الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المُطبعون بين الكلب المحبوب والإنسان المكروه

سامح قاسم

2024 / 10 / 20
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


التطبيع مع الكيان الصهيوني هو جرح عميق ينخر في قلب الأمة العربية، يثقل الضمير الجمعي ويزرع الشك في ولاء بعض الساسة والمثقفين والفنانين لقضية العرب الأولى: فلسطين. عندما يأتي كلام الكاتب اليهودي شاي جولدبيرغ ليكشف الوجه الحقيقي للعلاقة بين المحتل وأولئك الذين يهرولون للتطبيع معه، تتجلى الحقيقة بصورة صادمة، إذ يقول: "عندما تخون، أنت كعربي، أبناء شعبك بآراء عنصرية صهيونية، فنحن نحبك مباشرة، لكن حبًا كحبنا للكلاب." هذا الكلام يدعو للتأمل، حيث يعبر بوضوح عن رؤية الصهاينة للمطبعين العرب باعتبارهم مجرد أدوات يتم استخدامها لتحقيق مصالح الاحتلال، دون أي احترام حقيقي أو تقدير لقيمتهم.

لقد شهدت العقود الأخيرة تزايدًا في وتيرة التطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل، مدفوعة بمصالح اقتصادية أو ضغوط سياسية. إلا أن الحقيقة المرة تظل قائمة، وهي أن التطبيع لا يجلب السلام ولا يحقق العدالة. إنه فقط يغطي على جرائم الاحتلال ويمنحه شرعية زائفة للتوسع والاعتداء على حقوق الشعب الفلسطيني. بهذا، فإن المطبعين يضعون مصالحهم الآنية فوق معاناة ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال، متجاهلين تاريخًا طويلاً من التضحيات والشهداء.

إن اعتراف جولدبيرغ بأن الإسرائيليين "يحترمون أولئك الذين تمسكوا بما لديهم" يعكس فكرة مهمة؛ فالصهاينة يدركون قيمة الكرامة والتمسك بالمبادئ، حتى وإن كان ذلك على حساب العلاقة معهم. إن هذا الاحترام المشروط يُظهر بجلاء أنهم ينظرون إلى المطبعين بازدراء، لأن هؤلاء ببساطة اختاروا خيانة قضيتهم مقابل مصالح فردية ضيقة. وعليه، فإن المطالبين بالتطبيع ليسوا سوى أدوات تُستخدم في لعبة سياسية لا أخلاقية.

إن التطبيع لا يقتصر فقط على العلاقات السياسية أو الاقتصادية، بل يمتد ليشمل الفكر والثقافة، حيث يظهر بعض المثقفين والفنانين العرب وهم يروجون للتطبيع كوسيلة لتحقيق "السلام" والتعايش بين الشعوب. لكنهم يتجاهلون أن هذا "السلام" الذي ينادون به هو سلام مبني على القمع والاستيطان وسلب الأرض والحقوق. إن الثقافة العربية، منذ نشأتها، قائمة على قيم العدل والكرامة والدفاع عن المظلومين، والتطبيع مع كيان عنصري يقف ضد هذه القيم هو بمثابة خيانة للتراث الثقافي والأخلاقي العربي.

كما أن التطبيع الثقافي والفني يُستخدم كوسيلة لتلميع صورة الاحتلال أمام العالم، وإخفاء الجرائم التي تُرتكب يوميًا بحق الفلسطينيين. عندما يقف فنان عربي على خشبة المسرح في تل أبيب، أو يُشارك في مهرجان سينمائي أو محفل ثقافي أو أدبي ليصافح إسرائيلي، فإنه بذلك يعطي شرعية للسياسات العنصرية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، ويشوه صورة الفن الذي كان من المفترض أن يكون صوت المظلومين والمضطهدين.

من المعروف أن الكرامة الوطنية تتجسد في الثبات على المواقف المبدئية وعدم المساومة على حقوق الأمة. وعندما يتنازل بعض السياسيين والمثقفين والفنانين عن هذه المواقف من أجل التطبيع، فإنهم بذلك يفقدون احترام شعوبهم ويقوضون مكانتهم في الوجدان العام. إن قول جولدبيرغ: "نحن نحبك مباشرة، لكن حبًا كحبنا للكلاب" يعكس بوضوح هذا الفقدان للكرامة، حيث ينظر المحتلون إلى المطبعين العرب على أنهم أدوات يمكن استبدالها عند الحاجة، دون أي احترام حقيقي لهم.

إذا كانت إسرائيل نفسها لا تحترم هؤلاء المطبعين، فما الفائدة من التطبيع؟ وكيف يمكن لمثقفين أو فنانين عرب أن يقنعوا شعوبهم بجدوى مثل هذه العلاقات، في حين أن المحتل يعلن صراحةً أنه يحتقرهم ولا يحترمهم؟ إن هذا التناقض يفضح حقيقة التطبيع كعملية تنطوي على إهانة عميقة للكرامة الوطنية.

غالبًا ما يلجأ المطبعون إلى تبرير مواقفهم بالقول إنهم يسعون "لتحقيق السلام" أو "إنهاء الصراع". لكن الواقع يقول شيئًا مختلفًا تمامًا. لقد شهدنا في السنوات الأخيرة كيف أن التطبيع لم يؤدِّ إلى تحقيق أي تغيير إيجابي على الأرض، بل على العكس، زادت الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين، وتوسع الاستيطان، واستمر تهجير السكان الأصليين من أرضهم. إذا كان التطبيع فعلاً سيساهم في تحقيق السلام، فأين هي ثماره؟ ولماذا لم تتوقف آلة الحرب الإسرائيلية عن تدمير البيوت وتهجير الأطفال وقتل الأبرياء؟

إن مقاومة التطبيع ليست مجرد موقف سياسي، بل هي موقف أخلاقي وإنساني ينبع من قيم العدالة والحرية التي ينادي بها جميع الشعوب الحرة. إن الاعتراف بالحق الفلسطيني في الأرض والوجود هو واجب على كل عربي، وعدم المساومة على هذا الحق هو السبيل للحفاظ على الكرامة الوطنية. فالمطبعون قد اختاروا الطريق السهل، طريق الخيانة والتخلي عن المبادئ، لكن الشعوب الحية تظل ثابتة على مواقفها، تدافع عن حقوقها ولا تساوم على كرامتها.

لقد آن الأوان ليقف المثقفون والفنانون العرب ضد موجة التطبيع، ويعلنوا بوضوح رفضهم لهذه الخيانة العلنية لقضية العرب المركزية. إن رسالة جولدبيرغ يجب أن تكون بمثابة جرس إنذار لكل من يعتقد أن التطبيع يمكن أن يجلب الاحترام أو يحسن من صورة العربي في عيون الإسرائيليين، فالاحتلال لا يحترم سوى أولئك الذين يتمسكون بمبادئهم، ويحافظون على كرامتهم وكرامة أمتهم.

كلمات شاي جولدبيرغ تكشف بوضوح حقيقة الموقف الإسرائيلي من المطبعين العرب: "إما كلب محبوب أو مكروه محترم". هذا الخيار الذي يطرحه جولدبيرغ يعبر عن احتقار عميق لكل من يختار التطبيع والتنازل عن الكرامة والقيم. إن الدفاع عن الكرامة الوطنية والتضامن مع القضية الفلسطينية هو الذي يضمن للشعوب العربية احترام العالم، ويحافظ على إرثها الأخلاقي والإنساني.

إن موقف الشعوب العربية واضح وثابت في رفض التطبيع، وإدانة كل من يسعى لتبرير العلاقات مع الاحتلال. علينا أن ندرك أن النضال من أجل فلسطين ليس مجرد مسألة جغرافية أو سياسية، بل هو اختبار للقيم والكرامة. لذا، يجب أن نقف جميعًا ضد موجة التطبيع، ونحافظ على موقفنا الأخلاقي والإنساني، وندعم حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واستعادة أرضه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الإيطالية تعتدي على متظاهرين مؤيدين لفلسطين في ميلانو


.. الحكومة تعالج الاختلالات المالية من جيوب المغاربة #المغرب




.. تغطية القناة الأولى للجلسة الافتتاحية للمؤتمر الإقليمي لحزب


.. محمد نبيل بنعبد الله : صفقة أكبر محطة لتحلية المياه فازت به




.. علم الحراك الشعبي في سوريا لعام 2011 شوهد وهو معلقا خارج الق