الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألكسندر دوغين – الدولة العميقة - الجزء الثاني 2-3 – إغتيال بوتين وترامب

زياد الزبيدي

2024 / 10 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


نافذة على الصحافة الروسية
نطل منها على أهم الأحداث في العالمين الروسي والعربي والعالم أجمع



*اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف*

ألكسندر دوغين
فيلسوف روسي معاصر
وكالة ريا نوفوستي للانباء

8 أكتوبر 2024

الجزء الثاني
إذا كان مصطلح "الدولة العميقة" قد استُخدم لأول مرة في تركيا في تسعينيات القرن العشرين، فقد ظهر في الغرب في خطابات الصحفيين والمحللين والسياسيين في الولايات المتحدة أثناء رئاسة دونالد ترامب. ومرة أخرى، السياق التاريخي حاسم. بدأ أنصار ترامب، مثل ستيف بانون Steve Bannon وآخرين، يقولون إن ترامب، الذي يتمتع بكل الحق بموجب الدستور في تحديد مسار السياسة الأمريكية، بعد انتخابه رئيسًا، يواجه عقبات غير متوقعة في هذا الأمر لا يمكن اختزالها فقط في معارضة الحزب الديمقراطي أو الجمود البيروقراطي. تدريجيًا، ومع تزايد هذه المقاومة، بدأ ترامب وأنصاره يرون أنفسهم حاملين ليس فقط الأجندة الجمهورية التقليدية للسياسيين والرؤساء السابقين لهذا الحزب، بل شيئًا أكثر من ذلك. لقد أثار تركيزهم على القيم التقليدية وانتقادهم لخط العولمة حساسيات ليس فقط لدى خصومهم السياسيين المباشرين، "التقدميين" والحزب الديمقراطي، بل وأيضاً لدى بعض السلطات غير المرئية وغير الدستورية، القادرة على التأثير، وفقاً لتقديرها الخاص، على جميع العمليات الرئيسية في السياسة الأمريكية بطريقة منسقة ومستهدفة: في مجال التمويل، والأعمال التجارية الكبرى، ووسائل الإعلام، والخدمات السرية، والقضاء، والمؤسسات الثقافية الأكثر أهمية، والمؤسسات التعليمية الرئيسية، وما إلى ذلك.
يبدو أن تصرفات جهاز الدولة ككل يجب أن تكون تابعة لمسار وقرارات الرئيس الأمريكي المنتخب قانونياً. لكن اتضح أن هذا ليس هو الحال على الإطلاق، فبعيدا عن الرئيس ترامب وبشكل مستقل تماماً عنه، على مستوى أعلى من "سلطة الظل"، تجري عمليات غير خاضعة للرقابة. وهكذا تم اكتشاف الدولة العميقة في الولايات المتحدة نفسها.

في الولايات المتحدة، كما هو الحال في تركيا، هناك بلا شك ديمقراطية ليبرالية. ولكن وجود سلطة عسكرية سياسية غير منتخبة، متحدة في إطار أيديولوجية محددة للغاية (لا تعتمد على انتصار حزب أو آخر) وجزء من جمعية سرية (على سبيل المثال، من النوع الماسوني)، كان غير واضح تمامًا للأميركيين. لذلك، أصبح الخطاب حول الدولة العميقة في تلك الفترة بمثابة كشف للكثيرين، وتحول من "نظرية المؤامرة" إلى حقيقة سياسية واضحة.

نعم، بالطبع، إن اغتيال جون كينيدي الذي لم يُحل بعد والقضاء المحتمل على أعضاء آخرين من عائلته، والتناقضات العديدة في الأحداث المأساوية التي وقعت في الحادي عشر من سبتمبر 2001، فضلاً عن عدد من الأسرار الأخرى غير المحلولة في السياسة الأمريكية، جعلت الأمريكيين يشكون في وجود نوع من "السلطة السرية" في أمريكا.

اقترحت "نظريات المؤامرة" المنتشرة المرشحين الأقل ترجيحًا لهذا الدور – من الشيوعيين المتخفين إلى الزواحف.
لكن تاريخ رئاسة ترامب، وبدرجة لا تقل عن ذلك، اضطهاده بعد خسارته أمام بايدن، ومحاولتي اغتيال بالفعل خلال حملة انتخابات 2024، تجبرنا على التعامل مع موضوع الدولة العميقة في الولايات المتحدة بجدية تامة. الآن ليس من السهل التخلص منها. إنها موجودة بالتأكيد، وتعمل، وهي نشطة، و... تحكم.

في البحث عن تفسير لهذه الظاهرة، يجدر بنا أولاً أن نلتفت إلى تلك المنظمات السياسية في الولايات المتحدة في القرن العشرين، والتي كانت الأكثر أيديولوجية وحاولت العمل في فضاء فوق حزبي. وإذا بحثنا عن جوهر الدولة العميقة بين المؤسسة العسكرية، وأجهزة المخابرات، وأسماك القرش في وول ستريت، وأباطرة التكنولوجيا الفائقة وما إلى ذلك، فمن غير المرجح أن نحصل على نتيجة مرضية. فكل شيء هناك فردي للغاية وغامض.
أولاً وقبل كل شيء، نحتاج إلى الاهتمام بالأيديولوجيا.

إذا وضعنا جانباً نظريات المؤامرة، فهناك هيئتان أكثر ملاءمة لهذا الدور: مجلس العلاقات الخارجية Council of Foreign Relations ، الذي أسسه في عشرينيات القرن العشرين أنصار الرئيس وودرو ويلسون، وهو مؤيد قوي للعولمة الديمقراطية، وحركة المحافظين الجدد الأميركيين Movement of American
neoconservatives
التي نشأت في وقت لاحق، والتي نشأت من التروتسكيين (الذين كانوا هامشيين في السابق) واكتسبت تدريجياً نفوذاً كبيراً في الولايات المتحدة.
كل من مجلس العلاقات الخارجية والمحافظين الجدد مستقلان عن أي حزب. ويهدفان إلى توجيه المسار الاستراتيجي للسياسة الأميركية ككل، بغض النظر عن الحزب المهيمن حالياً. بالإضافة إلى ذلك، يتمتع كل من هاتين الهيئتين بأيديولوجية منظمة وواضحة: العولمة الليبرالية اليسارية في حالة مجلس العلاقات الخارجية والهيمنة الأميركية الهجومية في حالة المحافظين الجدد. ويمكن اعتبار مجلس العلاقات الخارجية من انصار العولمة اليساريين بشروط، والمحافظين الجدد من العولميين اليمينيين.

منذ بداية ظهور مجلس العلاقات الخارجية، سلكت هذه الشبكة من الساسة والخبراء والمثقفين وممثلي الشركات العابرة للحدود الوطنية مسار انتقال الولايات المتحدة من دولة قومية إلى "إمبراطورية" ديمقراطية عالمية. وفي مواجهة الانعزاليين The isolationists طرح مجلس العلاقات الخارجية أطروحة مفادها أن قدر الولايات المتحدة هو جعل العالم بأسره ليبراليًا وديمقراطيًا. وقد وضعت هنا المثل والقيم الديمقراطية الليبرالية والرأسمالية والفردية فوق المصالح الوطنية.
وكان هذا الهيكل طوال القرن العشرين ــ مع انقطاع قصير للحرب العالمية الثانية ــ هو الذي انخرط تاريخيا في خلق المنظمات فوق الوطنية: أولاً عصبة الأمم، ثم الأمم المتحدة، ونادي بيلدربيرغ The Bilderberg Club، واللجنة الثلاثية The Trilateral Commission ، وما إلى ذلك. وكانت الرسالة إنشاء نخبة ليبرالية عالمية موحدة تتقاسم أيديولوجيا العولمة في كل شيء: الفلسفة والثقافة والعلم والاقتصاد والسياسة وما إلى ذلك. كانت جميع أنشطة العولميين من مجلس العلاقات الخارجية تهدف إلى تشكيل حكومة عالمية واحدة، وهو ما يعني التلاشي التدريجي للدول الوطنية ونقل السلطة من الكيانات السيادية السابقة إلى أيدي الأوليغارشية العالمية المكونة من النخب الليبرالية العالمية المتعلمة وفقًا للأنماط الغربية.

لقد لعب مجلس العلاقات الخارجية، من خلال شبكاته الأوروبية، دوراً فعالاً في إنشاء الاتحاد الأوروبي (خطوة ملموسة نحو حكومة عالمية). ولعب ممثلوه، وفي مقدمتهم هنري كيسنجر، الزعيم الفكري الدائم لهذه المنظمة، دوراً رئيسياً في دمج الصين في السوق العالمية. وكانت هذه خطوة فعّالة لإضعاف المعسكر الاشتراكي. وقد روجت هذه الهيئة نفسها بنشاط لنظرية التقارب Theory of convergence (في عهد ليونيد بريجنيف كانت تسمى سياسة الوفاق والتعايش السلمي ZZ) ونجحت في اكتساب النفوذ على القيادة السوفياتية الراحلة، حتى عهد غورباتشوف.

"إن المجتمع الدولي قابل للإدارة" - هكذا كتب الإيديولوجيون السوفيات الراحلون، تحت إملاء العولميين من مجلس العلاقات الخارجية، بعد أن وقعوا تحت سحر خبراء التنويم المغناطيسي من جيوسياسيي مجلس العلاقات الخارجية.

إن مجلس العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة هو هيكل غير حزبي تماماً ويوحد بين الديمقراطيين، الذين يعتبرهم أقرب إلى حد ما، والجمهوريين. في الواقع، هذه هي القيادة العليا للعولمة. أما المبادرات الأوروبية المماثلة، مثل منتدى دافوس لكلاوس شواب، فهي ليست سوى فروع له.

عشية انهيار الاتحاد السوفياتي، أسس مجلس العلاقات الخارجية فرعه في موسكو، في معهد أبحاث النظم للأكاديمي غفيشياني،
The Institute of Systems Research of Academician Gvishiani
المكان الذي جاءت منه نواة الليبراليين الروس في التسعينيات والموجة الأولى من الأوليغارشيين ذوي الدوافع الإيديولوجية.
من الواضح أن ترامب واجه هذه المؤسسة ذاتها، التي تم تقديمها في الولايات المتحدة نفسها وفي العالم كمنصة غير ضارة ومرموقة لتبادل آراء الخبراء "المستقلين". لكن في الواقع، هذا هو المقر الأيديولوجي الحقيقي. ودخل ترامب، بأجندته المحافظة القديمة، والتركيز على المصالح الأمريكية وانتقاد العولمة، في تناقض واضح وصريح معها. ترامب هو رئيس الولايات المتحدة لفترة قصيرة فقط، ومجلس العلاقات الخارجية لديه تاريخ يمتد لقرن من الزمان في تحديد مسار السياسة الخارجية الأمريكية. وبالطبع، على مدى مائة عام من وجوده قرب السلطة وفي السلطة، شكل مجلس العلاقات الخارجية شبكة واسعة من النفوذ، ونشر أفكاره بين العسكريين والمسؤولين وأهل الثقافة والفن، ولكن قبل كل شيء في الجامعات الأمريكية، التي أصبحت تدريجيًا مؤدلجة أكثر .

رسميًا، لا تعترف الولايات المتحدة بأي هيمنة أيديولوجية. لكن شبكة مجلس العلاقات الخارجية، على العكس من ذلك، أيديولوجي للغاية. إن انتصار الديمقراطية على كوكبنا، وإنشاء حكومة عالمية، والانتصار الكامل للفردية وسياسات النوع الاجتماعي هي الأهداف العليا التي لا يمكن تغييرها أو الانحراف عنها.
كانت شعبوية ترامب وشعاره أمريكا أولاً، والتهديدات بـ "تجفيف مستنقع واشنطن" – تحديًا حقيقيًا لهذه السلطة، حارسة رموز الليبرالية الشمولية (مثل أي أيديولوجية).

هل يمكن اعتبار مجلس العلاقات الخارجية جمعية سرية؟
بالكاد. يفضل المجلس التكتم، ويتصرف بشكل علني بشكل عام. وهكذا، بعد بداية حرب اوكرانيا، ناقش قادة مجلس العلاقات الخارجية (ريتشارد هاس، وفيونا هيل، وسيليشا والاندر)
(Richard Haas, Fiona Hill, Silisha Wallander)
علانية مدى صوابية قتل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (تم نشر نسخة مطبوعة من المناقشة على الموقع الرسمي لمجلس العلاقات الخارجية).

إن الدولة العميقة الأميركية، على عكس الدولة التركية، تفكر في نفسها على مستوى عالمي او من منطلق عالمي، لذا فإن ما يحدث في روسيا أو الصين يبدو لأولئك الذين يعتبرون أنفسهم حكومة عالمية تقريبًا، "مسألة داخلية". وقتل ترامب مسألة بسيطة، إذا فشلوا في سجنه أو شطبه في الانتخابات.

ومن الجدير بالذكر أن المحافل الماسونية لعبت دورًا حيويًا في النظام السياسي الأميركي منذ الثورة الأميركية. لذلك، تتشابك الشبكات الماسونية مع مجلس العلاقات الخارجية وتعمل كوكالة تجنيد لهم.
واليوم، لا يحتاج العولميون الليبراليون إلى الاختباء. فقد تم قبول برامجهم بالكامل من قبل الولايات المتحدة والغرب الجماعي. ومع تعزيز "السلطة السرية"، فإنها تتوقف تدريجيًا عن كونها سرًا. وما كان يجب حمايته من خلال انضباط الماسونية السرية أصبح أجندة عالمية مفتوحة. لم يكره الماسونيون التدمير المادي لأعدائهم، لكنهم بالطبع لم يتحدثوا عن ذلك بشكل مباشر. والآن يفعلون ذلك. هذا هو الفرق الوحيد.

*****
يتبع الجزء الثالث والاخير غدا
بعنوان : الدولة العميقة - الخروج من الظل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تدمير منشآت إيران النووية-.. هل يحقق ترامب الحلم الإسرائيلي


.. لحظة هبوط مروحية إسرائيلية غربي بيت لاهيا شمالي قطاع غزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل 4 جنود من لواء كفير في المعارك بش


.. حزب الله: لم يصل إلى لبنان وحزب الله أي شيء رسمي أو مقترحات




.. شروط إسرائيل لوقف حرب لبنان