الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الصراعات وجذورها الطبقية
خالد بطراوي
2024 / 10 / 21مواضيع وابحاث سياسية
ثمة حاجة ملحة إلى إعادة الأمور إلى نصابها ومنبعها الطبقي. وأقصد بذلك أن كل ما يحدث في كافة أنحاء العالم من أحداث بما فيها النزاعات الداخلية المسلحة والحروب بين الدول مردها الأول والأساسي هو عملية الانتاج وموقع كل منا من هذه العملية وبالتالي الصراع الطبقي الدائر والذي في كثير من الأحيان لا يظهر بحدة وإنما يتقلب على نار هادئة.
عندما ذكر لينين أن "يد الإنسان هي ليست فقط أداة للعمل بل أيضا نتاج له"، فقد أصاب كبد الحقيقة من ناحية وحدد موقع كل إنسان من عملية الإنتاج من ناحية أخرى. فإذا كان لا يعمل بيده ( وتطور ذلك الى العمل الفكري والذهني وفي أيامنا هذه الى الذكاء الصناعي ولا نعرف مستقبلا الى ماذا سوف يتطور) فإنه بذلك يعتبر على ملاك أصحاب عجلة الإنتاج.
وهنا بالضبط تأتي عملية الفرز الطبقي من الذي يعمل ومن الذي يملك أدوات العمل. فالذي يعمل هو في عداد الطبقة العاملة والذي يملك هو في عداد طبقة البرجوازية أو الرأسمالية.
ولا بد لنا أن نعي قبل كل شيء أن الطبقتين بكل تفرعاتهما لا يمكن النظر إليهما بمعزل عن تطورهما وسياقهما التاريخي.
إذ لم تعد الطبقة العاملة ( بشقيها العمال والفلاحين) هي تلك التي كانت عند اكتشاف الآلة البخارية، فقد تسلحت هذه الأيام بالمعرفة والخبرة والدراية والعلم والتكنولوجيا. ومن نافلة القول أنها أصبحت تعتمد بدرجة أقل على العمل اليدوي مع تطور الأتمتة.
وعليه، لم يعد هناك طبقة عاملة تقليدية كما في السابق، ولم نعد مثلا نجد في ميناء جدانسك الشهير في بولندا الذي كان يجمع أكبر عدد من عمال الموانىء، ذات العدد الذي كان قبل مائة عام، ذلك أن المعدات والتكنولوجيا ساعدت في تقليص الاعتماد على القوى البشرية العاملة وأصبح بإمكان عدد صغير من العمال تأدية ذات العمل الذي كان يؤديه مئات العمال في تفريغ وتحميل البواخر وبالتالي أصبح إضراب عمال الموانىء في جدانسك يؤثر على النشاط الاقتصادي ومصالح الرأسماليين بدرجة أقل مما كان يؤثر عليه قبل مائة عام.
وبنطبق ذات الأمر على المصانع متوسطة وصغيرة الحجم، إذ أصبحت خطوط الإنتاج تعتمد على مجموعة صغيرة من العمال حتى لو نفذوا إضرابا مصغرا للمطالبة بتحسين ظروف عملهم فإن صاحب المنشأة الصناعية لقادر من خلال أفراد أسرته على تشغيل بعض خطوط الإنتاج لديه بحيث تتأثر عملية الإنتاج بدرجة أقل مما كانت عليه قبل مائة عام أو أقل.
لذا أصبحت الإضرابات العمالية أقل تأثيرا مما كانت عليه في السابق، وأصبح الإعتماد أكثر فأكثر ليس على الكم العددي البشري بل على إمكانية تعطيل التكنولوجيا التي تستخدم في عملية الإنتاج والنشاط التجاري والخدماتي.
يكفي مثلا لبعض العاملين في برج مراقبة مطار ما، إعلان التوقف عن العمل فتتوقف حركة الملاحة كليا، وبكفي للعمال المهرة في قطاع تكنولوجيا المعلومات أن يقوموا بايقاف عمل بعض أجهزة الحاسوب في بنك من البنوك كي يتوقف عمل البنك، وذات الأمر ينطبق على بعض عمال شركات نقل التيار الكهربائي في قطع التيار على مدينة برمتها ب" كبسة زر".
وكما يقول المبدأ الفلسفي الشهير ... " كل شيء يحمل في داخله ... ضده"، فإن تطور التكنولوجيا وعصر الأتمتة وأن كان قد قلل من استخدام الأيدي العاملة، إلا أنه أيضا مكّن من تبقى من الأيدي العاملة من السيطرة على عملية الإنتاج وشلها بسهولة.
ومن بديهيات وتبعات هذه المعطيات أن لا تبقى الطبقة العاملة على شكلها التقليدي التاريخي المعهود بل تختلف كثيرا، فإلى حد ما تلاشت شريحة "الطبقة العاملة الرثة" أو " غير الماهرة" وتداخلت شرائح الطبقة العاملة المختلفة مع بعض شرائح البرجوازية الصغيرة والمتوسطة.
وفي الجانب الأخر، أيضا اختلفت شرائح البرجوازية (الرأسمالية) المختلفة، فنجد مثلا أن شريحة البرجوازية الصغيرة بل والمتوسطة قد مالت أكثر فأكثر نحو الطبقة العاملة.
وقد تطورت وبدرجات متفاوتة شرائح البرجوازية المتخصصة بتقديم الخدمات على حساب تلك المتخصصة بعملية الإنتاج. فنجد مثلا في معظم بقاع العالم تطورا وأرباحا خيالية لشركات الاتصالات ومن في حكمها، ونجد وتحديدا في دول ما يسمى "بالعالم الثالث" تغولا لقطاع البنوك على حساب قطاع الإنتاج. ولكم أيها السادة أن تتخيلوا ما الذي يحل ببلد ما إذا ما انقطعت خدمة "الإنترنت" عنه لساعات وحالة الإرباك التي تحدث وبضمن ذلك الخسائر.
نمت أيضا وبوتائر متسارعة شريحة البرجوازية الوسيطة "الكمبرادور" التي لا تملك وسائل الإنتاج، بل تروج من خلال الإستيراد والتصدير وتقوم بتسويق البضائع المختلفة التي أغرقت دول " العالم الثالث" بما هبّ ودبّ من السلع الاستهلاكية وأولها " إبرة البابور" على نحو نافست الصناعات المحلية التي اندثر بعضها بسبب عدم القدرة على المنافسة العالية.
وتشكل في خضم ذلك كله وتربع على عرش هرم الرأسمالية وأعلى مراحلها وهي الامبريالية ما يعرف بالإحتكارات أو المونوبوليا (الكارتيلات) العالمية وبشكل أساسي مونوبوليا السلاح والأدوية والمخدرات.
ولما كانت " السياسة تعبير مكثف عن الاقتصاد" جرى توظيفها لخدمة المصالح الاقتصادية التي تحاول معها الرأسمالية السيطرة الكاملة والمطلقة على مقدرات هذا الكون، ولا تأبه مطلقا لعدالة توزيع الثروات الطبيعية أو للمشاعر والأحاسيس الإنسانية.
تأسيسا على كل ما تقدم وغيرها من الأمور التي قد تتفتح لمدارك القارىء العزيز أثناء قراءته لهذه المقالة، يفترض علينا أن نرى الأمور وما يحدث من ويلات للحروب بإسناد ذلك كله الى جذوره ومرجعيته الطبقية ومصلحة القوى الأساسية اللاعبة الكامنة حول افتعالها الحروب والنزاعات في هذا البلد أو ذاك.
وبعد أن يتبلور لنا المشهد وتتضح لنا الصورة نستطيع أن نستقرىء الخطوة اللاحقة من الأمبريالية، ونستطيع أيضا أن نبلور " فلسفة المواجهة" ليس بأشكالها التقليدية قبل مائة عام وإنما انسجاما مع روح العصر ... وتلك مهمة للقوى الطليعية في كل بلد على انفراد ولقوى التحرر العالمي مجتمعة.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. إسرائيل وحزب الله.. هل يصمد وقف إطلاق النار أم تشتعل الحرب م
.. أول انتكاسة لترامب: القضاء الأمريكي يعلق قرار إلغاء حق نيل ا
.. ما تداعيات رفض -قوات سوريا الديمقراطية- تسليم السلاح والانضم
.. كريستيا فريلاند.. سياسية كندية تحذر من الخطر الوجودي لترمب
.. حماس توضح شروط اليوم السابع من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.