الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، بحث في الفكر الصهيوني قبل -طوفان الأقصى- وبعده (الحلقة الثالثة)

مسعد عربيد

2024 / 10 / 12
القضية الفلسطينية


الاستعمار ... والاستيطان الإحلالي

في حروب الغرب الإمبريالية لم يكن الاستعمار الاستيطاني شكلها الوحيد. فقد اتخذ الاستعمار الأوروبي الأبيض أشكالاً أخرى في العديد من المستعمرات مثل السيطرة العسكرية المباشرة كما حصل في الهند وبعض الدول الأفريقية.
بدأ الاستعمار الاستيطانيّ كأحد أشكال التوّسع الاستعماريّ الأوروبي، متزامناً مع ما يُسمّى "اكتشاف العالم الجديد" حين انطلق كريستوفر كولومبوس في رحلاته الأربع إلى جزر الكاريبي وسواحل أميركا الوسطى وشمال أميركا الجنوبية (كانت الأولى 1492-93، والثانية 1493-96، تلتها الثالثة 1948-1500، ثم كانت الأخيرة بين عامي 1502 – 1504 أي قبل عصر الاستعمار الحديث بثلاثة قرون).
يقوم الاستعمار الاستيطانيّ على مخطط انتقال (او نقل) أفراد وجماعات من أوروبا إلى أراضي "العالم الجديد" التي ادّعى المستوطنون الأوروبيون أنها أراضٍ خالية من السكان، وتعاملوا معها على هذا الأساس من أجل استيطانها والاستقرار فيها ونهب مواردها وخيراتها.
بناءً عليه، فإن اختلاف الاستعمار الاستيطاني عن أنواع الاستعمار الأخرى (دعنا نسميه الكلاسيكي) يقوم على:
أ) أنه في حالة الاستعمار الكلاسيكي كان الهدف هو الاستغلال الاقتصادي للبلد المستعمَر واستعباد شعوبه، وكان المستعمِرون (أو بعضهم) يعودون في نهاية الأمر إلى بلدهم الأم، كما حصل في حالة استعمار الهند وبعض المستعمرات الأفريقية.
ب) أما في حالة الاستعمار الاستيطاني الإحلالي (أو الاقتلاعي) فإن المستعمِر جاء بهدف استيطان الأرض والبقاء فيها (كما حصل في حالات أستراليا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا). فالهدف، إذن، لم يقتصر على الاستغلال الاقتصادي أو المنافع الاقتصادية فحسب، بل تشمل السيطرة على الأرض واستيطانها من أجل القاء فيها، وإبادة سكانها وإحلالهم بالمستوطنين الغزاة الغرباء.
الإبادة الجماعية في الفكر الاستيطاني الإمبريالي

"وجود الكلب في البيت لا يعطيه حقاً في البيت"
ونستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق

يرتكز منطق الاستيطاني الإحلالي على إلغاء الإنسان والتاريخ والثقافة/الحضارة، أي نفي الوجود المادي للسكان الأصليين وإنكار إنسانيتهم وتاريخهم. وهي أفكار مستقرة ومتأصلة في العقل الإمبريالي، التي كان الاستعمار البريطاني مبكراً في "ابتداعها". فبالإضافة إلى الإبادة الجسدية، يتضمن الاستيطان الإحلالي الإبادة بالمعنى السياسي والثقافي والمعرفي والحضاري والإنساني.

يعيدنا هذا إلى مخطط الإمبريالية البريطانية لإفناء شعب فلسطين وحقوقه وتاريخه، بتوكيل هذه المهمة إلى المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين منذ وعد بلفور وخلال احتلالها لفلسطين بين عامي 1918-1948، والإسهام بشكل مباشر وحاسم في تدفق مئات الآلاف من الغزاة الصهاينة إلى فلسطين واستيطانها بغية طرد وتهجير أهلها وتحويلها إلى "وطن قومي يهودي" و"دولة يهودية". كان هذا جوهر المشروع الإمبريالي البريطاني وهو ما تتولى الإمبريالية الأميركية اليوم إكماله من خلال قيادة وإدارة حرب الإبادة الراهنة للشعب الفلسطيني.

يعني هذا، ضمن ما يعنيه، أن فهم الكيان الصهيوني ككيان استعماري استيطاني والصراع معه في فلسطين المحتلة لا يتسنى دون تجليس هذا الكيان في سياقه الإمبريالي الغربي الذي يتكأ على ثنائية الإبادة - الترانسفير للتخلص من عرب فلسطين بما يُتاح له من وسائل وآليات.

عنف الاستيطان ومنطق الإبادة
تهدف إبادة السكان الأصليين في المشروعات الاستيطانية لتحقيق هدفين:
أ) إحلال السكان الأصليين بالمستوطنين الغزاة القادمين من أوروبا.
ب) ضمان نجاح المشروعات الاستيطانية واستمرارها.

وقد شكّل العنف الوسيلة الرئيسية لإبادة هذه الشعوب إبادةً بشرية ومعنوية وثقافية. فتاريخ التجارب الاستيطانية يشهد على أن المشروعات التي لم تتمكن من إبادة السكان الأصليين (كما حصل في الجزائر وروديسيا وجنوب أفريقيا) قد آلت إلى التفكك والفشل بفضل كفاح شعوبها ومقاومتها للاستعمار بكلفة بشرية ومادية هائلة. أما التجارب الاستيطانية التي أنجزت الإبادة الكاملة أو الجزئية (كما حصل في كندا والولايات المتحدة)، فقد نجحت في استمرارها حتى يومنا هذا.

في هذا السياق تنفرد الحالة الفلسطينية حيث لم يتمكن الكيان الصهيوني من إبادة شعبها بفضل صموده وكفاحه الأسطوري على الرغم من كافة محاولات الإبادة والمجازر والتهجير التي لم تتوقف منذ 142 عاماً.

الأرض في الفكر الاستيطاني

كما ذكرنا سابقاً أن الغاية الأساسية والقصوى للاستيطان هي الاستيلاء على الأرض والبقاء فيها. بالطبع، فإن هذا لا ينفي أن الاستيطان، كأحد أشكال الاستعمار، يهدف إلى نهب الموارد والخيرات الطبيعية في المستعمرات واستغلال العمالة الرخيصة لأهلها، وهو ما حصل في حالات وظروف عديدة.
الأرض في المخطط الاستيطانيّ ليست مطلوبةً فقط من أجل الاستغلال الاقتصادي، بل هي ضروريةٌ لضمان عيش وبقاء المستوطنين القادمين من بلدانهم الأصلية (الزراعة، الثروة الحيوانية، المياه مثالاً).
هذا يعني، من منظور الفكر الاستيطاني، أن الاستيلاء على الأرض والبقاء فيها على نحو مستقر وطويل المدى يستلزم إفناء السكان الأصليين واقتراف الجرائم والمجازر، لأن مجرد وجود أهل البلاد على الأرض وتمسكهم بها يشكّل عقبة كبيرة النسبة للمستعمِر في تحقيق مشروعه، ولذلك فهو يعمد إلى إبادتهم أو/وتشريدهم، وهو ما حصل في حالات الولايات المتحدة وأستراليا مثلاً، وما يعمل عليه الكيان الصهيوني اليوم في فلسطين المحتلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعرف على أبرز عمليات المقاومة عند حاجز النفق جنوب القدس


.. مصابة من غزة تودع زوجها الشهيد بعد قصف إسرائيلي طال منزلهما




.. المعارضة السورية تتلف كميات من مخدر -الكبتاغون- في مطار المز


.. رسام يمني يرسم شهيدا سوريا تضامنا مع سجناء الرأي في سوريا




.. ناشطون مؤيدون لفلسطين في اليابان يدعون وقف الحرب على غزة