الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الضباع أولاد يعقوب - 6

محمد يعقوب الهنداوي
كاتب

(Mohamed Aziz)

2024 / 11 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


استيقظت مبكرا على قرع باب الحديقة.

خرجت لأرى علي حسون أمريكي يقف وراء الباب الخارجي. فتحت له فاحتضنني مسرورا وقال: أستاذ أريد بشارتي...

سألته ضاحكاً: بشارتك حلويات لو بوسة لو دشداشة ...؟

وقبل أن أكمل برخاوة من لم يستيقظ تماما بعد قاطعني وقال: فلوس.. فلوس.. فلوس... عندي خبر مفرح... خبر مربح.. وأريد بشارة فلوس...

قلت: تفضل وادخل ودعنا نفطر معا ونتحدث.

قال بنفاذ صبر: أستاذ راح تقتلني ببرودتك. جئتك بعقد عمل كبير وتتكلم بهذي الرخاوة.

قلت: تفضل وادخل ودعني أغتسل وأبدل ثيابي ثم نفطر معا ونتحدث لأستوعبك كما ينبغي.

تبعني على مضض فأخذته الى المطبخ وقلت له: بينما تحضّر لنا أنت الشاي بيدك الحلوة سأغتسل أنا وأغير ثيابي والتحق بك. كل ما تحتاج اليه موجود هنا أمام عينيك..

لم أنتظر رده، بل وضعت شريطا لصباحيات عملاقة الابداع وسيدة الموسيقى فيروز في جهاز المسجّل العتيد، وتركته في المطبخ، واتجهت الى الحمام الداخلي في غرفة نومي لأغتسل وأحلق ذقني وأستكمل صحوي.

مع خروجي من الحمام وارتداء ثيابي كانت ميس قد وصلت ومعها أحمد السائق وجاءا معهما، ككل يوم، بالصمون الحار والقيمر وجرائد الصباح، وكان علي حسون قد أعدّ الشاي... فجلسنا جميعا لتناول الإفطار.

همس لي علي حسون بصوت خفيض: هل لي أن أتكلم؟

قلت بصوت مسموع: نعم أستاذ علي تفضل. فأحمد وميس من فريق العمل ولهما أن يطلعا على كل أحاديثنا.

فقال بتبجح وثقة: جئتكم بعقد عمل وأريد بشارتي أولا...

قلت بشارتك يعني ماذا؟

قال: عشرة آلاف دولار على الأقل...

- مقدماً؟
- نعم مقدماً...

كنت قد صحوت وأفطرت وتناولت من القهوة ما يكفي لأكون في مزاج ملائم للجدال والتفاوض والعمل الجاد فقلت له: علاوي... فلوس مقدما ما عندي واغسل يديك من الآن...

قال: وما هي ضمانتي أني سأنال حقوقي مقابل هذا العقد؟ وما دوري فيه؟ وكم سأحقق منه وقيمته تساوي نصف مليون دولار؟

قلت: دعني اعرف ما هو العقد أولا ومع أية جهة وهل نستطيع تنفيذه وهل سنربح المناقصة وهل شروط العمل والتسديد منصفة وتناسبنا وهل سيجري كل شيء بطريقة أصولية وهل سنقبض حقوقنا كاملة اذا نفذنا التزاماتنا... وحين نضمن كل شيء ونحصل على حقوقنا ستأخذ أنت، من ثمّ، حصتك الكاملة وحقوقك من الإيرادات التي نستلمها فعلا، ومن حقك أن تطالب منذ البداية بالتزام مكتوب بذلك ولا تكتفي بمجرد وعود شفاهية... أما الآن فلا تتوقع مني أن أدفع لك أي شيء.

تظاهر علي حسون بالانزعاج ووقف على قدميه وقال: أستاذ أنتم لستم جديين ولا يمكنني التعامل معكم. سأذهب الى شركة أخرى أعطيها العقد وسآخذ حقوقي مقدما منهم...

قلت: هذا من حقك تماما ولا يمكنني أن أفرض عليك أي شيء ولكن... اجلس قليلا ودعني أقول لك لماذا لست مستعدا لدفع أي شيء سلفاً، وعساك تتفهم أسبابي...

جلس متصنّعا أنه يريد الذهاب ولكنه يتراجع احتراما ومجاملة.

أخبرته عن مشروع تقدمت به من قبل باسم الشركة البريطانية التي أمثلها الى عمادتي "كلية تربية بغداد ابن الهيثم" في الأعظمية، و"رئاسة جامعة كربلاء" (في مدينة كربلاء) وعرضته عليهم بطريقة لم أتخيل معها أن بإمكان أية جهة حقيقية صادقة وامينة أن ترفضه أو تتلكأ في الموافقة عليه...

طلبتُ من ميس أن تحضر لنا جهاز الكومبيوتر المحمول لأستعرض له عناصر المشروع... ففعلتْ، ووضعتْ الجهاز على الطاولة التي أزحنا عنها بقايا لوازم الفطور. وفتحتْ ملف المشروع على الجهاز.

كانت خلاصة المشروع تقوم على أن هناك منحة مخصصة من الحكومة البريطانية لتطوير مشاريع بنية تحتية للمؤسسات الثقافية في العراق تحديدا، ضمن ميزانية وزارة تطوير التعاون الدولي البريطانية، على أن تكون الجهة المستفيدة من التنفيذ شركة بريطانية. وكانت عناصر المشروع تتضمن:

- إجراء مسوحات ميدانية شاملة للمباني الجامعية وهيكلياتها ومكتباتها ومختبراتها وملحقاتها ومرافقها الخدمية والترفيهية وغيرها مما يخص المؤسسة الجامعية المعنية وصولا الى مواقف سيارات كوادرها وطلبتها.

- إجراء مسح وإحصاء شامل لكل ما تمتلكه المؤسسة الجامعية المعنية من أجهزة الكترونية وتقنية وأجهزة تبريد وتدفئة وصولا الى أجهزة الكومبيوتر والخوادم والمعدات والتجهيزات المختبرية ووسائط التعليم والايضاح اللازمة.

- إعداد جرد شامل بما تحويه مكتبات المؤسسة الجامعية المعنية من كتب ومراجع ومصادر ومدى الحاجة الى تحديثها على أساس أن العراق كان مقطوعا عن العالم الخارجي لأكثر من ربع قرن بسبب الحروب والحصارات وغيرها.

- إعداد لائحة بآخر ما تلقّاه أعضاء الكادر التدريسي من معارف ودورات علمية خارج البلاد ومدى الحاجة الى تحديث معارفهم وصلاتهم بالمراكز العلمية العالمية.

- تحديد ميزانية لترميم وتحديث واستكمال كافة النواقص والثغرات وتكاليف إنشاء المرافق الإضافية اللازمة للمباني الجامعية.

- تحديث كافة مقتنيات المكتبات العلمية والثقافية لمكتبات المؤسسة الجامعية المعنية.

- تحديث كافة المختبرات والمرافق التجريبية العلمية للمؤسسة الجامعية المعنية وتجهيزها بكل ما يلزم في ضوء أرقى المعايير المتوفرة في المؤسسات العلمية العالمية (بما في ذلك جميع مستلزمات ومتطلبات الكليات الطبية بجميع فروعها).

- تحديث المنظومات الكهربائية والالكترونية في المؤسسة الجامعية المعنية بدءا ببوابات الدخول وتزويدها بمعدات الكترونية أمنية متقدمة لحماية المؤسسة التعليمية ومبانيها وكوادرها وطلبتها وإنتهاءا بكافة مستلزمات التبريد والتدفئة والنظافة والتعامل مع النفايات.

- بناء منظومة كاملة للتعليم الالكتروني والأرشفة الفورية تقوم على تسجيل وحفظ كل ما يقوله الأستاذ المحاضر أو يخطه على اللوح في قاعة الدرس وتحويله الى أرشيفات الكترونية تتاح في مكتبة المؤسسة الجامعية المعنية خلال فترة قياسية لا تتعدى يوم المحاضرة ذاتها وتكون متاحة لجميع الطلبة.

- بناء منظومة الكترونية مغلقة تؤمن الاتصال الفوري والدائم والمؤمّن والمضمون بين المؤسسة الجامعية المعنية وبين جميع المؤسسات الرديفة لها في العالم المتقدم وتنظيم مؤتمرات الفيديو الفورية لحضور المحاضرات الجماعية وتوفير فرصة المشاركة في المؤتمرات العلمية الدولية آنيا لجميع طلاب ومنتسبي المؤسسة الجامعية المعنية في العراق دون أن يغادروا رحاب مؤسستهم العلمية ذاتها.

- بناء منظومة الكترونية لتوفير العلاج الطبي عن بعد في جميع أرجاء البلاد من خلال أفكار وتصاميم مبتكرة قادرة على خدمة أبعد قرية في العراق بإشراف أرقى الكوادر العلمية والطبية المتخصصة أينما كانت متوفرة في مراكز طبية في البلاد.

- توفير منظومة لإدارة الإمتحانات الالكترونية التي تمنع وقوع أي نوع من أنواع التزوير أو التسريب أو الغش وتضمن العدالة القصوى في منح درجات الاستحقاق للطلبة على قدم المساواة أينما كانوا وفي أي جزء من البلاد.

- التعليم الالكتروني الموحد للقرى والأرياف من خلال منظومة التعليم الموحد التي تبث مناهج الكترونية فورية للصفوف التعليمية الموحدة بما يحيل دور المعلم/ الأستاذ الى دعم ومساندة الطالب في الفهم بدلا من تولي مهام كامل العملية التعليمية، وبما يضمن ازالة الفروق أو تقليصها الى الحد الأدنى بين القرية والمدينة وبين الأحياء المترفة والفقيرة وتقليص آثار التفاوت في مستوى القدرات التعليمية للكوادر التدريسية تبعا لذلك.

- تحويل جميع المدارس في القرى والأنحاء النائية والأحياء الفقيرة الى مراكز للتنوير والتنمية الثقافية من خلال بث برامج ترفيهية مركزية موحدة ووفق اللغة المحلية في الاقليم أو المنطقة في أوقات المساء ونهاية الأسبوع لايجاد نقطة التقاء مجتمعي وترفيهي يحقق الاندماج والتكامل والتفاعل بين أبناء المجتمع المحلي ومكوناته.

- تحويل نفس المنظومات الالكترونية الى منصات دعائية وإعلامية جبارة يتم من خلالها بث الرسائل التثقيفية والصحية والتعبوية اضافة الى الاعلانات التجارية المدفوعة الثمن وتحويلها الى ماكنة إعلامية وواجهة إعلانية ضخمة لجمع الايرادات وتمويل المراحل المستقبلية لتطوير المشروع.

- وتفاصيل أخرى كثيرة بما في ذلك تدريب وتأهيل كافة الكوادر الفنية اللازمة وايجاد عشرات الآلاف من فرص العمل المتقدمة وذات الخبرات الراقية....

بعدما قدمت له هذا الوصف المستفيض كان مذهولا تماما ولا يكاد يستوعب ما أقول فأضفت: هل تعلم كيف كان سيتم تمويل كل ذلك؟

قال: هذا مشروع الحلم الذي لا أستطيع استيعابه ولا حتى في أحلامي... لكني أتخيل أنه يتطلب إمكانات مالية وتقنية هائلة وبرنامجا كبيرا وعملا جذريا...

قلت: نعم. كانت عندي كافة المخططات والتصاميم وشبكة العلاقات العالمية بكل المؤسسات العلمية ذات العلاقة، ليس بصفتي الشخصية لكن من خلال الشركة، وضمنت لي الشركة أيضاً أن سيتمّ كل شيء على أيدينا ومن خلالنا ودون أن تتكلف ميزانية العراق فلساّ واحدا... بل وسيتم تنظيم ايفادات دورية لاساتذة وكوادر المؤسسات العلمية المعنية الى المراكز العلمية الرديفة في العالم لتطوير معارفهم واكتساب خبرات وكفاءات جديدة.

قال: ومن سيدفع كل هذي التكاليف؟

قلت: كنت أنا من سيتكفل بها لأن شركتنا حصلت مسبقا على موافقة الحكومة البريطانية بأن تنال منحة كبيرة من ميزانية وزارة تطوير التعاون الدولي التي ترصدها الحكومة لدعم هكذا مشاريع في الخارج، وحصلنا على الضوء الأخضر لدعم ميزانية هذا المشروع تحديدا قبل عرضه على المؤسسات الجامعية في العراق أصلا... وكان التمويل مضمونا وعلى مدى عشر سنين.

سألني: ولماذا لم تنفذوه؟

قلت: بكل بساطة.. لأن عمادة الجامعتين المعنيتين وضعتا شرطا مسبقا حاسما قبل أن نمضي قدما. كل ما كنت أريده منهم هو امضاء وختم رسالة كنت قد اعددتها سلفا بأن الجامعة الفلانية تمنح شركتنا حق التقدم باسمها للحصول على تمويل من المنحة البريطانية لتنفيذ هذا المشروع... وكنا حينها سنقوم بتنفيذ كل شيء نيابة عنهم ونخدم كل إحتياجاتهم....

- ولماذا لم تفعلوا؟

- لأن عمادات كل المؤسسات التي تقدمت لها بهذا المقترح في العراق فرضت شرطا مسبقا لا بد منه ولا مجال للمضي قدما دون تنفيذه.

- وما هو الشرط؟

- أن ندفع لكل فرد من أعضاء الهيئة التدريسية وعمادة الجامعة المعنية مبلغ 50 ألف دولار مسبقا قبل الإمضاء على التفويض.

- ولكن كان بإمكانكم تجاوزهم واللجوء الى سلطات أعلى منهم. وزارة التعليم العالي مثلا...

- نعم. وقمت بذلك فعلا فواجهوني بشروط أقسى. بل وقالوا لي حرفيا:

- إذا حصلتم على موافقة من أية جهة أخرى دون أن تعطونا "حقوقنا"، فلن نضمن أنكم لن تتعرضوا للتفجيرات أو الاغتيال...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود.. أسرار سجن صيدنايا وبوا


.. عاجل | -الدفاع الأميركية- لسكاي نيوز عربية: هذا ما فعلناه في




.. يعد واحدا من أفظع السجون التي ابتلعت آلاف السوريين.. النجاة


.. مؤتمر صحفي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو




.. هل تزيل أمريكا -تحرير الشام- من قوائم الإرهاب؟