الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القضية العراقية .. تدويل ؟ أم قتل تحت عباءة الوطن؟

باسم السعيدي

2006 / 12 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


لم ينسَ أحد من العراقيين ممن عانى الأمرَّين في عهد صدام حسين ،الويلات والنكبات والمغامرات التي عصفت بالبلاد بسبب عنجهية وغطرسة القائد (الملهم) ، والتي إنتهت تلك المرحلة المظلمة بأسوأ نهاية من الممكن للمواطن أن يتخيلها وهي (الإحتلال).
مرَّ العراقيون بالمراحل جميعها .. الإمتهان العرقي والطائفي ، تسيُّد العائلة، عبادة الفرد، إختصار وجود الأمة والوطن في شخص فـ (إذا قال صدام قال العراق) و ( لاحياة بلا شمس ولا كرامة بلا صدام حسين) ، القتل المبرمج لكل الشخصيات (غير المنضبطة) بضوابط المنهاج البعثي كرجال الدين والسياسة والفن والأدب والجيش، ولو أردنا تعداد هذه الشخصيات فعشرات المجلدات لن تكفي .. والأمثلة على سبيل الإستشهاد لا الحصر هي :-
السيد محمد باقر الصدروشقيقته آمنة الصدر(بنت الهدى)، وعبدالخالق السامرائي، وصباح السهل، عزيز السيد جاسم ، وراجي عباس التكريتي .. الخ.
أمثلة تعج بها الذاكرة من الأسماء اللامعة في التأريخ العراقي المعاصر .. أضف اليها الأهل والأحبة ممن ألقت بهم (لحظة غير مناسبة في مكان غير مناسب) الى غياهب السجون وأعواد المشانق .
تأريخ لم تزل الذاكرة تختزن الألم والدموع والحرقة (التي إعتصرت القلوب) التي إقترنت بالحدث الجلل.
عشرات بل مئات الآلاف من الشهداء ضحايا مغامرات النظام الطائشة وحروبه المدمرة ، تعجز اللغة عن إيصال اللوعة التي إعتمرت النفوس العراقية الى ذهن القارئ.
بعد الإحتلال كانت النسبة الأكبر من أبناء الشعب تتوسم في ملامح التغيير طيّاً لصفحة الماضي على الرغم من الغصة التي خلفتها دبابات الإحتلال التي تجوب شوارع بغداد.
توالت الأخطاء التي إرتكبها الأمريكان من جهة والأحزاب التي كانت تدعى (المعارضة العراقية سابقاً) من جهة أخرى، ونترك تقييم تلك الأخطاء للتأريخ والمؤرخين فالنتائج المترتبة عليها هي التي ستبدي بوضوح ذلك التقييم.
أما موضوعة النقاش لدينا في هذه المقالة فهي البناء السياسي والعملية السياسية التي تظهر ملامح إنسداد آفاقها وحشرها (من قبل الساسة) في الزاوية الميتة، فالعملية السياسية التي إعتمدت الإنتخابات التي رشحت منها جمعية وطنية كتبت الدستور أعقبتها إنتخابات أخرى تشكل على أساسها مجلس النواب والحكومة الدائمية .
كل هذه العملية السياسية لم تتمكن من تحقيق السلم الأهلي ، ونبهنا على خطورة الإستهانة بتداعي السلم الأهلي باكراً وأنا شخصياً طرحت سؤالاً للدكتور حسين الشهرستاني في ندوة قبيل الإنتخابات عن برنامج الإئتلاف العراقي الموحد لتلافي تداعي السلم الأهلي .. قوبل سؤالي هذا بتأجيل الإجابة .. وتم تمييع الموضوع ببراعة من لا جواب عنده.
إن هذا الإنقسام المجتمعي المبكر من العملية السياسية .. وتجاهل العملية السياسية لنذور الشر التي يحملها هذا الإنقسام بدأ يؤتي أكله اليوم على شكل جثث مجهولة الهوية في ثلاجات حفظ الجثث لمعهد الطب العدلي ، وعلى شكل مواقف متنافرة حول الحدث اليومي ، ويتجلى ذلك بوضوح أكبر في (فيدراليات مناطقية) داخل العاصمة بغداد يقتل كل من يجتاز حدود فيدراليته (غير المعلنة) ، ويلاحظ على الأداء الحكومي أنه لا يتجاهل ذلك فقط بل إنه ساكت عن تحذير المواطن من تجاوز تلك الخطوط الحمراء التي لا يعلم عنها إلا سكان المناطقة المتباينة التركيبة الطائفية.
كل ذلك كان من الممكن تجاوزه فيما لو ظهرت تباشير (حل) سياسي في الأفق ، لكن الطامة الكبرى تنحصر في الصمت المطبق عمّا ينال المواطن يومياً من الأذى والشرور وتنتهي عادة في ثلاجات حفظ الجثث مكتوب عليها (مجهول الهوية).
أما الخطاب المعارض للعملية السياسية الذي تؤخذ عليه عدة نقاط أهمها أنه لايطرح رؤية بديلة (تشيع الإطمئنان) في نفوس المواطنين ، وأنه يسوِّغ العمليات المسلَّحة التي تصيب المواطنين الأبرياء على إختلاف مشاربهم الثقافية والإنتمائية ، بيد أن لديه حق في بعض الطروحات كالكيل بمكيالين في التعامل مع الحدث ، وأوضح نقطة في هذا الخطاب هي مذكرة الإعتقال بحق الدكتور حارث الضاري بسبب (كلام) أطلقه على شاشة إحدى الفضائيات في الوقت الذي لا يذكر أحد (السيد أحمد الحسني البغدادي) الذي شكر المجرم المقبور أبا مصعب الزرقاوي علناً من على شاشة فضائية البغدادية (التي بدورها أعادت عرض الشريط ثلاث مرات شاهدتها جميعاً).
هنالك حرب أهلية غير معلنة ، وهنالك نفاق سياسي لا يريد الإعتراف بوجود هذه الحرب ولا يسعى الى (حلِّها) لكي لا يضطر الى الإعتراف والتفاوض مع حملة السلاح ، هذا في الوقت الذي يجلس الطرف الآخر لهذه الحرب تحت قبة البرلمان ويمتلك حصة وزارية في الحكومة (حكومة الحج الوطنية) .
الفكرة التي طرحها كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة (المنصرف) كانت تتمثل في عقد مؤتمر دولي حول القضية العراقية ، قوبلت هذه الفكرة برفض الأطراف الحكومية والسياسية الأقوى في الحكومة وكذلك رفضها الجانب الأمريكي..
ولو تقصَّينا أسباب الرفض فسنجدها تكمن في كلمة واحدة (السلطة) .
- فالجانب الأمريكي الذي حجَّم دور الأمم المتحدة في العراق عن قصد (ساعدته القاعدة في ذلك) لا لسبب إلا لكي لايكون له شريك أو شاهد على (أسلوب إدارته الصراع في العراق)، وكي ينفِّذ أجندته الخاصة أمام حلفائه وحدهم ويتمتع بسلطته وسيادته على التراب العراقي كاملة غير منقوصة، فهل يقبل الأمريكان في هذا الوقت بما رفضوا بوادره قبل سنين أربع عجاف؟
- أما الأحزاب العراقية فهي تمتلك أجندتها الخاصة للرفض، ويكمن الهدف الأكبر لها في الإنتقام من الخصوم التقليديين والذين هم (أتباع صدام حسين) ، وضباطه ، وقادة أجهزته الأمنية الذين خاضوا حرباً ضروساً سرية وعلنية لقمع هذه الأحزاب والتنكيل بها، وهذه الحقيقة تنطبق على غالبية الأحزاب العراقية التي عارضت صدام حسين، وإن أي مؤتمر دولي يعقد في هذا السبيل سيفرض لقاءً وإجتماعاً وتفاوضاً مع هؤلاء وهذا ما سيحد من (الرغبة بالإنتقام) ورد الكيد الى نحور أهله .. تلك الرغبة التي تعد مقدَّسة عند الأحزاب العقائدية على أقل التقديرات.
- إن أي لقاء دولي ينعقد حول القضية العراقية سيمثل " ولو من باب خفي" إنتقاصاً من سلطة الأحزاب العراقية ، ووصاية على أدائها السياسي والتشريعي والتنفيذي في الوطن العراقي وهذا ما لن يروق لأحد من المتنفذين الذين يتمتعون اليوم بأغلبية برلمانية (مشاركة في الكعكة) وصامتة أزاء ذلك الأداء المتردي.
يتضح من خلال هذه القراءة أن أساس العنف في العراق هو العداء المتأصل والتأريخي بين طرفين أو لنقل جبهتين (صدام وأتباعه وضباطه من جهة وحلفائهم من جهة ، وأعداء صدّام ومعارضوه في الجهة المقابلة)، وبحسب هذه الرؤيا فإن الشعب العراقي واقع بين حجري رحى أو فكي كماشة نقل أصحابها معركتهم التأريخية الى الشارع ، فضباط صدام ومريدوه حولوا مجرى تلك الحرب الى الشارع العراقي ليتمكنوا من إحراج تلك الأحزاب وكشف عوراتها أمام أنظار المواطن، وأما الأحزاب العراقية فقد تعاملت مع خصومهم بنفس روحية وعقلية صدام حسين ويشهد الشارع العراقي على أعمال الإنتقام التي حصلت في بغداد والمحافظات العراقية التي (طهَّرت) مدن الجنوب وأحياء كاملة من بغداد من البعثيين السابقين (من دون محاكمات) ولم يُقدَّم بعثيٌ واحد للعدالة منذ سقوط صدام والى اليوم ما خلا (الماثلين في محكمة الدجيل والأنفال) ، وجوبهت عملية توسيع (عمليات الإنتقام هذه) بصمت شيعي مطبق (عدا فتوى السيد السيستاني التي رفض فيها هذه الأعمال ووجَّب إيكال أمر المسيء منهم الى القضاء) بل لقت هذه العمليات قبولاً حسنا وتشجيعاً من رموز أخرى (كالسيد كاظم الحائري) ، في الوقت الذي قوبلت فيه برفض شعبي وإعلامي سني واسع ، وللتأريخ فإن الرموز السنية رفضت الإنتقام والتطهير وطلبت بمحاكمات عادلة للمسيئين من البعثيين ورموز النظام، تجلَّى هذا الرفض بعد فترة وجيزة على شكل (تجميع وإعادة هيكلة القوى البعثية بمسميات إسلامية غرضها وهدفها المعلن مقاومة الإحتلال وعملائه، وفي الخفاء كان دفع الإنتقام وشن الهجوم المضاد) وساعدها في ذلك أول ظهور علني لمجاميع قتالية للسلفية الجهادية تدعو فيه الى مقاومة الإحتلال والدعوة العلنية لأئمة الجوامع السنية الى الجهاد.
تعامل كلا الطرفين بعقلية السابق فالمعارضة السابقة بدت وكأنها تخشى هروب أعدائها السابقين من العدالة وتصرفت بعقلية المعارضة ذاتها.. فالهدف الذي كان من الصعوبة الوصول اليه بات في متناول اليد، كما تعامل رجالات صدام بعقلية القتل على الشك والظن ذاتها التي كانوا يسفكون دماء الأبرياء على أساسها فكل من يمت الى تلك الأحزاب بصلة بات هدفاً مشروعاً لهم، حتى الجيش والشرطة أصبحوا هدفاً لهم لأنهم يخدمون في حكومات (عملاء الإحتلال) وفي الحقيقة فهم يظنون أنها تحمي تلك الأحزاب.
القراءة المعقدة للوضع العراقي ومتوالية القتل الهندسية فيه المستمرة تشي بحقيقة لا مراء فيها وهي قصور الرموز التي تتحكم بمصير الشعب العراقي ، وليس أفصح من الدم المراق في فضح هذه الحقيقة .
إن المؤتمر الدولي (فيما لو عُقِد) سيفرض وصاية على قاصرين .. علَّ هذه الوصاية تعطي الفرصة الى الجيل الثالث من الساسة العراقيين المغيبين الذين لاينتمون الى (حقبة الحرب الماضية) فلا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء .. ومن هذه الناحية يمكن القول إن المؤتمر يمثل ضوءاً في نهاية النفق المظلم .. وإلا
فسيستمر القتل تحت عباءة الوطن الذي لا سيادة فيه إلا للسلاح وحده.
بغداد
باسم السعيدي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة.. الجيش الإسرائيلي يدعو السكان لإخلاء شرق رفح فورا


.. إسرائيل وحماس تتمسكان بموقفيهما ولا تقدم في محادثات التهدئة




.. مقتل 16 فلسطينيا من عائلتين بغارات إسرائيلية على رفح


.. غزة: تطور لافت في الموقف الأمريكي وتلويح إسرائيلي بدخول وشيك




.. الرئيس الصيني يقوم بزيارة دولة إلى فرنسا.. ما برنامج الزيارة