الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مذكرات غابرييل غارسيا ماركيز

مهدي النجار

2006 / 12 / 30
الادب والفن


في منطقة الموز وفي”أراكارتاكا“ احدى مدن كولومبيا الصغيرة، مدن المنطقة الحارة والمبعثرة بين البحر وتلال الرمل ولد ماركيز عام 1928 ليكون اكبر الابناء الاحد عشر في اسرته الذين تربوا جيداً على ثقافة الكاريبي، كان لعالم اسرته الاسطوري اثر بالغ في كتابة رواياته”

ما كان يمكن لنموذج ملحمة كالذي كنت احلم به ان يكون غير نموذج اسرتي بالذات، وهي اسرة لم تكن بطلة قط، او حتى ضحية شيء محدد بعينه انما مجرد شاهد بلا فائدة وضحية لكل شيء “ كان منذ طفولته شاحباً ومستغرقاً في التأمل ولم يكن يتكلم الا ليروي هذيانات، وكانت حكاياته في معظمها بسيطة من الحياة اليومية يجعلها اكثر جاذبية بتفاصيل متخيلة لكي يصغي اليه الآخرون، وكانت افضل مصادر الهامه هي الاحاديث التي يتبادلها الكبار امامه والتي كان يمتصها مثل اسفنجة ثم يفككها الى اجزاء ويقلبها لكي يخفي الاصل، وعندما يرويها للاشخاص انفسهم الذين رووها تتملكهم الحيرة للتوافق الغريب بين ما يقولونه وما يفكرون به. يقول ماركيز”وانا افكر الآن في ان كل ذلك لك يكن خبث طفل، كما يمكن ان يظن وانما التقنية البدائية لراو في بداياته، من اجل جعل الواقع اكثر متعة وقابلية للفهم“.
صمم ماركيز منذ البداية على ان يكون كاتباً بالرغم من رغبة الاب في ان يواصل دراسته الجامعية، استمر الجدال بشيء من الصدامية بين افراد العائلة:”لن اكون شيئاً، انني ارفض ان تجعلوا مني بالاكراه، ما لا اريد ان اكونه“ وفي احد الايام تتنازل الام وتطلق اقتراحا مفاجئاً”يقولون انه يمكن لك اذا ما صممت ان تصير كاتباً جيداً“ انتقل الى بوغوتا تلبية لرغبات الاسرة ليدرس في كلية الحقوق بالجامعة الوطنية، لم تستهوه الدراسة الجامعية، كان نهماً في قراءة الكتب التي يوفرها الحظ والمصادفات، يقرأها في غرفته او في مقاهي بوغوتا المميزة، مقاهي مركز المدينة التي تصب فيها عاجلاً او آجلاً شؤون حياة البلاد بأسرها، كان يقرأ الشعر بل كان يعيش في ظل الشعر، كان الشعر شغفاً جنونياً، طريقة اخرى في الحياة، كرة من اللهب تتدحرج تلقائياً في كل الاتجاهات، قرأ الروائع الروائية لجيمس جويس وفرانز كافكا ولم تكن تلك القراءة لهذين الكاتبين مجرد اكتشاف لعالم خاص لم يخطر له يوماً وجوده في داخله، وانما كان كذلك مساعدة تقنية لاتقدر بثمن لبناء كتبه.
كانت اول قصة تنشر لماركيز مطبوعة هي”الاستسلام الثالث“ على صدر صحيفة”الاسبكتادو“ الواسعة الانتشار والتي تمثل المعارضة باتجاهها الليبرالي والذي سيصبح فيما بعد نفسه ماركيز احد اعضاء هيئة تحريرها المهمين، كان رد فعله الاول حين اصطدم بعنوان قصته المنشورة هو اليقين الساحق بعدم امتلاكه خمسة سنتات لشراء الصحيفة وقد كان ذلك هو الرمز الاكثر جلاء للفقر”ولكنني لم اجد في المقهى المجاورة احداً من معارفي يمكنه ان يمنحني قطعة نقد كصدقة لأشتري الصحيفة، عندما رجعت الى الشارع كنت مستعداً للاقدام على اي شيء. وجدت رجلاً ارسلته العناية الالهية، يترجل من سيارة تكسي وفي يده جريدة الاسبكتادور فطلبت منه، مواجهة، ان يهديها الي.. هكذا استطعت قراءة قصتي الاولى مطبوعة، لقد كنت اكتشف في كل سطر، القدرة الساحقة للكلمة المطبوعة“ عمل ماركيز في المجال الصحفي طيلة حياته واكتشف لأول مرة ان في التقرير الصحفي ”الريبورتاج“ امكانية ليس كوسيلة باهرة لتقديم المعلومات، وانما اكثر من ذلك كجنس ادبي، ولن تنقضي سنوات طويلة قبل ان يخوض التجربة بنفسه وان يتوصل الى الايمان بأن التقرير الصحفي والرواية هما ابنان للام نفسها.
حين نقرأ مذكرات ماركيز لابد ان نتذكر مدينة”ماكوندو“ الاسطورية، هذه المدينة الساحلية، الغارقة في اطراف كولومبيا المتسعة، نتذكرها لأنها القاسم المشترك في جميع رواياته حتى عام 1967 ونتساءل ما هي ماكوندو؟ لقد استرعت هذه الكلمة اهتمام ماركيز منذ الرحلات الاولى مع جده ولكن لم ينتبه الا بعد ان كبر الى ايقاعها الشاعري وشحنتها السحرية، هي وهم وهي حقيقة، ماكوندو ليست مكاناً بقدر ما هي حالة فكرية.
يقول غابرييل في احدى مقابلاته ”بالنسبة لي فان الكتاب الذي اؤلفه هو كتاب ماكوندو، انه كتاب العزلة“ وكان ماركيز قد استخدم ماكوندو في ثلاثة كتب كاسم قرية متخيلة وتعد مسرحاً لروايته ”مائة عام من العزلة“ التي صدرت عام 1967 وعدت قمة اعماله حتى ذلك العام ثم صدرت ملحمته”خريف البطريرك “ عام 1975 كانت رائعة من روائع الادب الانساني.
والتي مازالت تشغل النقاد في العالم وقد ترجمت الى اكثر من ست عشرة لغة، انها موسوعة تعج بأغاني الشاطئ الكولومبي، حيواناته واعشابه، طرائفه ومآسيه.
رواية مفزعة يتجاوز بها ماركيز حدود اميركا اللاتينية ليظهر في صفحات رائعة حياة دكتاتور كلي
الوجود يعلن حالة الحرب على كل منافسيه، كذلك يظهر ماركيز الوجه الاخر للحياة، الحياة التي لم يكن الدكتاتور يراها الا من القفا.
بعد خمسين سنة يقول غابرييل غارسيا ماركيز:
علمتني الحياة نفسها ان احد اكثر الاسرار فائدة في الكتابة هو تعلم قراءة رموز الواقع دون توجيه اسئلة.
وحين يسأل، من انت؟
يجيب بابتسامة تبدو نواياها المتواضعة مكشوفة: لم اكن قادراً ان اخبرك، لأنني انا نفسي مازلت حتى اليوم لا اعرف من اكون








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي




.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو