الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقل الكردي المعطَّل

صالح بوزان

2024 / 10 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


ما أكتبه فيما يلي هو استقراء للتاريخ الحديث ولمذكرات كبار الساسة العالميين وتجربة الحركات الثورية منذ بدايات القرن الماضي وحتى الآن، ولا علاقة له بما أؤمن أو لا أؤمن به.
يقول المثل الصيني لكي تنتصر على عدوك يجب أن تقدم له في البداية قطعة من لحمك. ويشرح الصينيون هذه الحكمة، بأن تقدم بعض الضحايا لعدوك حتى يعتبر نفسه قد انتصر. ومن ثم تهاجمه فجأة، وهو في فوضى نشوة الفرح، وتقضي عليه.
في الحركات الثورية كلها وبدون استثناء لم يعط الثوار أهمية للضحايا بقدر ما أعطوها لقضيتهم. هل هم عديمو الإنسانية؟ بالتأكيد لا. لكنهم يدركون أن عدوهم لا يولي أي أهمية لضحاياه وضحايا الثوار. فهو بالأساس عدو قائم على الدم. وبالتالي تكونت القناعة عند الثوار أن طريق النصر يمر من خلال قناة الدم. وتذكيراً لمن يؤمن بالإسلام، فإن الله الذي يصف نفسه بأرحم الراحمين، يطلب في القرآن من المسلمين نشر دينه في العالم بالسيف(بالدم) والنهب والسبي.
تسود في المجتمعات الأوروبية أعلى القيم الإنسانية التي توصل إليها العقل البشري. لكن حكوماتها تقوم بقتل الآلاف من الناس خارج أراضيها (بشكل مباشر أو غير مباشر) من أجل المال وليس لإقامة العدالة التي تسود في مجتمعاتها.
عدو الكرد لا يؤمن بالديمقراطية والعدالة تجاه الكرد. ولا يسمح لهم بممارسة الديمقراطية خارج رقابتها. ومن ثم يأتي كردي مغفّل ليقول إن زمن الكفاح المسلح ولى وعلى الثوار الكرد رمي السلاح. يا له من عقل بائس...!
لولا عملية انقرة مؤخراً لانخدع الكثيرون من الكرد بمخطط بخجلي وأردوغان. وقد لاحظنا التهليل لهذا المخطط من قبل الكرد المغفلين. لكن الحكومة التركية بهجماتها البربرية على روجافا أكدت كذب ادعاء حل المسألة الكردية. وعاد بخجلي من جديد إلى وقاحته السابقة بالقول "لا قضية كردية في تركيا".
أعتقد أن قادة قنديل للحزب العمال الكردستاني أكثر القادة والساسة الكرد يعرفون حقيقة الأيدولوجية التركية تجاه القضية الكردية في الداخل وعلى الصعيد الكردستاني، ولذلك لا ينخدعون بمخططاتها. وهذا سبب جنون العنصريون الترك تجاه PKK.
لا شك أننا جميعاً نتألم لوضع أهلنا في روجافا من قتل وتدمير للبنى التحتية الذي يقوم به عدو حديث بتقنياته وأدواته، وبدائي بعقله ومشاعره. فما إن يفرح أهلنا في روجافا ببناء فرن للخبز، حتى يقوم أردوغان بتدميره. غير أن هذه الخسارة مقابل ما كان يخطط لها أردوغان وبخجلي هي أقل أهمية بالنسبة للقضية الكردية عامة.
السؤال المهم لكل كردي، ما هو المخرج؟
فهل يقبل أن يقضي أردوغان وبخجلي على القضية الكردية في تركيا وفي روجافا؟ هل يجب أن يستسلم حزب العمال الكردستاني لأردوغان وبخجلي؟ هل يجب أن تستسلم قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية وحزب الاتحاد الديمقراطي لتركيا، كما يريد مجلس العار الكردي؟ عليك ككردي، بغض النظر عن ثقافتك، أن تضع كل القادة الكرد وكل الأحزاب الكردية وجميع الساسة والمثقفين الكرد جانباً، وتجاوب على هذه الأسئلة بحرية وشجاعة.
نتكلم دائماً عن إرادة الشعب. لكن إرادة الشعب غير فاعلة بدون أن تتجسد في طليعة منظمة وواعية ومخلصة لقضيته. فإذا استسلمت الطليعة الكردية الراهنة لأردوغان وبخجلي، ستتمزق الحركة الكردية في تركيا وسوريا وحتى في العراق. هذا ما يريده أردوغان وبخجلي. وهناك من الكرد، من حيث يدرون أو لا يدرون، يسيرون في مخطط أردوغان وبخجلي بطاعة مهينة. فبيان مجلس العار الكردي بعد عملية أنقرة يطالب من أردوغان الضرب "بيد من حديد ضد الإرهاب" في الداخل والخارج. والمقصود بالداخل التركي هو حزب DEM، أما المقصود بالخارج فهو الإدارة الذاتية في روجافا وحزب PYD وحزب PKK. المفاجأة الغريبة أن حكومة إقليم كردستان تدين هجوم نتنياهو الكرتوني على إيران، ولكنها لا تدين هجوم أردوغان المدمر على روجافا. وبالمقابل، جاءت المفاجأة الثانية من وزير خارجية إسرائيل. فهو الوحيد الذي فضح الأمين العام للأمم المتحدة تجاه المجازر التركية في الشمال السوري، وبقيت الحكومات العربية صامتة. والغرابة الكبرى أن الرئيس السوري لم يقل ولو كلمة إدانة واحدة، رغم أنه قسم اليمين للحفاظ على المواطنين السوريين وممتلكاتهم من أي اعتداء خارجي.
إن تصريح وزير خارجية إسرائيل، ولو أنه جاء نتيجة الخلاف مع الأمين العام للأمم المتحدة حول حرب إسرائيل على غزة، هو أول صوت في العالم يفضح جرائم تركيا ضد الكرد. صحيح أن إسرائيل دولة صغيرة، لكن مكانتها العالمية لا تقل عن المانيا وفرنسا. وبالتالي جاء تصريح وزيرها ادانة غير مباشرة للصمت العالمي تجاه جرائم الحكومة التركية ضد الكرد.
لا يدرك العقل الكردي المعطل أن كردستان تركيا هي مركز القضية الكردية شاء أم أبى. فإذا انتهى حزب العمال الكردستاني دون تحقيق حقوق الشعب الكردي في كردستان تركيا لن يصمد روجافا في سوريا، وستتقلص فدرالية كردستان العراق أكثر من الآن وقد تتبدد.
سأقدم مثالاً حياً وقريباً. لو أن الشعب الكردي في تركيا كان حاصل على فدرالية أو حكم ذاتي في الدولة التركية اثناء استفتاء إقليم كردستان العراق من أجل الاستقلال، أكان أردوغان يتجرأ للتدخل وإفشاله، ويقول بكل وقاحة إنه سيغلق الحنفية ليموت الشعب الكردي في الإقليم عطشاً؟
يعيش بعض الكرد في أوهام يختلقها بنفسه ولنفسه. فهو يتجاهل أن الحكومة التركية ليست بحاجة إلى نفط الإقليم، ولا تشكل التجارة معه رقماً مؤثراً لا يمكن الاستغناء عنه. وبالتالي فالعلاقة الحميمية مع قادة أربيل منذ أكثر من عقد من الزمان لها هدف واحد، وهو القضاء على حزب العمال الكردستاني. فقادة الدولة التركية يدركون أن حزب العمال الكردستاني تحول إلى محور أساسي للقضية الكردية في تركيا وعلى الصعيد الكردستاني. وبالتالي هو التهديد الوجودي الوحيد للجمهورية التركية التي تأسست على المبادئ التي صاغها آتاترك تجاه الأمة الكردية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات تخلف 17 شهيدا بينهم أطفال


.. الجزيرة تحصل على صور أقمار صناعية تظهر بعض المواقع العسكرية




.. بالشموع.. مظاهرات كوريا الجنوبية تتصاعد مع قرب التصويت على ع


.. لماذا تعد حمص مفتاح السيطرة في سوريا؟




.. المعارضة السورية المسلحة: سيطرنا على آخر قرية على تخوم مدينة