الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوم من أيام حرب لا تنتهي

سعاد أبو ختلة

2024 / 10 / 23
القضية الفلسطينية


عندما تتلقى أمراً بالإخلاء، وأن المكان الذي تنتمي له وينتمي لك أصبح منطقة خطر، وان اجتياحه والقضاء على الأخضر واليابس فيه مسألة وقت لأن أهداف الحرب عند اسرائيل ابادة الشعب والقضاء على مقدراته، حين تنعق البوم بأمر الاخلاء، يتوتر الناس وتهرول العائلات بجزع أين نذهب وماذا نفعل، قد يحملون اشياء لا معنى لها في غمرة جزعهم وينسون المهم، ينطلقون بلا هدف في الشوارع، يتوقف العقل عن التفكير والقلب يرتجف خوفاً أين هو المكان الآمن الذي انقل له عائلتي...؟!! يتذكرون بعض الأقارب والأصدقاء، ينظرون في قائمة جهات الاتصال بالجوال، يتوترون ويقرروا ان يمضوا مع سيل المهجرين للوجهة التي تنقلهم لها، سيارات تنحرف في شارع الرشيد الذي كان رشيداً، على حافة الرصيف تتوقف، تنظر حولك، انهم يحطون عزالهم ويبدأون في تخطيط خيمة، لكنها تحتاج الكثير من الأعمدة والشوادر، تقف تنظر ثم تقرر أن تمضي مع من استمر في السعي على طول الساحل الذي انكمش وجلاً ولسان حاله: ما هذا الذي يحدث ليسوا بمصطافين وملامحهم شاحبة باهتة، هل يرون ما لا أرى؟!!
كلما ابتعدت، يصفى ذهنك، يخبرك أحدهم فلان ابن فلان في المكان الفلاني ربما عنده مكان يأوينا، يتصل ويده ترتجف، تأتيه رسالة لا يمكن الوصول للرقم المطلوب، يحاول ثانية ويغلق الهاتف سريعاً قبل أن يتلقى ذات الرسالة، شبكة الاتصالات لا تعمل، وعقله كموتور السيارة يستنفر الدم في الشرايين والأوردة، تتصلب يديه على عجلات القيادة ويحمد الله أن عربته المتهالكة لم تخونه هذه المرة وحوله الكثيرون يحملون عتادهم أو ما استطاعوا حمله، أطفال ونساء ورجال يسيرون متهدلي الأكتاف، امرأة تجر عربة صغيرة وبها صغير لم ينقشع غمام عينيه، وتحمل آخر على ذراعها وحقيبة على ظهرها وكل فرد من العائلة يحمل شيئاً ينتمي له، لعبة صغيرة، جهاز لابتوب، ثوب تخرج، ألبوم صور، قطة صغيرة وقفص عصافير، ترى على طول الطريق أشياء غريبة، لم ترها آنذاك، كنت مموهاَ مثلهم لا ترى، لاحقاً حين استقروا تذكروا..
أن تقيم في خيمة أو تستأجر مكاناً متهالكاً، لا مفاضلة، فالخيمة التي تتخلى عنك اذا ما هاجمتها الريح كالمنزل المتهاوي الذي تركوه بعد ان عاثت به القذائف ونخرت جدرانه وزلزلت الدبابات اساساته ليبقى شاهداً، بيت بالكاد يقف وقد ضربت أعمدة في الطابق الأرضي ودمر المدخل والردم المحيط من المربع السكني التي استهدفته الأحزمة النارية تحيط المكان باللون الرمادي، فتشعر بأنك في بعد آخر، كوكب ما في مجرة ما مترامية الأطراف نالت منها الكواكب فلا تعيش بها سوى العناكب وأصناف من الحشرات والوحوش الصغيرة -الفئران الضخمة-
نصب البعض خيامهم، زجوا بها أشياءهم القليلة التي حملوها، وأصبحوا يضيفون ويعدلون، وفي القلب غصة، متى تنتهي هذه المهزلة، متى تتوقف الحرب ونسترد حياتنا التي أصبحت رهينة رعونة طاغية لا تبالي بقانون انساني، وكأننا عبء على هذا العالم واتفق على التخلص منا، يأتي الليل على قاطني الخيام فتحلق الخيمة مع قليل من الهواء، ترتجف فرائصهم كيف سيكون الشتاء؟!! وساكني البيوت الخربة يلتصقون ليلاً ببعض خوفاً، صوت الحشرات والفئران وازيز البعوض، وفجأة صوت الطائرة يزأر بشدة ويضرب مكاناً في الوسط فتنتفض الخيمة ويقفز ساكنيها، وتتهاوى قطعة باطون ضخمة كانت تلتصق بالمبنى المجاور بسيخ حديد، ويتعالى صوت الصراخ في كل مكان، شهداء دفنوا في الرمل، خيمة استهدفت، خيمة كان ينام بها أطفال، وامهم، كانوا خائفين، وكأن الصاروخ أراد ان يعاقبهم على خوفهم، وأن يريحهم من مشقة نقل المياه والركض خلف قوت يومهم، لكنه اغتالهم عن عمد، سلبهم الماضي والحاضر والمستقبل، اغتال أحلامهم التي كانت كحلم كل طفل في هذا العالم المترامي، أن يحيا حياة كريمة سعيدة يشعر بالأمان..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موفدة فرانس24 إلى سوريا: الحياة تعود تدريجيا إلى شوارع وأسوا


.. إسرائيل تنفذ أكبر حملة جوية في تاريخها ضد سوريا




.. ماكرون يقترح -أسلوبا جديدا- لتشكيل حكومة جديدة


.. من هو محمد البشير الذي كلفته هيئة تحرير الشام بقيادة الحكومة




.. شبكات| تفاصيل تكليف محمد البشير بتشكيل حكومة جديدة