الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
استراتيجية استشراف المستقبل العربي في ظل التحديات الراهنة
خيري فرجاني
2024 / 10 / 15مواضيع وابحاث سياسية
استراتيجية استشراف المستقبل العربي
إلى أين نحن ذاهبون؟ سؤالا مربكا يحمل في طياته حالة من التوتر والقلق على المستقبل، وربما تكون الإجابة بسؤال أكثر منه إرباكا وتوترا.. ماذا نحن فاعلون.. ومن أين نبدأ ؟ لأنه يضعنا أمام مسؤولية كبيرة. وللإجابة على هذا السؤال يتعين علينا الاهتمام بالدراسات المستقبلية ووضع استراتيجية لمواجهة التأثيرات المعقدة للتحديات الحالية والمستقبلية في المنطقة العربية.
لإستشراف المستقبل أهمية قصوى حيث برزت أهمية هذا الحقل من العلوم في الغرب بعد الحرب العالمية الثانية من خلال حركة واسعة استهدفت الاهتمام بالدراسات المستقبلية، حتى غدت دراسات المستقبل صناعة أكاديمية، ونشاطًا علميًا قائمًا بذاته، ومنهجًا عمليًا للإدارة والتخطيط حتى أن المراكز الثلاثة لصنع القرار الأمريكي البيت الأبيض والكونغرس والبنتاغون، يقوم على دعمه عدد كبير من مراكز البحث المهتمة بالدراسات المستقبلية المعروفة (Think Tanks). كما ازدهر أيضا ما يعرف بـ "الدبلوماسية الاستباقية"؛ حيث إن مفهوم المستقبل تطور مع تطور الفكر البشري، من نظرة ترى المستقبل قدرا محتومًا، لا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال كما هو شائع في مجتمعاتنا العربية، إلى نظرة تنطلق من مبدأ الصيرورة وقدرة الحياة على التجدّد، وترى في المستقبل بعدًا زمنيًا يمكن التحكّم فيه (14).
عناصر استراتيجية استشراف المستقبل العربي
المستقبل هو ملكٌ لمن يستعد له ويساهم في تصميمه وصناعته، واستشراف المستقبل هو منهجية علمية تعتمد على إعمال الفكر ودراسة ما هو محتمل من خلال فحص وتقييم المستقبليات الأكثر احتمالا. (أ) تبدأ بدراسة الأوضاع المستقبلية المتخيلة وتحليل محتواها ودراسة أسبابها وتقييم نتائجها ووضع الحلول المناسبة لها. (ب) تعتمد على زيادة المشاركة الديمقراطية في تصور وتصميم المستقبل وهو ما يعرف بـ "دمقرطة التفكير المستقبلي"، من خلال إفساح المجال للاشتراك في اقتراح وتقييم الصور البديلة للمستقبل، (ج) تبنى صورة مستقبلية مفضلة ومحاولة تحويل هذه الصورة المستقبلية إلى واقع، وهو ما يستلزم بالضرورة تبنى أنماط اجتماعية وثقافية وسلوكية .. إلخ؛ من أجل قطع الطريق على الصور المستقبلية الغير مرغوب فيها والحيلولة دون وقوعها.
أولا: التعاون والتكامل الاقتصادي والسياسي والعسكري:
اليوم وفي ظل استمرار حالة الضعف العربي التي تشمل كل أقطاره، وعجز هذه الأقطار للإرتفاع إلى مستوى التحديات الدولية للنهوض، تبقى الوحدة القومية والتكامل الإقتصادي والسياسي والعلمي والعسكري، هو الحالة المثلى لاستعداد الأمة العربية لمواجهة كل التحديات بما فيها تحديات العولمة لأنها تحديات اقتصادية اجتماعية وثقافية تستهدف كيان الأمة العربية، فلم يعد العمل الاقتصادى العربى المشترك ضرورة تنموية فحسب وإنما أصبح ضرورة مصيرية، فالواقع والمستقبل للتكتلات الاقتصادية ولاشك أن قدرة النظام الاقتصادي للدول العربية على مواجهة التحديات الاقتصادية وتحقيق معدل عال من النمو الاقتصادي تعد معيارا للحكم على درجة نجاح النظام أو فشله، وبالتالي يحتاج النظام الاقتصادي العربى لكي يكون نظام ناجحا وفعالا، أن يسير بخطوات ثابتة وسريعة في طريق مواجهة التحديات الاقتصادية وتحسين معدل النمو (15).
لابد من ايجاد مشروعا لكيان عربي وحدوي نهضوي حضاري ذي أبعاد إنسانية، من خلال استدعاء الإرث الحضاري العريق للأمة العربية ومن خلال الموقع الاستراتيجي المميز والمقومات الاقتصادية والمالية الضخمة للوطن العربي. ولعل ما تشهده المنطقة العربية في الفترة الأخيرة من تحديث وتعاون اقتصادي ودعم سياسي وتعاون عسكري بين مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات المتحدة ربما ينقل المنطقة إلى مرحلة جديدة قد تساعدها على النهوض ومواجهة هذه التحديات الإقتصادية والعلمية والعسكرية.
ثانيا: تحرير العقل العربي :
من المعلوم أن الحضارة لا يمكن استيرادها فهى إنجاز وبناء وصيرورة وحركة مستمرة، قد تتقدم حينا وتتأخر حينا إلى الوراء، ومن هنا تبدوا أهمية إيقاظ العقل العربي من غفوته والاتجاه نحو الأمام كفعالية متواصلة لفعل التجديد والتطوير والتقدم. حيث تم رفض إعمال العقل في الفكر العربي- طوال تاريخه- لأنه ربما كان يحمل في طياته بذور التمرد على السلطة فتم تعطيل- الغاء العقل العربي حينما اُغلق باب الاجتهاد، ولتحقيق هذه المهمة الصعبة نحتاج لفكر عقلانى نعيد به بناء علاقتنا بماضينا بصيغة جديدة، ربما تكون البداية قد انطلقت من رفاعة الطهطاوى فى سعيه إلى تأصيل الحداثة عبر بنية تقليدية متكلسة جامدة فى الفكر الدينى، حاول فيها أن يوازن بين الوافد والموروث بآلية القياس والمماثلة. ثم جاء بعده محمد عبده ليتبنى النهج الاعتزالى ساعيا إلى تحرير العقل من سلطة النص وتحرير الإرادة الإنسانية من سطوة الاستبداد والاستعباد. وذلك لأن أى تغيير حقيقى فى واقع المجتمع يتطلب تحرير الإنسان عقلا وإرادة حتى يتمكن من تحرير واقعه الاجتماعى فيما بعد، ثم جاء أمين الخولى الذي رأى أن أول التجديد هو قتل القديم فهما حتى يمكن تجاوزه فإن القدماء كانوا رجالا اجتهدوا وفق عصرهم وسعى الخولي لتجديد الفكر الدينى من خلال ربطه بحركة التطور الاجتماعي.
التحرر من سيطرة فكرة المؤامرة:
ثالثا: التحرر من عقدة الإثم أو الذنب:
تلك الحالة التي يقتات عليها العقل الأصولي ويلجأ إلى تكوين الجماعات فكلما زاد الإحساس الإنساني بالضعف، كلما زاد التحامه بالجماعة وهي تلك الحالة التي يخلقها الاستبداد عبر منظومة تتجذّر في المجتمع من خلال ثلاثية "التجريم والتحريم والتأثيم"، فالتّجريم يمارسه الاستبداد عن طريق أجهزته الأمنية والتحريم هو وظيفة المؤسّسة الدينية، حيث لا خضوع دون تضييق مساحة المباح. أما التأثيم، فيعزّز التجريم والتحريم وبجعل طاقة الإنسان محدودة، بأنْ يشعرها دوما بعقدة الذنب، حتى يكبح جماحها، ويجعلها مهدورة لا نفع فيها (16) ، فالمجتمعات التّأثيمية التي تعيش على عقدة الذنب والإثم، لا يمكن أنْ تستشرف مستقبلها إلا مرفوقة بالتردّد واجترار الماضي والخوف من العقاب؛ لأن بين عقدة الذنب والفشل ارتباط وثيق قد يصل بالفرد أو الجماعة إلى سلوك الإرهاب والإجرام بوصفهما تطهيرا ذاتيا، وبحثا عن خلاص ممكن.
رابعا: التخلص من تقديس الماضي وحلم استعادته:
تمكنت الأصولية من ترسيخ مفاهيمها وأيديولوجيتها في الفكر العربي المعاصر ونجح الخطاب الأصولي في أداء وظيفته الإيديولوجية، لأنه لم يكن مجرد شعارات مفارقة للواقع بقدر ما كان خطابا مستجمعا- إلى حد كبير- بين النظرية والممارسة فالخطاب الإيديولوجي الأصولي تحرك في عدة مناحي: التراث والدين والتاريخ، والتنظيم السياسي (17)، فعلاقته بالتراث تم اختزالها في الاختيار الحاسم للمتغير الدّيني، وتعامل معه بطابع أحادي يرفض الآخر، وتم تجهيل الحضارة المعاصرة أي ردها إلى أصول ما قبل الإسلام ومن ناحية العلاقة بالتاريخ فقد اعتمدت الأصولية على أساس استعادة الماضي الإسلامي من منطلق رؤية طوباوية.
تكمن مشكلة هذا النّمط من التفكير في أنه يريد إسقاط تجربة تاريخية على مسار التّاريخ كله، بحيث تصير هي الأصل والمعيار والأساس الذي يقاس عليه. وهنا يتجاوز العقل الأصولي الموضوعية في الطرح، حينما يوقف حركة التاريخ في فترة يعتبرها مثالية دون مراعاة للسّياقات البشرية والتاريخية لهذه التجربة. كل ذلك يؤدي بالضرورة للانغلاق والجمود الفكري والتسلط الدّيني، حيث يصير الإنسان تحت مسمى الدين أو تطبيق الشّريعة معول هدمٍ لكل القيم الإنسانية وتتراجع الحضارة وتندثر قيم التسامح والتعاون ويتمركز الإنسان على ذاته وينغلق على تحيّزاته ومسبقاته الثقافية والتاريخية، ويقيس الآخر بناء عليها (18). ومن هنا تصبح عملية تفكيك هذه الأفكار والعناصر ضرورة حتمية يفرضها الواقع المأزوم للمنطقة العربية.
خامسا: إعلاء قيمة الوطن والوطنية لدى الشعوب العربية:
كان لهيمنة الايديولوجيات الأصولية المتطرفة دور بارز في تغييب مفهوم الوطنية في نفوس الكثير من أبنائنا فى الآونة الأخيرة حتى أصبحت مسألة دراسة الوطنية في المدارس أمر هامشى غير جوهرى، ولم يلقن المواطن كيف يحب بلاده، إن ترسيخ مفهوم الوطنية أمر ضرورى للحفاظ على مجتمعاتنا وهويتنا وقوميتنا العربية، كما ترسيخ مفهوم المواطنة يعني أننا جميعا رغم اختلاف الدين أو المذهب أو العرق أو اللون أننا جميعا مواطنون متساوون فى الحقوق والواجبات، وأننا دول وطنية ذات حدود محددة وواضحة ومعروفة، وأن هذا الأمر يكسبنا حقوقا ويستلزم علينا واجبات محددة، وأن هذه الحقوق والواجبات لا تختلف باختلاف المذهب أو الدين أوالإقليم أو انتفاء المتحد القبلي، وأن علاقتنا كـدول تقوم في الأساس الأول على مصلحة هذا الوطن، وأن ولاءنا لهذا الوطن أمر لا يقبل الجدل ولا المنازعة، وأن الولاء للوطن ليس فيه تعارض مع الدين بخلاف مايزعم اصحاب التوجهات الأصولية التى لاتعترف بالدولة الوطنية أو الولاء الوطنى باعتباره امر مخالف للدين وهذا بالتأكيد يهدد كيان ومفهوم الدولة الوطنية ويقوض اركانها لصالح الفوضى. حيث إن مشكلة الإيديولوجيات الأصولية المتطرفة أنها تقفز على واقع التاريخ، وتمارس حركة نكوص غير واع بحقيقة الواقع الدولى الراهن، هي تريد بناء امبراطورية وخلافة وهمية، بينما نحن كبشر قد تجاوزنا تاريخيا هذه المرحلة، ودخلنا في مرحلة جديدة هي مرحلة الدولة الوطنية "القطرية".
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. أظهر وجهه السياسي وحدث خزانة ملابسه - أبو محمد الجولاني رجل
.. أوروبا - سوريا: أي سياسة هجرة ولجوء؟ • فرانس 24 / FRANCE 24
.. سوريا: أي مرحلة انتقالية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24
.. كاميرا شبكتنا ترصد احتفالات السوريين في دمشق فرحًا بنهاية نظ
.. لحظة وثقتها الكاميرات.. شاهد اقتياد متهم بقتل رئيس شركة ومنع