الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيارة رينو ١٩

سعاد أبو ختلة

2024 / 10 / 28
الادب والفن


سيارة رينو 19 كانت رفيقة تحركاتنا على مدار 28 عام، أحزاننا وافراحنا، في الشدة نجدها تهرول بنا، بها من العيوب ما يتعجب منه الشخص، لكنها، كما لو انها تماهت مع روحنا، في النزوح الأخير حملتنا لوجهتنا الأولى ثم اعتذرت عن اكمال المسيرة، اصابها عطب شديد ولم يتمكن الميكانيكي من علاجها، حاولنا جاهدين لكنها خذلتنا كما لم تفعل من قبل، تركتنا نمضي وحدنا، وتركناها أمام منزل أخي وحيدة، وكأنها ترفض النزوح، ترفض أن تربض عجلاتها في غير مكانها، أو أنها لم تحتمل أن ترانا مشردين في خيمة بالية ينهشنا البرد، وربما خافت أن يتطفل الصغار على زجاجها فيجرحوه، أو يتغول عليها لص فيسرق تاريخها القديم وذكرياتها معنا ونحن نعود لمنزلنا من المستشفى بفرد جديد للعائلة، شهدت معنا ميلاد كل أطفالي، زيارات الطبيب، التسوق لابتياع الحليب، الحفاظات، والألعاب، اعياد ميلادهم وصخبهم وهم يتناوبون بجوار الشباك ليطلوا على العالم ويكتشفوا الأشياء، يتهجون لغتهم الأولى، يهرولون اليها متسابقين لزيارة الأجداد،
كانت فرداً من العائلة، تعيش معنا كل التفاصيل، كم ضحكنا وبكينا فيها وكم تشاجرنا وتغاضبنا وطرقنا بابها بغضب وتحملتنا، أهملناها فتركنا المطر يأكل جسدها، الصدأ ينخر عصبها، وكنا نعتذر فنحمل الدلاء لنغسلها ونمسح زجاجها ونزينها ببعض المداليات وعلب المعطر، وفي كل مناسبة كنا نضعها في الورشة لتتلقى غسيلاً نوعياً وننفض غبار الشوارع والسوس الذي يغزوها كل حين وحين كسيدة جميلة ندللها بجلسات عناية بالبشرة ونغذيها بالزيوت الأصلية كي لا يصيبها العطب، في ظل الحصار وانعدام الوقود لم نفكر مرة أن نغذيها بالزيوت كي لا يتلف موتورها كي لا تئن،
تاريخنا العائلي كان مدوناً عليها، مرآة الشباك المهشمة، أكرة الباب الأيمن التي لا يجيد فتحه سوى زوجي ومن ثم حين كبر الأولاد اكتسبوا مهارة التعامل معها بحرفية، كانت من لحم ودم، كانت روح تناجينا في الليالي العاصفة فنهب لنجدتها نشد عليها شادراً من النايلون، نقبلها بود ونعتذر منها ونقول لها نامي بسلام، تغضب من اهمالنا فتتوقف بطاريتها عن العمل صباحاً لنركض نسخن الماء، نستجدي الجيران ليدعموها بشحنة طاقة لتنتفض وتسخر منا بزئير وتنطلق متحشرجة قبل أن تنساب على الطريق بسلاسة، سيارتنا لها آلاف الاخوات والصديقات اللاتي كن روح عائلاتهن، قضين نحبهن شهيدات أسفل جنازير الدبابات أو ضربهن صاروخ بشدة كي يمضين بروح من بقي متحسراً على تاريخه المدون بين طيات الحديد الذي لم يكن يوماً جماداً صلداً بل أحن من قلوب كثير شاهدوا المذابح والمجازر كأنما يتابعون فيلم رعب يشتهون انهاء ليلتهم بمتابعته مع كوب من الحليب كي يناموا بهدوء ولا يتسلل المشهد لأحلامهم...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبكات| الفنانون السوريون يغيرون مواقفهم من بشار الأسد.. كيف


.. رئيس قطاع الهندسة بمدينة الإنتاج الاعلامي من مهرجان البحر ال




.. «نجم المسرح» منصة اكتشاف المواهب الفنية بقيادة «قروب مافيا س


.. فكرة جميلة علشان الجماهير تروح الملاعب وتشجيع فرق كرة القدم




.. الفنان السوري فارس الحلو: أرفض حكم العسكر