحرب والسلام


عداد الموتى كل يوم يرتفع وكأنه بورصة أسهمها من الدم الفلسطيني، والعالم يشجب ويدين ويستنكر، وآلة الحرب تفرح، كلما زاد عدد الشهداء كلما تغيرت الديموغرافيا... وأمريكا تومئ برأسها، الفقراء والمساكين يتضاءلون.. القنوات الاعلامية تصيغ التقارير ويشحذ المراسل همته ليستنزف الناجي الأخير يعتصر روحه التي لم تفيق من الصدمة وتزغرد حيناً وترتل الشعارات الصاخبة حيناً والمشاهدين بعضهم يعرف أنه لم يخرج من الصدمة وأن من العبث استنفار مشاعره التائهة والبعض يمصمص شفتيه ويتهمه باللا آدمية فكيف لمن فقد أن يقول هذه الشعارات الخائبة ولم يجف الدم المسكوب على ملابسه، تصوير الفلسطيني بالسوبر هيرو والامعان في اقتناص روحه بأبشع الطرق متذرعين بشعارات واهية في لحظة غضب وحزن وتيه.. من المستحيل أن تزغرد أم فوق جثة ابنها فرحاً، انه الألم يا سادة، العصفور الجريح يترنح راقصاً من الألم وليس السعادة، في صدمة الفقد تختلط المشاعر، لم أر امرأة تبكي فقيدها والحرب مازالت دائرة، الخوف على ما تبقى ومما يختبئ بين الجولات والصولات ومما تحيكه جلسات المفاوضات التي لا تظهر للعلن، لم تجد بعد متسعاً في الروح لتبكي وتولول، لم تمهلها الحرب كي تحدد مشاعرها، الخوف طاغ على كل مشاعر الحزن والفقد والوجع، الجزع مما قد يلحق بمن تبقى في عائلتها، لم تفكر بعد في مصير بيتها، ذاكرتها وذكرياتها، التفاصيل التي خاطتها من روحها، لم تلتقط أنفاسها بعد لترتب حزنها وتستوعب أنها فاقدة لروحها التي تركض في الهم الآني مع الحرب، تطعم عائلتها، تخيط الملابس البالية، تمضي عليها الفصول بين حر وبرد والخيمة تتماهى مع وجعها كأنما دبت فيها الروح،
عداد الموتى نسي أن يحصي البيوت والشوارع والمدارس والجامعات، رياض الأطفال وملاعبهم، الشجر والحجر، تفاصيل البيوت التي ابتاعتها النساء بروحها وكانت تلفها بعناية بعد أن تمسحها بحب وتزين بها الطاولة، الأسرة والأغطية، الصالونات والأرائك، فناجين القهوة، والمفارش، أصص الزهور على الشرفات، العصافير والطيور التي تتغنى حول البيوت فتضحك الشفاه، الجدران الذي استند عليه الأطفال في محاولتهم الأولى للمشي، الزوايا التي جلس بها الأجداد وبقيت تحمل من روحهم ذاكرة، هل استشهدت ذكراهم بعد عقود من موتهم؟!! المقابر التي تحوي جثامينهم التي كنا نزورها، نزرع الورد ونسقيه ونحدثهم عن حالنا، وقد ضاعت اشلائهم وامتزجت مع الرمل ودبش البيوت والشارع والرصيف، كم وصل عداد الموت الآن؟!! لا يجب أن يخطئوا العد، لنحتفل معهم بموتنا يجب أن ينصفونا، أن يذكروا الأرقام الحقيقية، أضف لذلك جموع الفاقدين الذين سلبت روحهم...
تتناقل وسائل الاعلام الأخبار الصماء وكأن من يمضون بلا روح بلا عائلة بلا حلم وأمل، كأنهم زيادة على هذا العالم، كم حلم دفن وكم فرحة اقتنصت، كم طفل كانوا ينتظرونه بشغف ذهب دون حتى أن يلبس ملابسه التي شموا رائحته فيها قبل أن يولد، كم أم كانت تحلم باليوم الذي تزف ابنتها بالثوب الأبيض أو تحتفل معها بتخرجها من الجامعة حرمت من ذلك؟! كم عائلة دفعت الغالي والنفيس لتؤسس بيتها ومازالت تسدد أقساطه للبنوك ومعارض الموبيليا والأجهزة الكهربائية، كم من أوراق ثبوتية وشهادات علمية فقدت، ألبومات الصور وأشياء أخرى لم تعتقد أبداً بورصة الموت أنها من روح ودم ينزف في روح الفاقدين، لا يستوعب مقدم النشرة الاخبارية أن هؤلاء بشر عاشوا فرحاً وحزناً وأنهم يتعلقون كبقية البشر ببعض التفاصيل التي تشكل حياتهم، لن يستوعب أن تحزن امرأة على ثوب ملتف بعناية من رائحة الوالد الذي مضى، هديته من موسم الحج، وأن ساعة في درج السرير بمغلفها كانت جائزة في أحد مراحل تعليمه، تفاصيل بسيطة لكنها تشكل الروح، عداد الموتى تخطى كل الأرقام فمن سيبقى بعد نهاية الحرب سيكون ميتاً بلا ذاكرة وذكريات، ومن سيتعافى ستبقى وخزة عميقة تؤثر في حياته، كيف سيتمكن من تخطي كل هذا الفقد دون أن يلتهم روحه الحزن كل حين، الحرب تخطت أهدافها، أوقفوا الحرب كي نبكي ونصرخ ونطلق سراح الدموع، لا تتركونا لشتاء آخر يختزن فيه الدمع فيفيض بحراً من البؤس...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موفدة فرانس24 إلى سوريا: الحياة تعود تدريجيا إلى شوارع وأسوا


.. إسرائيل تنفذ أكبر حملة جوية في تاريخها ضد سوريا




.. ماكرون يقترح -أسلوبا جديدا- لتشكيل حكومة جديدة


.. من هو محمد البشير الذي كلفته هيئة تحرير الشام بقيادة الحكومة




.. شبكات| تفاصيل تكليف محمد البشير بتشكيل حكومة جديدة