الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة البوليفارية أو ثقب الأوزون في سماء العولمة

أحمد الخمسي

2006 / 12 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


هل يتخيل متخيل جرأة حكومة عربية على تأميم قطاع حيوي مثل النفط والغاز في ظل العربدة الأمريكية، التي أخافت عن بعد أحد الحكام العرب، فاستسلم وأصبح استسلامه مثالا للحكمة القائلة "الهروب من بعيد رجلة"ّّّّّ!!!

إن حصيلة سنة 2006، من جملتها ما أقدمت عليه جمهورية فينيزويللا البوليفارية من تحويل ملكية 32 شركة عالمية عاملة بها إلى ملكية عمومية في 31 مارس 2006. ولم يكد يمر شهر واحد حتى أقدمت بوليفيا على خطوة مماثلة في فاتح ماي 2006.

* * *

والعجيب في الأمر أن الفترة التي شهدت الاجتياح الأمريكي للشرق العربي، لتحويل الحصار على العراق إلى استنزاف حقيقي بل إلى كساح شل الكيان العراقي قبل اجتياحه عسكريا، شهدت الاستعداد السياسي الانتخابي لقلب اتجاه البلد البترولي الأول في أمريكا اللاتينية نحو الكعبة الكوبية. إذ شهدت فينيويللا تبني الدستور البوليفاري الذي ألزم الحكومة الفينيزويلية بقلب وجهة السياسة القتصادية عبر رفض سياسة البنك الدولي، وذلك بأداء مبالغ الديون الخارجية أولا ثم الالتزام الفعلي بأداء "الديون" الاجتماعية إن صح التعبير.......فأصبحت نموذجية من حيث تنفيذ سياسة اجتماعية حازمة في ميادين الصحة والتعليم والسكن...إذ قوي دور الدولة، في الوقت الذي يتجه فيه الماسكون بزمام السياسة المالية في العالم نحوتفكيك وخوصصة القطاعات الاستراتيجية في الاقتصاد والمعروفة في الاقتصاد الأوربي الليبرالي بارتباطها بالدولة.

إن العجيب هو هذا التزامن المفارق في سياستين متناقضتين حول نفس مصادر الطاقة المعتبرة ضمن دائرة الأمن القومي الأمريكي على الصعيد العالمي أو هكذا يصاغ الخطاب السياسي والدبلوماسي الأمريكي بصدد الشرق الأوسط. والحال أن النصف الأوسط والجنوبي من القارة الأمريكية جزء لا يتجزأ من جنوب العالم.

لماذا إذن، الكيل بمكيالين داخل النصف الجنوبي من الكرة الأرضية؟؟؟

إن حديث زبينغيو برجنسكي عن اتجاه الولايات المتحدة نحو "أوراسيا" الممتدة من شرق المحيط الأطلسي إلى غرب المحيط الهادي....على مساحة أوربا وآسيا، يجعل اللغز مفهوما حين لا تتورع جيوش حلف الشمال الأطلسي عن قصف منطقة أوربية مثل صربيا وما جاورها لإخضاع المنطقة، ولو بلا بترول. ثم ياتي دور العراق وإيران وكوريا الشمالية وسوريا وكلها ضمن القارة الأسيوية.....حيث تنعدم تقاليد الشفافية في الاقتراع العام، باستثناء إيران، لذلك تحظى المناطق الأسيوية المذكورة بصفة العضوية في "محور الشر"...

فهل استهدفت الولايات المتحدة الأمريكية تجنب السقوط في الخطأ الجسيم تجاه شعوب أمريكا اللاتينية وهو النزاع العسكري.... فهي لا تتردد في ممارسة الأسلوب العسكري عندما يتعلق بما وراء المحيطين، الأطلسي والهادي.....

نعم، لا ننسى استيلاء الولايات المتحدة على مناطق بكاملها في أمريكا الوسطى، بدءا من بنما ومرورا بهايتي مع الاستعمال المماثل لقاعدة غوانتانامو، لما تحتله من مواقع الثكنات العسكرية... مما يدعو إلى إعادة النظر في مقولة تركيز الولايات المتحدة على أوراسيا وترك ما دون ذلك لأصحابه...غير أن التدخلات المتفرقة هنا وهناك في افريقيا، تثبت شمولية الهيمنة الأمريكية في مختلف القارات.

إن الأمر فيه تعقيد من حيث سقوط شعوب أمريكا اللاتينية ضحية سياسة الليبرالية المتوحشة طيلة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. إذ أدت الثمن غاليا، فقد ربحت النخب التقليدية سمعة الضبط الماكرواقتصادي بمعاملاته حول التضخم والعجز والديون....لكن الارتهان للمضاربات، وهيمنة الشركات العالمية على الاقتصاد المحلي، قلص المناعة الاقتصادية الى الصفر...مما عصف باقتصاد بحجم الأرجنتين....

نتج عن ذلك أن أصبحت الديمقراطية الليبرالية شكلية ومعزولة وبالتالي عاجزة عن توفير نصاب المشاركة الشعبية في العملية السياسية. مما عزل النخب السياسية الكلاسيكية عن دورها التقليدي السابق: تأطير الشعب.

مما أفرز بالضرورة محتوى اجتماعيا وبرنامجا سياسيا مغايرا للعملية الديمقراطية في حد ذاتها....فقد أصبح إجراء الانتخابات في مواعدها مكسبا سياسيا عاديا وأدرج ضمن السير الإداري السياسي العادي... في حين انتبهت فئات النساء والاثنيات والمقصون من فرص العمل.....إلى ضرورة التعبير عن معاناتهم......

وهنا نأتي إلى الآلة السياسية التي أفرزت الأنظمة الفينيزويلية والبوليفية المذكورة في مسألة التأميم الذي عرفته العولمة سنة 2006، رغم كل ما لا نمل ترديده عن تطرف سياسة المحافظين الجدد الأمريكان في الشرق الأوسط. فكأننا نتحدث عن حكومة أخرى في عالم آخر لا علاقة له مع سياسة الرئيس بوش في العراق وفلسطين والشرق الأوسط عموما....

فهل لأمريكا اللاتينية كل هذه المناعة، أم نقطة الضعف في سياسة الولايات المتحدة أمريكا اللاتينية؟ إن الآلة السياسية قائمة على ميكانيزمات الانتخابات العامة.....ففي 12 شهرا الأخيرة، تمت 14 عملية انتخابية في أمريكا اللاتينية. اتجهت في كل من البرازيل والارجنتين والشيلي والاوروغواي ونيكارغوا والباناما وبوليفيا وفينيزويللا إلى صعود حكومة يسارية أو بقيادة اليسار. كما برزت المعارضة اليسارية القوية في بلد كبير مثل المكسيك. مع الحظوظ الوافرة للمعارضة اليسارية في كل من البيرو والاكوادور....

بالإضافة إلى الرصيد الكمي لبلد مثل البرازيل الذي يصل عدد سكانه 200 مليون نسمة، والمكسيك البالغ 100 مليون نسمة....فهناك التدرج بين هذه البلدان النازعة نحو اليسار، إذ هناك قطب الثورة البوليفارية حيث الانطلاق من الديمقراطية البرلمانية التمثيلية إلى امتلاء شعبي فعلي من حيث محتوى البرنامج السياسي والقوى والفئات الاجتماعية المستفيدة. الأمر يعني وصول ذوي أصول القبائل الهندية مثل إيفو موراليس في بوليفيا. ثم نأتي لنجد المحور اليساري المعتدل المكون من الشيلي والأوروغواي والبرازيل, أي اليسار الذي لا يزيد عن أن يكون يسار الوسط. والذي يتجسد تارة في رئيسة يسارية في الشيلي وهي في محتواها الاجتماعي من الطبقة العليا (ابنة لواء في الجيش الشيلي) نكبت في عهد الدكتاتور بينوشي (توفي أبوها في السجن)؛ أو يتجسد في رئيس يساري محظوظ وإن جاء من أصول اجتماعية متواضعة (لولا دا سيلفا البرازيلي).

إن الهدف المشترك بين البرازيل والثنائي البوليفاري، هو عدم الخضوع لسياسة منطقة التبادل الحر الليبرالية المتوحشة، المقترحة من طرف الولايات المتحدة. والتي أظهرت منذ 2004 تصويت الناخب البوليفي لفائدة وضع ثروة الغاز والبترول في يد الدولة، تماما في الاتجاه المعاكس لما عملت به سياسة "وفاق واشنطن" المعتمدة في التسعينات,

فقي الوقت الذي يسعى البرازيل إلى تقوية موقعه بين مجموعة 21 كمجموعة من الدول الصاعدة في خريطة التنمية الاقتصادية الأكيدة، يطمح إلى ربح أسواق وتقوية الثقة في محيطه الاقليمي، لكسب صفقات مشاريع البنيات التحتية. ثم تبقى لبلدي الثورة البوليفارية القدرة على التفاوض بسبب الثروة النفطية وبسبب وضوح الرؤية والسند الشعبي الواضح لفائدة قائد الراديكالية هوغو تشابيس، الذي لم ينزل معدل الأصوات التي حصل عليها منذ بروز نجمه عن 60% من الأصوات الناخبة.

وبالتالي، تلعب منظمة أمريكا اللاتينية، من خلال قممها دورا في تلجيم الهيمنةالامريكية، وحتى إذا غلب المنطق المتأمرك، فالعمل الجماعي، يفيد في تليين الضغوط وفي تقوية حظوظ المقاومة السياسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على حلبة فورمولا 1.. علماء يستبدلون السائقين بالذكاء الاصطنا


.. حرب غزة.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطة بايدن والمقترح ا




.. اجتماع مصري أميركي إسرائيلي في القاهرة اليوم لبحث إعادة تشغي


.. زيلينسكي يتهم الصين بالضغط على الدول الأخرى لعدم حضور قمة ال




.. أضرار بمول تجاري في كريات شمونة بالجليل نتيجة سقوط صاروخ أطل