الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاحتلال وثقافة البيعة

باقر ابراهيم

2003 / 7 / 8
اخر الاخبار, المقالات والبيانات



 

اسهمت اجواء الاحباط واليأس والسلبية التي خلفتها الدكتاتورية في العراق، في تحقيق اختراق كبير، لا مثيل له، لجبهة نضالية هامة في قوي التغيير، هي جبهة المثقفين.
وبالطبع، فان فرز الثابتين علي قناعاتهم السابقة، في هذه الجبهة وتشخيصهم، سيظل لفترة غير قصيرة، عملية صعبة ومعقدة، سواء بين الاكثرية التي آثرت البقاء داخل الوطن، ام بين من هاجروا.
فقد كانت عملية الاختراق لمثقفي الداخل، اصعب كثيرا. ولمثقفي المهاجر اسهل لحد ما، ورغم ما لمتانة شخصية المثقف من دور كبير في تحديد موقفه عند المنعطفات الحادة والخطيرة، فان الالتصاق بالناس، بالشعب المطحون، بالوطن المهان، وبالقدرة علي التعبير عن معاناتهم وطموحاتهم، بوفر امكانات اكبر للصمود بوجه الاغراء.
هناك عامل هام آخر يمكن ان نضيفه الي تأثير الالتصاق بالشعب ومعاناته، في تعزيز مناعة المثقف، هو القدرة ايضا علي التحرر من قيد العقيدة. فقد امكن لكثير من مثقفي الداخل الافلات من قيود العبودية لعقيدة الحاكم المستبد، حتي وهم ضمن اسرها.
ومن الجانب الآخر، لم يستطع بعض مثقفي الهجرة، ممن ظلوا تحت اسار عقيدة احزاب المعارضة، التحرر منها حتي حينما تحولت الي عقد خطرة بقبولها ارتهان الشعب المطحون والبلد المذل بالاجنبي الطامع.
وحينما اكتشف بعض مثقفي الاحزاب العقائدية، جمود وتخلف معتقداتهم، امام انفتاح العالم المعاصر، لم يختاروا حرية الرأي المستقل الرافض للمظالم والطامح للتغيير، بل هم بدلوا الوالي الذي ولي بجبابرة العصر العظام، ودمجوا تطفل العقل السابق بتطفل جديد للأيدي والافواه والجبوب.
عن التميير العنصري ، بين صحافيي الداخل والخارج، كتب الاستاذ محمد عارف في جريدة الاتحاد الاماراتية يقول: الصحافيون القادمون علي دبابات الاحتلال، يتقاضون شهريا ما يعادل مرتبات ربع قرن لزملائهم المحليين .
ومعلوم، ان من حالفهم سوء الحظ وعادوا علي ظهر دبابات الاحتلال، هم الجزء اليسير من كم كبير اعد في الخارج بدورات التأهيل المطلوبة لنشر ثقافة مبايعة الاحتلال وترويج اعلامه.
ونسمع امثلة ووقائع مذهلة عن حقائق الاغراء والشراء عند اختراق جبهة الثقافة، وعن تساقط بعض من كان يشار اليهم بالبنان كجيل واعد في الفكر والفن، لكنهم وقعوا للأسف في شباك الصائدين، اما اسفي، فسببه ان كثيرا من هؤلاء ربطتني واياهم سنوات طويلة من حوافز الأمل، وسنذكر حسنات موتانا!
اليوم، ما اروع العراقيين المسحوقين يصرخون في شوارع مدن العراق وامام عدسات الاعلام العالمية، رافضين الساسة الذين حملتهم الدبابات والطائرات الامريكية.
كان العقاب لهؤلاء، عدم قدرتهم علي الاتصال بالعراقيين، بدون حماية الدبابة الامريكية، وهكذا سيكون ايضا مصير مثقفي المبايعة.
لهذه الاسباب، لا غرابة ان نجد ان الساسة ومثقفي المبايعة، الذين قرروا واعلنوا ترحيب شعب العراق بالاحتلال الامريكي ـ البريطاني، وانكروا مقاومته له، يخشون التجرؤ علي مغادرة حصونهم الاثيرة، وبعضهم عاد ادراجه وآخرون يخشون الذهاب الي العراق المحرر .
بعضهم يدعي انه سيعود اليه بعد ان تهدأ الامور، وسيعلمون بأنها لن تهدأ ـ وسيرون عدد العائدين المحبطين الي الخارج، في ازدياد.
بعض مثقفي البيعة يعبرون عن ضآلة الفطنة وشحة النباهة حينما يغدقون علي المحتلين الامريكان والانكليز، النصائح كي يفهوا طبائع الشعب العراقي ويحترموا تقاليده.
ويفوت هؤلاء، او هم لا يريدون ان يعرفوا، ان شراسة وهمجية الممثلين في تعاملاتهم الشائنة مع العراقيين والعراقيات، انما يعبر عن اخلاقيات الرأسمال الامبريالي وجشعه.
وبعض الذين ملأوا بالأمس، المكتبات والندوات باطروحاتهم في تحليل الادب التقدمي، يتجاهلون اليوم، عند حديثهم عن دوافع الاحتلال الامريكي ـ البريطاني للعراق، ما قاله ماركس عن هذا الرأسمال، واليهم والي غيرهم وصفه له:
ان الرأسمال يخاف من غياب الربح والربح التافه جدا، كما تخاف الطبيعة من الفراغ، ولكن ما ان يتوفر ربح كاف حتي يصبح الرأسمال جريئا ويكفي ربح 10% ليشتغل الرأسمال في اي مجال كاف و30% ينشط و50% تتملكه جرأة مجنونة و100% يدوس بالاقدام جميع القوانين البشرية و300% ليس ثمة جريمة لا يجازف بارتكابها حتي لو قادته الي حبل المشنقة .
يذكر د. نجم الدليمي في مقالة له بعنوان: يا اعداء الامبريالية اتحدوا: تشير بعض المصادر ان كلفة الحرب الامبريالية ضد الشعب العراقي تتراوح ما بين 100 الي 200 مليار دولار، الا ان الربح المتوقع من هذه الحرب غير العادلة والظالمة هو 3 تريليون دولار .
فلو اخذنا تكاليف الحرب بحدها الوسطي، اي 150 مليار دولار، فان ارباح الامريكان منها سيصل الي عشرين ضعفا لتكاليفها، اي ان نسبة الربح هي 2000% وهذا ما لم يصل الي مخيلة كارل ماركس آنذاك. فاي جنون يقف وراء همجية الرأسمال الامريكي وجشعه؟ واي دافع يحمله علي الخوض في المستنقع العراقي؟ واخيرا:
كم هي جسيمة وخطيرة مسؤولية ثقافة الردة التي شجعت المعتدي وزينت له افعاله؟
كان القبول بطعـــــن الوطن والترويج العراقي للاحتلال، وما يزال، من صنع حفنات مرتدة فقط.
اما مقاومة الاحتـــــلال، فلم تكـــــن ارادة يقررها جيش او حزب، او مفكر او رائد، انها حق الشعب في ان يستمتع لوحده بوطنه وبخيراته، ومن يفكرون بنصح شعب العراق بالتعقل والتريث، في مواجهة الاحتلال، يجدر بهم ان يوجهوا نصائحهم هذه، للغازي وحده، وحينذاك سيتولي الغازي نفسه اهمال بضاعتهم الكاسدة، كما يفعل الآن.
 
 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الآثار المهربة.. تمثال جنائزي رخامي يعود من فرنسا إلى ليبيا


.. بودكاست درجتين وبس | كيف تنشر الصحافة الاستقصائية الوعي بقضا




.. وكالات أنباء فلسطينية: انتشال جثث 49 شخصا في مقبرة جماعية في


.. بعد اقتراحه إرسال جنود لأوكرانيا.. سالفيني يهاجم ماكرون




.. هجوم رفح.. خيارات إسرائيل | #الظهيرة