الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القمع (٧)

الحسين سليم حسن
كاتب وشاعر وروائي

2024 / 10 / 12
الادب والفن


أصبحت (ادلب)_ حيث نشأت_ في قبضة الأصوليين وانهار الفكر فيها وحصر الجهل فقط في عدم المعرفة الدينية ! وحين يحصل هذا حتما" تبدأ معه الكوارث ، ويتحول البشر حتما" إلى وحوش ،بقلوب وعقول متحجرة،عمياء ،بفكر متعفن كريه .ونبتت أصولية من نوع آخر في أمكنة محطاتي الحياتية الأخرى .
فجميع المجتمعات الأصولية مصابة بنوع من البارانويا الجماعية ،مما يجعلها تعيش غالبا" في الوهم لا في الواقع ..
والإنسان المتعافي في مجتمعات مريضة يدفع أثمانا" باهظة ،لذا كان علي المغادرة .
شعرت حينما اختبرت بيروت للمرة الأولى ،بأنني في الجنة التي يتحدث عنها الأصوليين ،وأنني غادرت تلك السحابة المظلمة التي سجنت نفسي فيها ضمن حدود رسمها خوفي وكبريائي والرغبة بعدم التلوث بكل ماهو مدنس ،وأنني انكشفت للحياة والألوان وللأحلام البعيدة والهواء المنعش .
هذا حقا" ما شعرت به حينما سحبتني السيارة التي أقلتني إلى لبنان معها في دروب خلابة كدروب طفل يطير في عالم من سحر .
وحين كنت أجوب شوارع بيروت العتيقة بمفردي ، لم أكن أشعر بأنني أمشي وحيدة وإنما كان ينتابني شعور بأن كل من حولي هم مقربون مني ،أصدقاء أو أهل أو شيء من هذا القبيل ،وأن كل الشوارع والشرفات والبيوت كانت منزلا" وموطنا" لي ،وتؤهل بي على الدوام وكأنها بمثابة تعويض عن عمر بارد من القمع والعزلة المفروضة بلؤم وقسوة .
لقد عانقني البحر هناك ،وربت على كتفي ومنحتني الشوارع دفء شمسها الناعمة ،ولحنها البهيج المزركش كما لو أنه لحن قادم من زمن مابعد حداثي لم يولد بعد ،شيء يجعلك تعيش ربما في المستقبل ،أو في زمن يستوعبك ويحتويك وحدك ،جاعلا" منك أنت وحدك أسطورته وحكايته الفريدة .
أما بالنسبة لي فقد كانت بيروت أسطورتي التي نسجتها بنفسي ،حياتي التي كتبت أقدارها بحروف من كتب وشوارع ونسمات بحرية ،أو أصوات أناس وثقافات وزهور تصول وتجول في تدفق الذاكرة الغزير .
لقد كنت طفلة بيروت التي كتبت وعاشت مستقبلها المشرق المبتغى في اللحظة الراهنة ،اللحظة التي منحتها إياها تلك المدينة كهدية ثمينة جزاء لصبر عظيم ،وكان ما يجعل من تلك اللحظة أبدية و نادرة ومقدسة هو أنها حلوة على الدوام ،ومتجددة وبراقة كنجمة لا يمكن لضوئها أن يخبو .
وكيف يخبو ضوءها ؟ وهي التي تحضن كل أضواء الأزمنة ،وتتحلى بالقدامة والحداثة وما بعد الحداثة ،في شوارعها نفحة اليوتوبيا و أحيانا" شراسة الواقعية الشديدة وسحر الحياة المبتدعة ،لكنها دافئة على الدوام ولا تعرف التخلي أو التوحش وإن أرادت أن تعتد يوما" بنفسها و تقرر أن تكون أنانية فلا تفعل ذلك دون أن توزع جمالها وسحرها على كل القلوب ،لتبث فيهم من جديد الرغبة في الاستمرار ، وضحكة خفية لا تفهمها إلا لغة القلب ،الذي التأمت جروحه على يديها ،وأصابعها الخفية التي تكتب بكل اللغات وتمتطي أجنحة كل العوالم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمين العام لحلف الناتو يصدم أوروبا بتصريحاته: استعدوا لتعل


.. توقع لفنانة حول كارثة مدمرة في اليابان يثير زوبعة في البلاد.




.. ترمب يعلن نزالًا في الفنون القتالية -UFC- داخل البيت الأبيض


.. السيدة الأنيقة أيقونة الرُقي والفن ?? ذكرى رحيل الفنانة القد




.. تأملات - الأدب بين ويلات الحرب والسلام