الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
في العيون الزرقاء: عذابات الكائنات في زمن بلا ضمير قراءة نقدية تحليلية في قصيدة : اخفضْ عينيكَ – للشاعرة : سونيا عبد اللطيف – تونس . بقلم : كريم عبدالله – العراق .
كريم عبدالله
2024 / 11 / 1الادب والفن
في العيون الزرقاء: عذابات الكائنات في زمن بلا ضمير
قراءة نقدية تحليلية في قصيدة : اخفضْ عينيكَ – للشاعرة : سونيا عبد اللطيف – تونس .
بقلم : كريم عبدالله – العراق .
تستحضر الشاعرة سونيا عبد اللطيف في قصيدتها "اخفضْ عينيكَ" مشهدًا مؤثرًا عن العزلة والفقد، مما يجعل القارئ يتأمل حال الكائنات الحية في زمن قاسٍ بلا رحمة. العنوان نفسه يعكس دعوة للتواضع والحذر، وكأن الشاعرة تطلب من القارئ أن يتفهم وضعه ومحيطه.
1. الفضاء المكاني والزمني
تبدأ القصيدة بمشهد على الرصيف، وهو مكان يحمل دلالات متعددة: الفقر، الإهمال، والفقد. الكرتون المهمل يمثل الضياع والتجاهل الذي يعيشه الكائن الهش، سواء كان إنسانًا أو حيوانًا. يشير هذا الإطار إلى واقع يومي يعيشه الكثيرون، ويجعل من القصيدة تعبيرًا عن الألم الجماعي.
2. التفاصيل الحسية
تستخدم الشاعرة تفاصيل حسية قوية لتجسيد العذاب. العينان الزرقاوان، رمز البراءة والضعف، تطلان فجأة، مما يخلق شعورًا بالقلق والترقب. الألوان المستخدمة، كـ"اللون الداكن" و"الزرقاء"، تتناغم مع مشاعر الحزن والوحدة. مواء الجرو الضعيف يضيف بعدًا عاطفيًا، ويظهر عمق مشاعر الفقد.
3. الرمزية والأبعاد الإنسانية
تتجاوز القصيدة المستوى السطحي لتتناول قضايا إنسانية أعمق. الحديث عن "الأيادي الجوفاء" و"الضباع" ينقل فكرة الاستغلال والقسوة في المجتمع، حيث يرمز الجرو إلى الكائنات الضعيفة التي تعاني من ظلم لا يرحم. الشاعرة تطرح تساؤلات عن الإنسانية، وتهتم بمصير من لا صوت لهم.
4. البحث عن الأمل
رغم ظلال الحزن، تتخلل القصيدة لمحات من الأمل المفقود، حيث تسأل الشاعرة: "فكيف بك أنتَ أيّها الصّغير؟" مشيرة إلى البحث عن العطف والحنان. تطرح فكرة الوطن الذي يحمل الدفء والعدل، وتعكس رغبة الناس في الحصول على حياة كريمة.
5. الخاتمة
تنتهي القصيدة بدعوة للتحذير من الزمن الذي يفتقر إلى الضمير، مما يجعل القارئ يواجه واقعًا مؤلمًا يتطلب الوعي والعمل. تعتبر القصيدة صرخة احتجاج ضد الظلم والتجاهل، وتفتح باب التأمل في وضع الكائنات الحية، سواء كانت بشرية أو غير بشرية.
في النهاية، تظل "اخفضْ عينيكَ" نصًا شعريًا يتناول قضايا معاصرة ووجودية بعمق وشفافية، مما يجعلها تعبيرًا مؤثرًا عن أحوال الكثيرين في زمن بلا ضمير.
ولو حاولنا قراءة هذه القصيدة بطريقة نقدية أعمق , فسيتبين لنا ما يلي :
1. الفضاء المكاني كرمز للمعاناة
تبدأ القصيدة بمشهد قوي على الرصيف، حيث يكون "كرتون مهمل" بؤرة الألم. يمثل هذا المكان، الذي يُفترض أن يكون نقطة تواصل، مسرحًا للانعزال والفقدان. العزل في الفضاء الحضري يرمز إلى تراجع القيم الإنسانية، ويعكس انكسار العلاقات الاجتماعية، حيث يتحول الرصيف إلى ملاذ للكائنات المهملة.
2. تجسيد العواطف من خلال التفاصيل الحسية
تستخدم الشاعرة تفاصيل حسية غنية لنقل مشاعر الحزن والعزلة. العينان الزرقاوان، التي تُعتبر رمزًا للبراءة والضعف، تكشف عن عمق المعاناة. اللون الأزرق، الذي يمكن أن يرمز إلى السماء والبحر، يصبح هنا رمزًا للغياب، مما يثير تساؤلات حول فقدان الأمل. مواء الجرو الضعيف يشكل نداءً صامتًا، يعبر عن الحاجة إلى الحماية والحنان في عالم قاسٍ.
3. الرمزية والاستعارات
تتضمن القصيدة استعارات قوية تعكس القسوة التي تواجهها الكائنات الضعيفة. "أيادي جذوع الأشجار الجوفاء" تمثل قوى الطبيعة أو المجتمع التي تقمع الأرواح الضعيفة. توحي هذه الصورة بالتجاهل الذي يتلقاه الكائن المهمش من محيطه. كما تبرز الشاعرة تناقضات الحياة، حيث يمكن أن تكون الطبيعة، التي يجب أن توفر الحماية، مصدرًا للخطر.
4. الإنسانية في مواجهة اللامبالاة
تظهر الشاعرة وعيًا حادًا بالمآسي الإنسانية، حيث تتساءل "فكيف بك أنتَ أيّها الصّغير؟" وكأنها تدعو القارئ للتفكير في حقوق المخلوقات الضعيفة. هذه الدعوة للتأمل تشير إلى أن الألم الذي يشعر به الجرو يعكس معاناة البشر في زمن تتلاشى فيه الروابط الإنسانية، مما يثير شعورًا بالمسؤولية تجاه الكائنات الضعيفة.
5. البحث عن الأمل والحنان
تطرح الشاعرة رؤية حالمة لوطن يحمل الدفء والعدل، حيث يمكن للجميع أن يجدوا الأمان. تتجلى هذه الرغبة في "القلب الكريم" و"الصدر الرحيم"، مما يعكس حاجة الإنسان إلى الحب والعطف. تعبيرات الشوق لهذه القيم تضيف عمقًا إنسانيًا للنص، وتبرز الفجوة بين ما هو واقع وما ينبغي أن يكون.
6. خاتمة مكثفة: تأمل في الضمير المفقود
تختتم القصيدة بتأكيد أن "هذا العصر يحيى بلا ضمير"، مما يجعل القارئ يواجه الحقيقة القاسية: فقدان القيم الإنسانية في زمن اللامبالاة. يشير الختام إلى ضرورة الوعي والتحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الإنسانية المتآكلة، ويظل صدى المعاناة ينبض في أذهان القراء، داعيًا إياهم إلى تحمل المسؤولية تجاه الضعفاء.
خلاصة
تظل "اخفضْ عينيكَ" قصيدة تحمل صدىً قويًا للألم الإنساني، وتعبر عن العزلة والمعاناة ببلاغة فنية مدهشة. من خلال استكشاف عوالم الجرو الضعيف، تفتح الشاعرة أبوابًا للنقاش حول الضمير والموقف الإنساني، مما يجعل النص شهادة حية على التحديات التي تواجه الكائنات الضعيفة في عالم قاسٍ.
القصيدة :
اخفض عينيك
على الرّصيف.. كرتون مهمل..
وصوت أجهل مصدره..
خطواتي تتمهّل..
عينان زرقاوان
تطلاّن فجأة
هنا وهناك.. كانتا توزّعان
النظرات
ومخالب ناصعة.. كانت
تبرز على فترات...
جرو قطّ..
في لون الظّلام
بين الفينة والفنية، يختلس
المواء..
خشية تسمعه الرّيح الصّماء..
فتعيده إلى لبّ الرّحى..
خشية أيادي جذوع الأشجار
الجوفاء
تقبض على روحه
في ازدراء
وبلا رحمة تلقي به..
في القفار..
للضّياع..
للضّباع..
عينان زرقاوان...
لون البحر... أم لون السّماء..
أطلّتا في حلّة دامسة
أرسلتا مواء ضعيفا.. خافتا...
*
كرتون... على الرّصيف..
مواء.. خدش.. حفيف..
لا نمل.. لا دبيب..
ما عدا ارتجاف الطريق..
والشّمس ترسل الفحيح
الكلاب ما عادت الرّفيق..
والصّديق ما عاد الصّديق..
فكيف بك أنتَ أيّها الصّغير؟
أن تجد القلب الكريم
أن تجد الصّدر الرّحيم
يضمّك.. يكفكف دمعك.. إنّ هذا الزّمن عسير..
الكلّ في جلباب صمته
يسير..
الكلّ في ثوب حزنه
أسير..
لا أحد يحمل في جيبه تأشيرة دخول البلد الأمين..
ويحظى بالعيش السّعيد..
الجميع يحلم بوطن فيه دفء.. فيه سكن.. فيه حبّ.. فيه شرف.. فيه عدل.. فيه سلام..
فاخفض عينيك أيّها الصّغير..
هذا العصر يحيى بلا ضمير..
وضع الإنسان فيه.. خطير.. خطير..
فما بالكَ بحيوان...
أهملوه... في كرتون...
وتركوه...
للمصير..
سونيا عبد اللطيف
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الفنان السوري باسل خياط: فخور كوني سورياً.. وحتى الآن لا أصد
.. الفنان السوري باسل خياط لـ-العربية-: تعرضت لمحاولات كثيرة من
.. أفضل ما قطر في 2024: الفنون البصرية والعجائب المعمارية والري
.. أحمد رزق ووفاء عامر .. الفنانون يواسون بدرية طلبة فى وفاة زو
.. كيف تفاعل مشاهير وفنانو سوريا مع سقوط بشار الأسد؟ | هاشتاغات