الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقرير بيكر هاملتون وعقدة الاستعلاء الامريكي

طلال شاكر

2006 / 12 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


لقد كتب العديد من السياسيين والمسؤولين والصحفيين على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم عن تقرير بيكر هاملتون بأحاسيس ورؤى متباينة وتناولوه نقداً وتحليلاً، وتأويلاً، وكانت درايتهم النقدية والتحليلية لجوانبه المختلفة حاضرة، وسديدة،بيد اني سأترسم خطى نافرة عن سياق المعالجات النمطية التي تناولت التقرير، برؤية تتحاشى الدخول في تفصيلات التقرير وتناقش ضعفه وقوته وأفاق نجاحه وواقعية توقعاته في معالجة التدهور المتفاقم في العراق.كان التقرير في محصلته النهائية تحليلاً لسياسة أمريكية فاشلة، واستفاقة متأخرة لوضع كاد يفلت من السيطرة تماماً، ومازال هذا الخطر ماثلاً بدون أدنى مبالغة. بيد أن الجوهري في الامركله من وجهة نظري هو كيف سيتعامل العقل الأمريكي الراجح ؟ مع أوجاع المريض العراقي هل سيكون تجريبياً كعادته؟ أم انه شخص العلة للمريض العراقي
وسيلتزم بوصفة بيكر، هاملتون له؟؟ أم أن توصيف السياسي العبقري ونستون تشرشل، للعقل السياسي للأمريكان مازال صحيحاً ونابتاً وهو: "أن الأمريكان لن يجربوا الحلول الصحيحة إلا بعد أن يستنفذوا جميع الحلول الفاشلة". وللحق أقول لم افاجاً وغيري بتقرير بيكر هاملتون ليس تصنعاً للدراية والمفهومية إزاء حكماء دولة عظيمة كأمريكا بل أن فكرة التواضع والاعتدال إزاء منطق الحياة وقوانينها هي وراء دلالة رؤيتي وموقفي من التقرير، واستشهد هنا برواية من التاريخ تحمل استدلالاتها وحكمتها مفادها أن حاكم مصر محمد علي باشا 1805 - 1848طلب من معاونيه ترجمة كتاب (الأمير) لميكافيلي 1469- 1527 وحين استمع الى احد فصوله المترجمة أمر بوقف ترجمته قائلاً: في تاريخنا مايغنينا عن وصايا هذا الكتاب......!!



التخبط والتجريبية والعجز في مواجهة الحالة العراقية المتدهورة، هي السمات الأبرز في تقاطيع المشهد العراقي من قبل النخب السياسية العراقية الحاكمة بحكومتهم وبرلمانهم، والأمريكان بإداراتهم الرئاسية والعسكرية، والامرأشبه بحالة الأطباء الذين عجزوا عن تشخيص الداء الذي الم بالمريض الذي يعالجونه، فانهالوا عليه بمختلف الوصفات الطبية ليجربوها علية وحالة المريض تتفاقم وتتدهور، وربما أخمن إن المعنيين بقيادة مصير بلدنا استنجدوا حتى بالعرافين والمنجمين والدراويش والسادة والعلماء، لمعرفة خفايا الطالع النحس هذا الذي لازم مريضهم ( العراق). ليس بودي الدخول إلى موضوع جدي ومحزن بمقدمة قد تبدو تهكمية، لكن خطورة الموضوع وتداعياته المرة تحتاج الى أكثر من معالجة وموقف وبدلالات مختلفة، حتى وان بدت ساخرة وهازئة، فلابد من نافذة مفتوحة نطل منها على ثنايا المشهد العراقي المريع لنستجلي طلاسمه وألغازه وحكاياته. إيجازا أقول بعد التاسع من نيسان 2003 وماتلته من إحداث وتطورات تكشفت صورة المجتمع العراقي المفزعة في تلاوينه وتقاطيعه المثيرة في تدهوره وانحطاط ترابطه واهتزاز قيمه، من سقم للقوى العراقية الحية، ونسيج اجتماعي مشوه، وقيم مثلومة، ووعي مهشم. لقد ظهر لاحقاً أن الأمريكان والمتحالفين معهم من العراقيين كانت تنقصهم المعرفة النظرية والتطبيقية لمواجهة استحقاقات مركبة بعد سقوط النظام وتلاشي الدولة العراقية بمختلف مؤسساتها، ولم يستطع أي فريق سياسي معالجة هذا الخلل الرهيب أوفهم اتجاهاته الرئيسية، فالمجتمع العراقي دخل في دور انتقالي مليء بالاصطفافات السياسية والمذهبية والاثنية لاسيما وان هذا التحول تحرك في ظل مجابهات واصطدامات وعنف متناهي في قسوته ووحشيته في ظل انقسام مفزع طال كل النسيج العراقي، كان مخاضاً تاريخياً فاصلاً بكل ما تعنيه دلالة المفردة (مخاضا)، لم يكن الأمريكان والعراقيون جاهزين لمواجهة هذا الانفجار الاجتماعي الكبير بأي مقدار فعال من من الفهم والإجراءات الناجعة وكانت هذه الخطيئة السياسية الأولى ، لاسيما وأنها ترافقت مع إجراءات سياسية طائشة وسطحية، من قبل ألإدارة السياسية للبلد التي تأخرت في اخذ زمام المبادرة التي لم تكن مؤهلة أو مهيأة لها وبخاصة أدارة الحاكم بريمر ومجلس الحكم الانتقالي، في إدراك كنه هذا الواقع الجديد، الذي أثبتت معطياته انه واقع معقد ومتحرك ويصعب السيطرة عليه وكل مفصل فيه مشكلة، وتحدي مركب في تراكماته وارثه الذي خلفه المشروع الاستبدادي لنظام صدام الديكتاتوري بالدرجة الأولى، حيث تصعب مواجهته بالطرق النمطية والتقليدية، وربما الأغلبية من المحللين السياسيين والناس أجمعين، صدمها خراب المشهد العراقي وهو يلج مخاضه العسير بقواه الخائرة وبمرتكزاته المتداعية،والتفاصيل معروفة والأخطاء والخطايا التي ارتكبتها الولايات المتحدة بمواجهة هذا التحول مكشوفة ، والتقرير يشير إليها ويفصل بعضها،ولااريد سردها من جديد فهذا ليس من استهدافات هذه المقالة. لقد فرضت الحالة العراقية المتأزمة نفسها بقوة وبات التنصل من مواجهتها وجهاً لوجه أشبه بالانتحار السياسي مهما كان الثمن مكلفا ومرهقاً ومريراً، وبالتالي جاء تقرير بيكر هاملتون ليضع كلتا يديه على جروح متقيحة في الجسد العراقي الواهن، بيد إنني أقول إنصافا ًليس الأمريكان وحدهم من يتحمل المسؤولية بل النخب العراقية المختلفة وبخاصة القوى الدينية من الشيعة والسنة، وأضيف أن تعقيدات الوضع العراقي ومخاضه كان ضمن الأسباب الجوهرية لهذا التعقيد، ناهيك عن القوى الإرهابية والمتطرفة التي كان لها دوراً رئيسياً في قوة التدهور وزخمه المتصاعد الذي قلب الكثير من المعادلات وخلط الكثير من الأوراق إضافة الى جيرانه المتربصون، لكن كل ذلك لايعفي أمريكا من تحمل المسؤولية الأولى فيما حدث ويحدث وإنا لا أشير الى مؤامرة أمريكية اوالى الغازمخابراتية صنعتها لإدامة تأزم الوضع العراقي وتدهوره حتى الخ..... كما يحلو للبعض ترديدها بسذاجة، بقدر مااشير الى مشروع و سياسة أمريكية فاشلة، سياسة تجريبية دفعنا ثمناً مرهقاً جراءها. لقد غير الأمريكان مسار التاريخ في بلادنا بكل ماتطفح به العبارة من معاني مركبة، غيروا سياق سياسي تاريخي في جوهر الحكم، وقدموا السلطة على طبق من ذهب الى الأحزاب والنخب الشيعية والكردية ولغيرهم،واوجدوا توازناً قلقاً ونسق سياسي غير مطروق ومعهود في تاريخ بلادنا الحديث .....؟ ومن هذا الباب فأن صانع التاريخ ومهندسه، هو الذي تقع على عاتقه وزر المهمة الثقيلة ومسؤوليتها وعليه يقع واجب معالجتها. ولااريد إن استرسل في تعداد المواقع التي كبا فيها الأمريكان، ولكنني أشير الى موضوعة جوهرية عقدية كتبنا عنا مراراً وتكراراً وأشبعناها بحثاً كسياسيين وكتاب ومحللين ومسئولين وهي أولوية وأهمية بناء دولة وطنية ذات سلطة مركزية قوية مهابة وجيش وطني عراقي حقيقي من خلال التركيز على إعادة بناء مؤسسات الدولة العراقية من منطلق وطني متوازن وعدم التسامح مع أولئك الذين يرفضون هذا المبدأ الجوهري الذي يتوقف مصير العملية السياسية ونجاحها ومصير العراق عليه، وهو يعني في التطبيق عدم القبول بمراكز قوى سلطوية داخل الدولة العراقية، لاكيانات مستقلة، ولامليشيات ولا مراكز قوى طائفية واثنيه ، كماهر جاري، فالمركز وسلطته الحالية عبارة عن كيان هش فاقد للاحترام والهيبة القانونية والفاعلية ،فوزير الدفاع العراقي لايستطع التأثير على جندي في كردستان.. ومليشيات جيش المهدي تحكم وتنهي في مناطق متعددة من بلادنا فأي دولة هذه؟؟ أن العراق لايمكن أن ينهض ويستمر كعراق موحد بدون شرط الدولة المركزية وطبعاً الدولة بمواصفاتها الصحيحة والمقيدة بالدستور، وليس كما كانت دولة صدام الاستبدادية، وهذا هو المدخل الحاسم لحل مشاكل العراق الذي تجاهلته السياسة الأمريكية في التطبيق، حتى صرخ رئس الوزراء المالكي بأنه لايستطع تحريك كتيبة عسكرية.. أن عودة السياسة الأمريكية الضالة الى تبني مبدأ بناء دولة مركزية عراقية قوية هو اعتراف بخطل سياستها التجريبية العقيمة السابقة بعد أن استنفذت كل المحاولات الفاشلة في التنكر لهذا المسار الصحيح.. أن الكثير من النقاط الجوهرية في تقرير بيكر هاملتون قد تجاهلها الاستعلاء الأمريكي، هي تلك السياسة الأحادية في معالجة القضايا الساخنة مثلاً قضية الإرهاب، في البدء جرى التركيز على الوسائل العسكرية الصرفة وكأن الموضوع عسكري فني، وكانت الحملات العسكرية تتوالى مرة تحت اسم (الأفعى الملتفة) ومرة (المطرقة الحديدية) ووو... دون خارطة سياسية متبعة تضع الرد العسكري في مساره المطلوب، وعندما أخفقت هذه الخطط لجأوا الى المعالجات السياسة فكانوا يصلون الى هدفهم متأخرين ولم تكن لديهم سياسة واضحة لمعالجة التمرد، وهذا مأزق الجميع فالحكومة تتحدث عن هذا الموضوع بشكل مختلف عن الأمريكان ورئيس الجمهورية يتحدث بشكل أخر والبرلمان منقسم على نفسه، فمنهم من يسمي التمرد والإرهاب (مقاومة) وبرلمانيون آخرون ينعتوه إرهابا ، وفي المحصلة لاتوجد إستراتيجية تعالج هذا الموضوع الخطير بارتباطاته وتعقيداته المختلفة، رغم أن الموضوع هوجزء من مفهوم المصالحة والتوافق الوطني والحل السياسي احد مقتضياته المهمة. الجانب الأخر والحاسم في المعالجة السياسية والذي تجاهلته السياسة الأمريكية أو لم تمنحه اهتماماً مناسباً هو موضوع التنمية وإعادة البناء والأعمار، هذا الجانب الحيوي والحاسم في نجاح العملية السياسية، الذي لم يلمس الشعب العراقي أي مكاسب ولم تحل ولو جزءاً بسيطاً من معاناته، والموضوع طويل وذو شجون وتداعيات محزنة ومتشعبة ذكرته للاستشهاد والدلالة. قد يقول البعض أن تقرير بيكر هاملتون جاء لإنقاذ سياسية أمريكية فاشلة وهو لايهم العراقيين ولا يستجيب لمصلحتهم، نعم هوجاء لإنقاذ سياسة أمريكية لها هدف بناء مشروع سياسي ديمقراطي عراقي برؤية أمريكية، ولايمكن أن يتحقق نجاحه بدون مراعاة مصلحة العراقيين لابل أن المشروع الأمريكي سيمنى بالهزيمة المنكرة إذا لم ير فيه العراقيون مصلحة وطنية ملموسة.أن التقرير سيبقى حبراً على ورق وكل سياسات أمريكا المقبلة وكل إستراتيجيتها وتنقيتها ومالها وجنودها، وعظمة قوتها ستضيع في سراب وهمها وعقدة استعلائها إذاما أصرت على التمسك بسياسة ازدراء تفكير الآخرين و تجاهل مشورتهم سواءً كانوا عراقيين أو غيرهم،أواستخفت بمعنى الروح الوطنية العراقية وحساسيتها ومكانتها في الثقافة العراقية وفي وعي العراقيين، فالموضوع العراقي يحتاج الى أكثر من وصفة بيكر هاملتون، فالمعاينة والتشخيص الصحيحين لحالة المريض ومن ثم وصف الدواء المناسب له هو مايحتاجه المريض العراقي وليس جعله حقلاً لتجارب دوائية لم يثبت نجاحها وفعاليتها ،فالسياسة الفاشلة، هي كالدواء العقيم الذي يقتل المريض بدلاً من شفائه. في المحصلة أوكد أن الحقيقة هي المطلوب سماعها ومعرفتها سواء كانت في تقرير بيكر هاملتون أم في الموقف منه. أن التجريبية مفهوم مختلف عن تغيير الموقف لضرورات تستدعيها الحالة السياسية، وهذا مالم نلمس تجلياته في العقل الأمريكي وتطبيقاته بعد......!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظومة الصحة في غزة الأكثر تضررا جراء إقفال المعابر ومعارك


.. حزب الله يدخل صواريخ جديدة في تصعيده مع إسرائيل




.. ما تداعيات استخدام الاحتلال الإسرائيلي الطائرات في قصف مخيم


.. عائلات جنود إسرائيليين: نحذر من وقوع أبنائنا بمصيدة موت في غ




.. أصوات من غزة| ظروف النزوح تزيد سوءا مع طول مدة الحرب وتكرر ا