الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حبل الأحتلال

تقي الوزان

2006 / 12 / 30
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


الصورتان الأكثر ثباتاً في الذهن , والأكثر تعبيرا عما آلت اليه الامور في العراق , واللتان لم تأخذا وقتا طويلا خلال النقل المباشر عبر شاشات التلفزيون يوم 9 نيسان 2003 , اثناء تقدم الجيش الامريكي وأسقاط النظام المقبور عبر رمزية اسقاط تمثال صدام الكبير في ساحة الفردوس .
الصورة الاولى : طريقة الاخراج المؤثرة لأسقاط التمثال . وكلنا نذكر عدم تمكن بعض الجماهير العراقية بوسائلها اليدوية من سحب هكذا تمثال برونزي ضخم , يزن مع قاعدته عدة اطنان , ومشيد بأمتن الطرق الهندسية لتثبيت جبروته في ذاكرة كل من ينظر اليه . وبعد ان تعجز هذه الجماهير التي جاءت بالعلم العراقي القديم من حلحلة التمثال الذي لفوا رأسه بالعلم , تتقدم المدرعة الأمريكية وتمد خرطومها الحديدي وحبالها التي شدت الى رقبة التمثال بعد ان يبرقع بالعلم الامريكي والى جنبه العلم العراقي , وتسحبه المدرعة الامريكية ليسقط ويتهشم . وتفرح الجماهير التي من المفترض ان تكون من ابناءالمنطقة , والمدهش , كيف استحضروا العلم العراقي القديم , ومن هو "عالم الغيب" من هذه الجماهير الذي توقع ان يكون السقوط بهذه الطريقة واحضر العلم ؟! هذه الصورة تذكرنا الادارة الامريكية بها دائماً , ان لم يكن يومياً , بأنهم هم الذين أزاحوا لنا صدام ونظامه . وهذا ما لاننكره لهم , رغم اختلاف دوافعهم في ذلك .
الذي ننكره عليهم , هو ان دولة بهذه الامكانيات , والقدرات العلمية والتخطيطية , ومراكزها الدراسية الستراتيجية , والتي ترسم المسارات للسيطرة الكلية , والبقاء في برج القوة الوحيدة الاعظم التي تقود العالم , ترتكب كل هذه الأخطاء والحماقات المقصودة وغير المقصودة , وتجعل من العراق وشعبه ساحة للصراع الدموي , ومحاولة تصفية اعدائها من المتطرفين امثال "القاعدة " والسنة التكفيريين على ارضه من جهة , ومن جهة اخرى المساهمة في اذكاء روح العداء الدموي بين ابناء الشعب الواحد المتمثل بالصراع الطائفي بين السنة والشيعة . ولتجعل هذا الشعب المنكوب يترحم على ايام النظام المقبور , مقارنة بما يرتكب الآن من جرائم فاقت كل تصور في بشاعتها تحت سلطة " المحررين " .
الصورة الثانية : صورة " ابو تحسين " وهو يضرب صورة الطاغية بنعله , ويعدد المظالم . بصوت حمّله كل عذابات الوجود العراقي في ظل الحكم المقبور , ويستصرخ ضمائر العراقيين بالنهوض لأستلام اللحظة التاريخية التي انتظروها طويلاً , لمعانقة حريتهم , كان في جنبات صوته صدى كل الذين سقطوا في السجون والمعتقلات , والحروب العبثية , المهجرون , الأنفال والمقابر الجماعية , صوت الارامل والأيتام والمشوهين , وملايين آهات الرجال المكبوتة والتي لم تستطع الدفاع عن شرف بناتها ونسائها . كان وحيداً يناجي الفجيعة , وينشد الأمل الموعود . كان وحيداً يمارس لعنة التاريخ مع صورة رئيس النظام المقبور . كان يوجد بعض الذين بصقوا على الصورة وذهبوا مسرعين للحاق بالمئات والآلاف الذين سرقوا كل ما يقع تحت ايديهم من اموال الدولة والمال العام .
الصورتان اللتان لم يستغرق نقلهما عبر شاشات التلفزيون الا وقتا قصيرا , استمر وجودهما طيلة هذه السنوات الاربعة . فالتذكير دائم بأنهم اصحاب الفضل , وأهل الحل والربط . ومن جهة اخرى , ماذا فعلت سلطات الاحتلال مع الذين نهبوا كل شئ امام اعينهم ؟! الوزارات والمتاحف والمكتبات , ولم تحافظ هذه السلطات الا على موجودات وزارة النفط . وليت الامور اكتفت بفرهود ايام السقوط , لكن هذه السلطات اشاعت وشجعت مظاهر الفساد والرشوة , والسرقات , والألتفاف على القوانين . واستطاعت من افساد اغلب الطبقة السياسية العراقية , التي كان العراقيون يعتزون بها كثيرا كمعارضة اتسمت بالصلابة وطول مقارعتها للنظام المقبور , ويعوّل عليها في اعادة بناء العراق الجديد .
الامريكان في توجهاتهم هذه لاتهمهم مسيرة العراق السياسية , اوالتضحيات والتحديات التي رافقت بناء العملية السياسية . فبالاضافة الى اشاعة قنوات الافساد لم يتدخلوا في منع اشاعة ارهاب التطرف المذهبي , والذي يفترض انهم جاءوا لمحاربة الانظمة التي تشيع الارهاب . بالعكس , ساعدوا على تأجيج هذه الصراعات . ولا يستبعد الكثيرون من انها خطة مدروسة لأشغال الناس بأمور ليست جوهرية . وبعيدا عن تهويلات " الخسائر الامريكية" فأن لديهم خيارات عدة , منها وكما قال الكثيرين الانسحاب الى معسكرات بعيدة عن المدن , وليستمر الصراع الدموي بين الطرفين حد الانهاك وبعد ان يتم توريط ايران فيها , او الغاء العملية السياسية والعودة للمربع الاول , وبعدها لزم الامور وبالشكل الذي يريدونه . بعكس العراقيين الذين ذهبوا في طريق الهاوية , ولا سلامة للعراق والعراقيين الا التشبث بحبل الاحتلال . وهذا ما عده البعض نجاح الامريكان . وهو الفشل الصريح لكل الاطراف السياسية العراقية الفاعلة للنهوض بالمشروع الوطني في الحفاظ على وحدة الشعب والوطن , والتي اظهرت بعض هذه الاطراف بانها تسعى لأفشال هذا المشروع . وتعتبر هذا الافشال هو السياج الذي سيحمي الانجاز القومي او الطائفي الذي تحقق لهم , واملا باستكمال بناء انظمتهم .
الطريق مظلم , والصراع وصل الحافات , والايام القادمة حبلى بكل التوقعات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التبوريدة: فن من الفروسية يعود إلى القرن السادس عشر


.. كريم بنزيمة يزور مسقط رأس والده في الجزائر لأول مرة




.. بعد إدانة ترامب.. هل تتأثر فرص فوزه في الانتخابات الرئاسية ا


.. لابيد يحث نتنياهو على الاستجابة لمقترح بايدن بخصوص اتفاق غزة




.. الوسطاء يحثون إسرائيل وحماس على التوصل لاتفاق هدنة في غزة