الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انقراض السياسة في المجتمع

يوسف العادل

2006 / 12 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


الانقراض يعني زوال المنقرض( العضوية، سواء أكانت بشراً، أوكائنات أخرى) عن مسرح الحياة، وجوداً واستمراراً، وهنا وائتلافاً مع العنوان سنتعقب الانقراض بشكل عام لدى البشر ولابد هنا من معاينة أوجه الحياة لديهم، وبالتالي صنوف النشاط والعمل والإنتاج الاجتماعي الذي يزاولونه تحت سقف التقسيم الاجتماعي للعمل وتبادل السلع واستهلاكها لإعادة إنتاج الحياة في المجتمع وتجددها واستمرارها،( وهنا يمكن القول)، منعها من الانقراض وذلك بتوقف أحد مرتكزي الحياة الاجتماعية،أي توقف أحد الإنتاجين، الإنتاج المادي(إنتاج مقومات منطلق الحياة واستمرارها من سلع المأكل والملبس والمشرب والمأوى وغيرها)، والإنتاج التناسلي(تجدد وتكاثر الجنس البشري والمجتمع واستمرار وجوده .أي أن وجود البشر واستمرار حياتهم رهن بهذين الإنتاجين، وغير ذلك فهو الانقراض.
والانقراض بهذا المعني يصلح إطاراً نظرياً لقراءة مختلف أوج النشاط الاجتماعي، لا سيما النشاط السياسي الذي لابد أن يمارس في إطار عضوية سياسية تجمع الناشطين الذين عليهم أن ينتجوا السلعة السياسية، بما هي سلعة وعي إصلاح أو تغيير حسبما يريده لها منتجوها، ثم عليهم أن يسوقوا هذه السلعة لاستهلاكها اجتماعياً، عبر حقن الوعي الاجتماعي(وعي الناس) بمضمونها ودلالاتها، لإعادة صياغة هذا الوعي وبلورة اتجاهاته كمحصلة لتعدد أوجه العمل السياسي وتياراته وقواه وإنتاجه وسلعه الفكرية ودينامكية التنافس الخلاق الحيوي بين المنتجين، الذين يتحدد مصيرهم العضوي، وجوداً وعدماً(انقراضاً)، بقدرتهم على الإنتاج والتبادل والتوزيع وصولاً إلى استهلاك السلع الفكرية السياسية وتمثلها في المجتمع الذي يلعب أفراده دوراَ حاسماً ومصيرياً في رواج وكساد وازدهار وإفلاس كل أطر الإنتاج الاجتماعي وبضاعته، ودور المجتمع(المستهلك للسلع) دور استفتاء حقيقي، للمنتج( بكسر التاء) والمنتج( بفتحها)، أي أن الناس ينتخبون منتجيهم،ويضعونهم على مسرح الحياة ممثلين لهم بما ينتجون،(من إبرة الخياطة وحتى البيان السياسي)، ويفترض هناأن تفلس وتغلق دار صناعة الإبر مثلا،(تنقرض الدار) بموت سوق تصريفها ، ويتم البحث لدوام التجدد لأفراد المهنة عن الاشتراك في نشاط اجتماعي آخر،وكذلك الأمر حينما تتنامى الحاجة لسلعةٍ وتفقد هذه السلعة لسبب ما، فتثير القلق لدى الناس ، ويتأسس عنصر الاضطراب والقلاقل الاجتماعية،التي تنطلق حينئذٍ محكومة بظروفها المألوفة.وهنا نجد أنفسنا أمام نخبة الإنتاج الاقتصادي مثلاً، وقد تشكلت في سياقها الحيوي العضوي، حيث حاجة المستهلك، تتطلب وجود المنتج، فيوجده.
لكن الغرابة في أن نخبة الإنتاج السياسي في بلادنا،(موالاة ومعارضة، في الحكم وخارجه) لاتفلس ولا تنقرض سواء بركود وكساد إنتاجها كحالة النخب الحاكمة وأدبياتها ورزقها الإيديولوجي التخبيلي،التضليلي،الذي يغذي وظيفة الطغيان التي يديرها النظام الحاكم أساساً, أوبقلة إنتاجها، كحالة النخب المعارضة وعدم وصول هذا الإنتاج إلى مستهلكه، سواء أكانت الأسباب تتعلق بحالة الاستبداد المانع للربط بين قوى المعارضة وبين الجماهير(السوق الحقيقي للمعارضة) أو تتعلق بضعف الحالة الإنتاجية(ضعف المعارضة لأسباب تكمن في جملتها التاريخية).
وأعتقد أن فك لغز هذه الغرابة-المفارقة له صلة بعملية التماهي والاستلاب داخل العملية الإنتاجية بين الكائن الشخصي(عضو هذه العملية) وبين الكائن الاعتباري(إطار هذه العملية)، لذلك لايتم الإفلاس الاعتباري(وإغلاق الدار)، إلا بالإفلاس الشخصي(الموت)،وهنا إذا ماتتبعنا حالة المعارضة الديمقراطية السورية، ككائن اعتباري(إطارات عمل) فسنجد أنها لن تفلس إلا بتناقص عدد أعضائها وتزايد أعمارهم (موتهم الشخصي أطال الله في أعمارهم)، رغم أن عوامل الإفلاس(الانقراض الاعتباري) قائمة من خلال المؤشرات التالية، وبدلالة ماسقناه من إطار نظري:
1. على صعيد ( إطار المعارضة) الفكري السياسي الإيديولوجي، فإن هذه المعارضة( لأسباب لسنا بصددها الآن) لم تفلح تاريخياً في أي تأطير يغذي ويسند مشروعية وجودها التاريخي كتمثيل جماهيري نقيض للنظام الحاكم، وكحالة إنتاج معنوي(فكري، سياسي، إيديولوجي)، تقوم وتتوثق علاقتها بالمجتمع، من خلال صيرورة إنتاجها ضرورياً ضرورة وجود للمجتمع، (كالخبز والماء والكهرباء وغيره).
2. مادام إنتاج هذه المعارضة غير موجود، بغياب إطارها المنتج، فإننا لن نعثر لها على أية روابط اجتماعية(خارج الروابط التقليدية، العائلية وغيرها)، وبالتالي تكون المعارضة، قد أنجزت بفعل عجزها الذاتي، عن إنتاج نفسها، جزءً من مهمة انشقاقها عن المجتمع، ليكمل النظام الحاكم بآليات الاستبداد المجهزة، إنجاز كامل المهمة(الانشقاق)، وتلاقي المعارضة حينئذٍ مصيرها في الخلع من المجتمع، وهي بذلك (بهذا الإنشقاق) ستفقد بالضرورة عوامل وعناصر تجددها باستقطاب أجيالاً شابةً تتكاثر فيهم أمة المعارضة، بعد موت الشيوخ،إنه مأزق المعارضة الوطنية الديمقراطية السورية.
وإذا كانت هذه المعارضة مصرة على الهروب من توصيف مصطلح الإفلاس الاعتباري، فإننا نرفع لها القبعة حتى في وجودها المعنوي، ويبقى لأفرادها قاماتهم ودورهم الحيوي في الإنتاج الفكري الفردي،كالأفران التي تشد قلب المواطن إلى رغيف الحياة، الأقوى من الحاكمين.
هاقد قد غابت سلعة السياسة عن قطاع النظام الحاكم، وقطاع المعارضة، وقد يكون ذلك مؤشراً على انقراض السياسة في مجتمعنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جامعة كولومبيا تلغي حفل التخرج الرئيسي جراء الاحتجاجات المؤي


.. بالمسيرات وصواريخ الكاتيوشا.. حزب الله يعلن تنفيذ هجمات على




.. أسقط جيش الاحتلال الإسرائيلي عدداً كبيراً من مسيّراته خلال ح


.. أردوغان: سعداء لأن حركة حماس وافقت على وقف إطلاق النار وعلى




.. مشاهد من زاوية أخرى تظهر اقتحام دبابات للجيش الإسرائيلي معبر