الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المطالبة بمنع التيك توك في تونس و الخلفيات النفسية و السياسية

إقبال الغربي

2024 / 11 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


اقبال الغربي

أعلنت وزارة العدل التونسية اتخاذ إجراءات القانونية لـمواجهة الممارسات المخالفة للأخلاق على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد ان تزايدت شكاوى المواطنين من انتشار محتويات مسيئة وغير أخلاقية تؤثر على المجتمع وسلوكيات الشباب.
وأثار القرار تفاعل التونسيين، ففي الوقت الذي اعتبر فيه البعض أنه قرار صائب بل و طالب بمنع بعض منصات التواصل الاجتماعي و خاصة بحظر منصة تيك توك كليا، حذر آخرون من أن قرار وزارة العدل قد ينطوي على تقييد لحرية التعبير.
و قبل ذلك تعددت في شهر اوت لدعوات لحظر "تيك توك" في مصر، رأى نواب في البرلمان أن التطبيق يشكل خطراً على الشباب بسبب المحتوى "غير اللائق" الذي ينتشر عبره بهدف تحقيق الأرباح، مما قد يؤثر سلباً على القيم الأخلاقية والثقافية..
ثم اجمع أصحاب القرار على ضع ضوابط تنظيمية حالياً و بدراسة الإجراءات التي يمكن اتخاذها لضمان أن يكون استخدام تيك توك في مصر آمناً ومناسب.

الخلفيات الأيديولوجية و السياسية لتيك توك
ويوفر "تيك توك" منصة مفتوحة للإبداع والتعبير عن الذات، حيث يتيح للمستخدمين إنشاء ومشاركة محتوى فيديو قصير مع العالم. وقد برز العديد من المبدعين والمؤثرين على المنصة، الذين تمكنوا من بناء جمهور واسع وتحقيق أرباح مالية عبر الإعلانات والشراكات التجارية وهو الجيل الجديد لما كان يسمى بتلفزة الواقع.
و في هذا الاطار يقدم لنا الفيلسوف الايطالي أمبرتو إيكو تاريخ المشهد و مساراته و سياقاته ، ويصنّف المراحل التي مرت بها التلفزة مثلا إلى ثلاث فترات
- مرحلة التلفزة التقليدية
- مرحلة التلفزة الجديدة
- مرحلة ما بعد التلفزة
خلال المرحلة الأولى التي حددها هذا الفيلسوف، والتي تواصلت حتى بداية الثمانينات، كانت الأضواء تسلط حكرا على صفوة القوم و كان لا يٌدعى إلى الظهور على الشاشة الفضية إلا النخبة أي بعض الشخصيات اللامعة من ذوي الكفاءات المعترف بها من مفكرين ومحللين سياسيين وفنانين مشهورين وأبطال رياضيين.
أما في المرحلة الثانية من تاريخها فقد أصبحت التلفزة اقل " نخبوية " و أكثر "ديمقراطية"، عندما أتاحت موضة المسابقات التلفزية الفرصة للرجل العادي للظهور على شاشتها، والمشاركة والفوز بجوائز وبمبالغ خيالية إن صادفه الحظ..
في المرحلة الحالية،هذه المرحلة التي نعتها امبرتو ايكو بطور ما بعد التلفزة , فقد أصبح لرجل الشارع إمكانيات تلفزية غير مسبوقة فبإمكانه اليوم أن يتقمص دور البطل, دون إعداد مسبق, في إطار منصة التيك توك .
في هذه الحالة، وعندما يزول الفرق بين الواقع والخيال التلفزي ويتلاشى الفن و الإبداع، يتحول الواقع البسيط واليومي إلى منوّعة تلفزية. عندئذ يصبح بإمكان أي فرد أن يرتقي من مرتبة المشاهد السلبي إلى مرتبة النجم اللامع الذي يستقطب أنظار الملايين، وأن يتحوّل بين عشية و ضحاها إلى شخصية هامة تلعب أدواراَ رئيسية ضمن مسلسل مشهدي يومي على غرار أبطال الروايات و الأفلام الشهيرة التي كان يعجب بهم و يتماهى معهم. ּ

على المستوى السياسي

يلعب المشهد اليوم أي هذه الترسانة من الصور و الخطابات و الأوهام المنظمة و التي تبيع سلعها حسب العرض و الطلب دور
منظومة الترفيه في روما القديمة التي كانت تستعمل السيرك و المباريات الرياضية لتهدئة فقراء الإمبراطورية و جياعها و الهائهم و تخديرهم لكي لا ينظرون باعين صاحية لواقع حالهم .
و تبعا لذلك فالإدمان على مشاهدة محتويات التيك توك له عدة انعكاسات سلبية فهو يجعل المتفرج المقهور اجتماعيا و سياسيا يتخلى عن ذاته ليتقمص لا شعوريا ادوار الأبطال الجدد الذين تقدمهم له الشاشة و يهتم بمصيرهم و بسعادتهم عوض الاهتمام بسعادته و بأسباب ضياع ذاته و بؤس حياته.
كما ان استهلاك هذه البرامج يعمق لدى الفرد الشعور بالعجز ،العجز عن المقاومة و عن الابداع و عن تغيير حياته تغييرا جذريا يحررها من الروتين و من الرتابة و الكئابة المعممة .

على المستوى النفسي
يتعلق الشباب اليوم بمشاهدة مسلسلات التيك توك رغبة منهم بالتشبه و التماهي مع المؤثرين وهو الذي يعيش اليوم ازمة تماهي
و هنا نذكر ان التماهي النفسي و تقمص و محاكات شخصيات ترمز الى المثال الأعلى للانا ضروري للنمو النفسي فهو يساعد المراهق على هيكلة و بناء شخصيته .
بيد ان الشباب في عصر العولمة يفتقد المعالم الهادية و الصور المثالية التقليدية ،من أمثال الزعماء و القادة التاريخيين الذين كانوا يجسدون مواضيع تماهي للأجيال السابقة ،و يعيش حالة ارتباك وتذبذب وهو ما يجعله يتعلق أحيانا بصانعي المحتوى على منصات التيك توك و غيرها .

من الأسباب اللاشعورية لإدمان الشباب على فرجة التيك توك هو الرغبة في التلصص و مشاهدة حميمية الاخرين .
و ترتكز ثقافتنا التقليدية على النهي عن التلصص على الغير، والنهي عن استعراض الجسد و كل ما هو خصوصي أمام الآخرين. فالحياة الشخصية تعتبر من المحرمات التي لا يجوز الخوض فيها أمام الأغراب. و بما أن أحب شيء إلى الفرد هو ما مُنع و ما حُرّم، تتلاعب هذه محتويات و برامج التيك توك بهذه المكبوتات و المحرمات وتقدم للمستهلك ، وأيضا لصانعي المحتوى ، تسوية مقبولة بين تحقيق الرغبات الدفينة في التلصص على خصوصيات الغير و نزوات استعراض الحميمية، وبين مستلزمات الواقع والضوابط الاجتماعية السائدة .

دور الاسرة

ينتج عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي آثار صحية وغير صحية . و تنعكس نتائج و وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة العقلية و على التوازن النفسي و على بناء الهوية و صورة الذات .
وتختلف هذه الآثار من مراهق لآخر و من اسرة الى أخرى حسب التنشئة الاجتماعية ونوعية العلاقات العائلية و درجة الهشاشة النفسية للطفل .
يحتاج الأطفال لتحديد مكانتهم و هويتهم لمنظومة قيم ابائهم حتى و لو تجاوزوهم في فترة ما من حياتهم لتبني منظمة قيمية خاصة بهم هذه القيم
مهمة الاسرة من خلال التربية هي اذن تمرير القيم الأخلاقية و الاجتماعية و الجمالية و المعالم الهادية التي تعطي معنى للعالم .
الابوان اللذان لهما ثقة في نفسيهما و في قيمهما ينقلان هذه الثقة في النفس و في العالم الذي يحيط بنا الى اطفالهما فالطفل يلتقط و يستشعر ارتباك و قلق و تذبذب الابوين و عجزهما عن تمرير منظومة قيمية متكاملة و متناغمة و مهيكلة منطقيا وهو ما يجعله هشا و ضحية سهلة لصانعي محتوى التيك التوك غيرها .
التربية الاسرية مهمة لان هذه المبادئ العامة و المعالم الهادية هي التي تبنى مهارات التفكير النقدي لدى الطفل و تمكنه من تحليل المحتويات و الرسائل الإعلامية و من قبولها او رفضها بشكل عقلاني و آمن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اكتشاف نفق سري ضخم تحت الأرض قرب مدينة القطيفة بريف دمشق


.. لهذا السبب.. أميركا تعلن بقاء قواتها في سوريا | #أميركا_اليو




.. مشاهد جوية تُظهر نسف الاحتلال لمنازل في مخيم جباليا


.. خيارات جديدة تضمن ملاحقته.. هذه سيناريوهات محاكمة بشار الأسد




.. مصدر في -النقل- السورية يتوقع عودة مطار دمشق الدولي للعمل ال