الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، بحث في الفكر الصهيوني قبل -طوفان الأقصى- وبعده (الحلقة الرابعة)
مسعد عربيد
2024 / 10 / 22القضية الفلسطينية
الفصل الثاني
المشروع الاستيطاني الصهيوني
في سياق الحالات الاستيطانية الأخرى
تتعدد أوجه التشابه بين الخطاب الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، من جهة، والاستيطان الغربي الإمبريالي، من جهة أخرى. ولهذا السبب لا يتسنى فهم المشروع الصهيوني في فلسطين من دون العودة إلى الأساس الفكري والأيديولوجي الإبادي للصهيونية، لأن جوهر هذه الأيديولوجيا في كلتا الحالتين، الصهيونية والأوروبية الغربية، يقوم على ادعاء التفوق الحضاري والإنساني والعرقي.
ويجدر بنا هنا التذكير بأنه مع عقود من الجهود الإعلامية لتعرية الطبيعة العنصرية والفاشية لهذه الإيديولوجيا، جاءت الوقائع الميدانية ل "طوفان الأقصى" وما تلاه لتسهم على نحو حاسم في نسف هذه الادعاءات "الحضارية" وفضح زيفها.
لقد نمت المشاريع الاستيطانية الأوروبية البيضاء مستندةً إلى الادعاءات العنصرية والسرديات التوراتية والدينية اليهودية وتوظيفاتها الأيديولوجية والسياسية. وفي هذا المسعى، استخدم المستوطنون الأوروبيون تلك الادعاءات منذ ظهور حركات الإصلاح الديني في أوروبا التي سبقت نشوء الفكرة الصهيونية السياسية بقرون.
على النَّسَق ذاته ولد المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين في رحم المشاريع الاستيطانية الأوروبية البيضاء مستخدماً التبريرات والذرائع الميتافيزيقية والغيبية التافهة. ووظّف الادعاءات التوراتية من أجل خلق كيان استيطاني وظيفي في خدمة المشاريع الإمبريالية في الوطن العربي، ومن أجل خلق "شعب يهودي" (أمة، قومية) من جماعات يهودية قدمت من مجتمعات في أنحاء شتّى من العالم حيث عاشت قروناً طويلة.
وفي هذا المسعى، زعمت الصهيونية أن هذه الجماعات اليهودية تتمتع بهوية قومية يهودية وتؤلف "الشعب اليهودي"، صاحب "الحق التاريخي والحصري" في "ارض الميعاد" فقامت باستيطان فلسطين واحتلال أرضها وإلغاء هوية شعبها وتاريخه.
معاداة اليهود .. معاداة السامية
بغض النظر عن ادّعاءات الديمقراطية والانفتاح، يعيش الغرب الأوروبي والأميركي، مأزق مزمناً ومستفحلاً في التعامل مع "الآخر". وهذا "الآخر" كان على الدوام في منظور الغرب "هدفاً متحركاً".
فبعد ان كانت الشيوعية و"الخطر الأحمر" هي "الآخر" في أثناء الحرب الباردة، انتقل هذا "الآخر"، بعد الانهيار السوفييتي، إلى معاداة العرب والإسلام والمهاجرين الأفارقة وغيرهم. ولكن التاريخ يحدثنا أن اليهود أيضاً كانوا ولقرون طويلة هذا "الآخر"، إلى أن جاءت حركة الإصلاح الديني (الحركات البروتستانتية) وأعادت صياغة علاقة الأوروبي باليهود والتعامل معهم، والقبول باندماجهم في المجتمعات الأوروبية.
ولكننا نخطئ إن تصورنا أن معاداة اليهود (معاداة السامية) قد اختفت من الخطاب والثقافة والوجدان الشعبي في المجتمعات الغربية، فقراءة المشهد الغربي تُنبئُ بأن هذه المعاداة لا تزال متفشية في تلك المجتمعات، وإن بطرق مستترة، خصوصاً مع صعود التيارات اليمينية الشوفينية والنيونازية وغيرها.
ولكن قبل الدخول في نشأة العلاقة بين البروتستانتية واليهودية وتطورها إلى الصهيونية المسيحية وتأثير هذا كله على المجتمع والفكر والسياسة في المجتمعات الغربية، نتوقف بكلمة موجزة عن معادة الغرب لليهود، ما أصبح يُعرف في العصر الحديث ب"معاداة السامية".
تعود معاداة اليهود إلى قرون امتدت منذ عصور ما قبل المسيحية، مروراً بالإمبراطورية الرومانية والمجتمعات الأوروبية في القرون الوسطى وصولاً إلى عصر التنوير والثورة الصناعية.
بعد صعود "حركة التنوير" في أوروبا، جرى تحرير اليهود هناك. وأصبحت فرنسا، بعد الثورة الفرنسية عام 1789، أول دولة تحرر اليهود وتمنحهم الجنسية (الوطنية) المتساوية، ثم لحقت بها بلجيكا في عام 1830، وإنجلترا في عام 1858، وألمانيا في عام 1871.
في هذه الظروف المستجدة، اكتسب اليهود للمرة الأول حقوقًا متساوية مع غيرهم من مواطني تلك البلدان، وسُمح لهم بممارسة مهن جديدة والعيش في أماكن جديدة. ومع ذلك، ظلت المواقف المعادية لليهود دفينة في ثقافة وقيم المجتمعات الأوروبية.
▪️▪️▪️
وفقاً لدائرة المعارف البريطانية، تمت صياغة مصطلح معاداة السامية في عام 1879 على يد الألماني فيلهلم مار Wilhelm Marr لتعبر عن معاداة اليهود.
بعد اغتيال القيصر الروسي ألكسندر الثاني في 13 آذار/ مارس 1881، اشتدت السياسات القمعية بحق اليهود في روسيا. وفي ردها على هذا الاغتيال سنّت الحكومة الروسية في أيلر/مايو 1882 قوانين قيّدت بشدة الحقوق المدنية لليهود داخل الإمبراطورية الروسية، ممَّا أدّى إلى هجرة جماعية كبيرة لليهود إلى أوروبا الغربية والأميركتين. ويقدر بعض المؤرخين أنه بين عام 1881 واندلاع الحرب العالمية الأولى (1914)، غادر نحو مليونين ونصف المليون يهودي الإمبراطورية الروسية.
بحلول أواخر القرن التاسع عشر، كان كثير من اليهود قد نجحوا في الاندماج في مجتمعاتهم الأوروبية، مع أن عملية الاندماج هذه كانت معقدة ومتعثرة، بل ازدادت تفاقماً بعد حادثة "دريفوس" التي وقعت في فرنسا، حين جرى اتهام ضابط يهودي فرنسي بخيانة فرنسا والتعامل مع الألمان.
كان ثيودور هرتسل آنذاك يعمل في صحيفة نمساوية، وأنه، وفق بعض الروايات، حضر محاكمة دريفوس من أجل نشر الخبر، واتضح له من هذه التجربة أنه لا يمكن لليهود أن يصبحوا مواطنين كاملي الحقوق في أوروبا، وأن اندماجهم قد فشل. وعليه، رأى هرتسل أن "الاندماج" ليس سوى وهْم، ولم يتبقَ إلاّ الحل الثالث، بعد فشل خياري الاندماج والهجرة، ألا وهو "الحركة الصهيونية" ومشروع إقامة "دولتهم اليهودية" على "أرض الميعاد".
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. بعد انتخاب ترامب.. العملات المشفرة تواصل صعودها القياسي
.. غارات إسرائيلية جديدة على الضاحية الجنوبية لبيروت
.. ترامب قد يختار ماركو روبيو لمنصب وزير الخارجية.. ماذا نعرف ع
.. هيئة البث الإسرائيلية: نتنياهو أعاد طرح فكرة السيادة على الض
.. شاهد | قصف متواصل للاحتلال الإسرائيلي لبيت لاهيا شمالي غزة