الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حصاد القدس العربي مرايا ذاكرة نقدية للنص

إبراهيم مشارة

2024 / 11 / 2
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


صدر بالقاهرة كتاب "مرايا ذاكرة نقدية للنص" للكاتب الجزائري إبراهيم مشارة عن " ناشرون وكالة الصحافة العربية " في 199 صفحة والكتاب هو مقالات في النقد الأدبي والثقافي نشرت على الصفحة الثقافية لجريدة القدس العربي اللندنية بين عامي 2020 و2023.
الكتاب حصيلة قراءات نقدية في كراسات شعرية ومتون سردية واستعراض لكتب فكرية وفلسفية من المشرق والمغرب ولسير بعض من صنعوا الوجه المشرق للثقافة العربية خاصة في العصر الحديث عصر التنوير والهبة الثقافية بعد تجربة الإحياء غب الاحتكاك الثقافي بالغرب بعد الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت عام 1798.
يحيل العنوان بما أنه عتبة أولى لمتن الكتاب على الأثر الفكري والجمالي الذي تتركه فينا النصوص سواء أكانت سردية أم شعرية أم متونا فكرية أم مدونات نقدية، وبما أن القراءة فعل تشاركي بين المؤلف والقارئ ،فالكاتب الجيد يساهم في تطوره ورواجه قارئ حصيف والنقد الحديث يصر على موت المؤلف لصالح القارئ ،فهو الذي يؤول النصوص ويقوم بعملية الصرف والتحويل، ويفترض النهايات والمآلات للأحداث الروائية ويفهم ويتذوق النصوص الشعرية بما تهيأ له من مخزون فكري وذوق فني وحاسة تستشعر الجمال الفني دون أن يفلت من قبضة العقل الباطن وتراكمات اللاوعي وذلك ما قصد إليه مؤلف الكتاب فهو قراءة شخصية وتأملات فكرية وانطباعات ذاتية ترتكز على مقومات فكرية وجمالية خاصة ، والمرايا تحيل كذلك على التفاعل الحاصل بين القارئ والنص لا بمفهوم نظرية الانعكاس التي يلح عليها الماركسيون ودون أن تتنكر تماما لهذه النظرية التي لها جانب من الصحة بما أن النص هو نتاج الواقع وتفاعل معه ولكن ليس الواقع هو الذي ينتج النص بل الذات المتوترة المتأملة نفيا أو إثباتا وتجاوزا أو تعديلا ، والذاكرة تحيل كذلك على ما يتبقى في الذهن وفي النفس من أثر فكري وجمالي والإنسان هو حصيلة ما يقرؤه ،فالقراءة في الأصل كالنسغ تساهم في بناء وتكوين شخصية الإنسان فحتى وإن نسي الإنسان ما قرأه فلاشك أن المقروء لا ينساه وهو بتراكماته يؤثر قي سلوك القارئ وفي وعيه كذلك.
على ظهر الغلاف الثاني وردت الفقرة التالية (القراءة متعة وللنص لذته كما ارتأى بارت في مؤلفه المشهور فهي تحررنا من آصار الواقع وقيود الضرورة وبقدر ما يمارسها المرء يمارس إنسانيته ويستشعر مضمونها) وعن القارئ (إنه يصنع هويته فالهوية صناعة وليست شيئا ناجزا وكما كتب أمين معلوف فالهويات الناجزة قاتلة) والصورة على كلاسيكيتها معطرة بمداد القلم ورائحة الورق وأصالة الريشة كأداة للكتابة وقد كانت رمزا للرومنطيقية وكأنها كذلك دفاع عن الوجود أمام هجمة الشاشة ولوحة المفاتيح والكتابة الإلكترونية و مخملية ونعومة العالم السيبراني.
يحضر المغرب العربي بكثافة في هذا الكتاب عبر مقالة تتناول نضال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في المشرق لصالح الثورة الجزائرية وهو أحد مؤسسي جمعية العلماء المسلمين بمعية ابن باديس وقد كان الإبراهيمي بما تهيأ له من ثقافة لغوية ورصيد كبير من الثقافة
الإسلامية شخصا مدهشا للمشارقة الذين وقع بعضهم أسرى للموقف الشهير لأحمد شوقي وسلامة موسى من الجزائر فهي بلد مفرنس ويعد ذلك تتمة للموقف المشرقي القديم من المغرب العربي عامة في كونه كم الثوب وذيل الطائر فالمشرق متن والمغرب هامش ولكن الإبراهيمي قلب هذه الآية في إطار التفاعل الندي الثقافي بين المشرق والمغرب وقد كان للإبراهيمي أثناء إقامته في المشرق صولات خطابية وكتابة صحفية تفضح ألاعيب المستعمر في ممارسة التضليل والتعمية ومحاولة طمس الهوية الوطنية وإنكارها ما أثار إعجاب المشارقة كجميل صليبا وعلي الطنطاوي ومحمد الغزالي ومنصور فهمي وغيرهم من استمعوا إليه خطيبا أو قرأوا له كاتبا.
وفي نفس السياق تأتي مقالة الجدل الثقافي بين المشرق والمغرب أو العقدة المشرقية المغربية والتي كانت استمرارا وتكريسا لمقولة الصاحب ابن عباد عن إنتاج بلاد المغرب الفكري والأدبي" بضاعتنا ردت إلينا" وتلاشي هذه العقدة أخيرا بعد رواج الأدب المغاربي في المشرق ودور الإعلام والصحافة والتقارب بسبب الثورة التقنية في التقريب والتعريف بهذا المنتوج العربي الفكري والأدبي والحوار بالتي هي أحسن وما نيل كثير من الكتاب في المغرب العربي للتقدير والاحتفاء في المشرق إلا دليل على تلاشي هذا الموقف القديم الذي اتسم بالإجحاف.
ثم يتناول الكاتب في مقالة مفصلة الشاعر المغبون مبارك جلواح رائد الرومانسية في الجزائر، هذا الشاعر الذي أنهى حياته بنفسه في باريس عام 1943 وكان يشكل في حياته إشكالية لنفسه ولأهله فهو محافظ النشأة منخرط في نشاطات جمعية العلماء في الدفاع عن العربية والإسلام والهوية الوطنية ولكنه شاعر منطلق يتبع خفقان قلبه ووسواس خاطره وينظم ذلك في نصوص شعرية لم ترض عنها أسرته ولا جمعية العلماء بسبب صراحتها وانطلاقها وقد كان جلواح ممن لا يأبهون بالجانب الأخلاقي في إنتاج النص ولكنه موهبته الشعرية ونزعته الرومانسية لا غبار عليهما وقد كانت نهايته مأساة في ذاتها ختمت هذا الجدل بين عقله وقلبه وبين مثله وواقعه.
وتأتي مقالتان عن الطاهر وطار الأولى عن لقاء الكاتب معه قبل رحيله والثانية استعراض لأعماله الكبيرة كاللاز والعشق والموت في الزمن الحراشي والزلزال لتبين بإسهاب دور هذا الروائي في تكريس الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية وفق المنظور الواقعي المنحاز للفئات المحرومة وللإنسان عامة في صراعه ضد جبر التاريخ والسياسة وتراكمات الواقع المتخلف عن الحقبة الاستعمارية وصراع الطبقات غب الاستقلال.
و ترد مقالة ماركس في الجزائر لتبين بإسهاب هشاشة معرفة ماركس بالبلد، تلك التي استقاها من القواميس والموسوعات والصحف الفرنسية إلى درجة أنه لما جاء مستشفيا لم يتعمق الواقع الجزائري معرفة وتمحيصا واكتفى بترديد ما قرأه في الصحافة الاستعمارية منحازا إلى مركزيته الأوروبية ، فقد كان يرى أن الاستعمار ينقل المجتمعات المتخلفة إلى المرحلة الرأسمالية ليتهيأ لها بعد ذلك المرور إلى المرحلة الاشتراكية مع إهمال دور الاستعمار في تدمير الهوية وإبادة الخصوصية الثقافية وقد انتقده على ذلك إدوارد سعيد طويلا.
وكرد فعل على هذه النظرة المستعلية المتجذرة في المنظور الثقافي الغربي المتسم بالاستعلاء والتهميش والنبذ تأتي مقالة عن الفنان والرسام الفرنسي إيتيان دينيه الذي عاش في مدينة بوسعادة الجزائرية بعد أن أسلم بل وأوصى بدفنه هناك وقد جعل من لوحاته ثيمات مناقضة
لتوجهات دولاكروا وماتيس، الأول في لوحة نساء الجزائر الذي جعل من المرأة مجرد جسد يتأود ويتثنى وطيف يتأوب ،مكمن شهوة ومثار عاطفة مشبوبة والثاني في لوحة "تحت شمس طنجة" والعنوان دال بذاته على مضمون اللوحة وأبعادها الفنية والجمالية والخلفية الفكرية التي تؤطرها فليست طنجة أرضا للصراع من أجل اللقمة أو النضال ضد الاستعمار بقدر ما هي أرض تقبع تحت شمس لاهبة يأتي إليها السائح الأوربي للاستجمام ونشدان النشوة والمتعة لا غير.
ومن تونس مقالة عن رائد القصة التونسية الحديثة علي الدوعاجي الذي قضى في ميعة العمر تاركا قصصا قصيرة كثيرة في توصيف البؤس وكدح الطبقة الفقيرة في تونس أيام الحماية الفرنسية ودور هذا القصصي في نشأة القصة التونسية الحديثة وفي تأسيس جماعة تحت السور وهي جمعية أدبية اتخذت من المقهى مجلسا للسجال وشهدت تطور الأدب التونسي الحديث.
ومن المغرب قراءة نقدية في "الحياة من دوني" للروائية المغربية عائشة البصري عن الثقافة الهجينة وإشكالية المؤتلف والمختلف في عالمنا العربي وقضايا المرأة وإشكالية الإنسان في البلدان المستعمرة سابقا.
ومن المقالات التي تناولت الدواوين الشعري مقالة عن الشاعر الكويتي فهد العسكر الإشكالي في حياته الصدامية وفي شعره الذي اقترب به كثيرا من التجديد والغنائية والمسحة الرومنطيقية وهو مثل جيد للجدل بين الفن والأخلاق في العالم العربي ودور الرقيب في الحجر والتضييق والمنع والإلغاء كما أنه صورة حية للشاعر المغبون في حياته الذائع بعد مماته.
ومن مقالات الكتاب مقالة عن مي وصالونها الأدبي هذا الصالون الذي خرق المألوف في الثقافة العربية حيث اقتصر الحضور الثقافي العربي على الرجال كتابة فكرية وتأليفا شعريا وسرديا لولا المحاولات البكر الأولى لجيل الرائدات من أمثال عائشة التيمورية وملك حفني ناصف ومي زيادة التي جعلت من صالونها منتدى أدبيا وفكريا يحضره أعلام الفكر في عصرها .
من المقالات التي تناولت الجدل الفكري والمعارك الأدبية معركة محمود شاكر مع لويس عوض حول أبي العلاء المعري وقد كانت مثالا للصراع بين المحافظين والمجددين وأنصار اليمين ودعاة اليسار واستقطبت جماهير عريضة في مصر وفي العالم العربي نصرة لهذا أو ذاك.
ومقالة عن ادعاء الشباب الكتاب والشعراء وجود عقدة مستحكمة عند الكبار في إهمال أدب الشباب وعدم الالتفات إليه وهو أمر غير صحيح فالأدب الناشئ الجيد يحمل إرهاصات النبوغ والذيوع وإن كان الشيوخ يطلبون عادة من الشباب عدم التسرع والقراءة كثيرا وهو أمر يصح على كثير من الكتاب الناشئين الذين لا يقرأون كثيرا ويحاولون أن يكتبوا كثيرا مما حدا بطه حسين والعقاد إلى الحملة عليهم زراية وإهمالا ولكنهما لم يمنعا أمثال نجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف السباعي وصالح جودت من الانتشار والذيوع.
وفي العلاقة الإشكالية والجدلية والاشتباكية بين الثقافة والسياسة تعرج مقالة أخرى على مأساة غيلان الدمشقي الذي راح ضحية نزاهته الحياتية واستقامته الفكرية ومطابقة قوله لفعله فقد ندد بظلم بني أمية ودعا إلى العدالة الاجتماعية ونظام الشورى ورفض الملكية الهرقلية وحدث
تقارب بينه وبين عمر بن عبد العزيز الذي رد المظالم ولكن غيلان دبرت له تهمة تطعن في عقيدته فحوكم وأعدم على خلفية الزندقة وهو مثال لكثير من المفكرين الذين اقتحموا ساحة الممنوع والمسكوت عنه فدفعوا الثمن غاليا وراحوا شهداء في ضمير التاريخ.
وترد مقالة في الاحتكاك بين الشرق والغرب أو الحوار بين الحضارات وهذه المرة ليس الحوار أوروبيا بل من الشرق الأقصى ومن اليابان تحديدا فقد اهتمت على استحياء بالثقافة العربية الإسلامية وشجعت على تعلم اللغة العربية والتخصص في الثقافة العربية والإسلامية في جامعاتها بدافع من المصالح الاستراتيجية مما أدى إلى ظهور نخبة من رواد الاستعراب ومنهم نوتوهارا صاحب الكتاب الذائع "العرب وجهة نظر يابانية" حاول فيه أن يرسم صورة للعربي كما تتجلى في مرآة الآخر الياباني بكثير من المحبة والموضوعية والاتزان دون إهمال ما يراه سلبيا في الفكر والحياة العربية ،ورحم الله من أهدى إلى المرء عيوبه.
وفي حقل الترجمة تأتي مقالة عن المترجم الألماني هارتموت فندريش وفضله في تعريف الناطقين بالألمانية بالأدب العربي فهو أحد مترجمي بعض أعمال غسان كنفاني وعبد الرحمن منيف ونجيب محفوظ وصنع الله إبراهيم وغيرهم إلى اللغة الألمانية وفي المقالة حديث عن مدى انتشار الأدب العربي المترجم إلى الألمانية في ألمانيا قياسا إلى أرقام المبيعات والاحتفاء النقدي الألماني وإن كان المترجم يغلب المسحة الكابية المتشائمة وينحى باللائمة على السياسيين العرب إلا أنه بذل مجهودا معترفا به وطيبا في الحوار الثقافي الألماني العربي عبر الترجمة ومد جسور التثاقف والتقارب.
تحضر المرأة في متن الكتاب مرة أخرى من خلال مقالة عن العقاد والمرأة والصراع بين الذكورة والأنوثة كما تمثله مع ميل واضح إلى الدفاع عن أحكام القرآن فيما يتعلق بالجنسين وعن الأحكام الفقهية المتعلقة بهما وكثيرا ما اتهم العقاد بعداوته للمرأة مع إنكاره لذلك وتبريره محاولة وضع المرأة في مجالها الذي وضعتها فيه الطبيعة وسنة الخالق.
وفي إطار كلاسيكيات الأدب تتناول مقالة مقامات الحريري الذائعة وأثرها في الآداب الأوروبية خاصة الأدب الإسباني حيث ترجمت منذ العصر الوسيط وتأثر بها بعض الكتاب مما أدى إلى بروز أدب إسباني يتحدث عن الكدية والدهاء في تحصيل القوت تماما مثلما نجد ذلك في مقامات الحريري وقبله في مقامات بديع الزمان الهمذاني.
ولا ينسى الكاتب ظاهرة الجوائز الأدبية مستهلا المقالة برفض سارتر لجائزة نوبل ومحمد عابد الجابري لجائزة الحسن الثاني وصدام والقذافي معرجا على بعض الرفض الغربي كذلك من لدن بعض الكتاب والمثقفين وإن كانت الجوائز الكبيرة كنوبل مثلا والغونكور تخضع أحيانا للاستقطابات السياسية فهي تساهم في صناعة الثقافة وترويجها .
ومن المقالات الأخرى مقالة عن توفيق الحكيم وثورة يوليو ،وعن العلاقة بين المثقف والسياسي ،الحكيم الذي كان ناصريا انقلب على عبد الناصر بعد رحيله وأخرج إلى العلن كتابه "عودة الوعي" ما حدا ببعض النقاد إلى وسمه بميسم الخيانة والطعن في الظهر لكنه برر إخراجه للكتاب في نقد الناصرية بعد رحيل عبد الناصر في رغبته عدم إحراج الرئيس وإبقاءا للود بينهما دون أن يعفي نفسه من الشهادة في محكمة التاريخ.
وأخيرا مقالة تتحدث عن آينشتاين صاحب النسبية وموقفه من الصراع العربي الإسرائيلي فهو وإن كان متعاطفا مع بني جلدته وسعى من أجل وطن قومي يلم شتاتهم في فلسطين وجمع التبرعات في أمريكا من أجل ذلك إلا أنه لم يشجب الحق العربي في فلسطين وندد بالمظالم الصهيونية والمذابح الجماعية وقد رحل أينشتاين عام 1955 وحدثت تغيرات وحروب ولا زالت القضية الفلسطينية تراوح مكانها.
جولة نقدية وفكرية واستعراض لمؤلفات هامة في تاريخ الفكر العربي يقدمها الكتاب في طبعته من "ناشرون وكالة الصحافة العربية " وقد قدمته كعهدها في إخراج متقن يليق بمحاور الكتاب المتنوعة والمتعددة في رحاب الثقافة العربية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود.. أسرار سجن صيدنايا وبوا


.. عاجل | -الدفاع الأميركية- لسكاي نيوز عربية: هذا ما فعلناه في




.. يعد واحدا من أفظع السجون التي ابتلعت آلاف السوريين.. النجاة


.. مؤتمر صحفي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو




.. هل تزيل أمريكا -تحرير الشام- من قوائم الإرهاب؟