الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الحلقة الثالثة: فصل من كتاب دايان ميروفيتش هبوط سعر النفط خلال حرب البوسنة:
جعفر عبد المهدي صاحب
متخصص أكاديمي في شؤون منطقة البلقان
(Jaffar Sahib)
2024 / 11 / 7
مواضيع وابحاث سياسية
الحلقة الثالثة: فصل من كتاب دايان ميروفيتش
هبوط سعر النفط خلال حرب البوسنة:
لقد هبط سعر النفط في السوق العالمية نتيجة للعلاقة الطيبة بين أمريكا وكل من العربية السعودية وإيران خلال التسعينيات من القرن الماضي. فخلال حرب البوسنة هبطت أسعار النفط وأخذت تتحرك بحدود (20) دولاراً للبرميل الواحد . وهو سعر متدني جداً (خصوصا إذا تمت مقارنته مع الأسعار السائدة اليوم). وأحرز الاقتصاد الأمريكي وفق تلك الظروف تقدماً. وقد كتب بل كلينتون حول الانتعاش الاقتصادي للولايات المتحدة من جراء الحرب في تلك الفترة (طبعا بعد القتل والتدمير في البوسنة) قائلاً : "لقد تم إيجاد (8) مليون فرصة عمل وهذا رقم قياسي، وفتح عدد من المعامل في غضون ثلاث سنوات، وكانت مبيعات منتجي السيارات الأمريكيين قد تفوقت على مبيعات المنافس الياباني. وهذا ما حصل لأول مرة في أمريكا منذ عام 1970". وأضاف كلينتون: "سيتم تقليل الضرائب التي تقع على كاهل كبار الأغنياء الأمريكيين، أما الطبقة الوسطى فسوف ترجع لهم النقود المدفوعة من قبلهم لضريبة البنزين وسوف يحصلون على قروض قليلة الفوائد وسيحصل الطلاب على قروض الشراء". إذن إن رخص الطاقة الآتية من الشرق الأوسط سيؤدي بشكل طبيعي إلى تحريك الاقتصاد الأمريكي وسيؤدي إلى تشغيل وإنعاش الاستهلاك الفردي.
قد سجل النظام الأمريكي الاحتكاري الطفيلي وبفضل المكائد أسعد أيامه بتحقيق الحفاظ على الأمن الاجتماعي واستمرار الحصول على الأرباح التي اكتسبتها الشركات الخاصة المتعددة الجنسيات.
ينبغي أن نتوصل إلى أن الولايات المتحدة وألمانيا ليست الدولتان الوحيدتان التي اشتركتا في هذه المسخرة الدولية بل أن فرنسا التي كانت مستقلة أيدت وبشكل أعمى سياسة واشنطن المنافقة وحلفائها.
فرنسا والكيل بمكيالين: صرح وزير الخارجية الفرنسي (الن جيبه) وبشكل علني أيام الحرب الأهلية في البوسنة بأن مساعدة نظام سراييفو سيفتح " إمكانية خلق شعور التسامح والانفتاح مع الإسلام. إن الجنرال بير غالوا قد علق بمرارة على خيار دعم باريس المنافق للمسلمين في سراييفو والتي يأمل منه مسح جرائم الغرب في الشرق الأوسط. كيف يوضح هذا الجنرال للناس ما حصل للعراقيين المسلمين وللصرب الارثودوكس. إن الجنرال ديغول الذي يدعون الانتماء إليه ليس له وجود فأن نبالة باريس منذ (20) عاما أصبحت مجرد ادعاءات .
بطرس غالي: من النادر أن تجد مسؤولا دوليا مثل غالي استطاع أن يلفت النظر حول المعايير المزدوجة التي ينتهجها الغرب. وفي هذه الحالة فأن من يقدم على نقد الغرب سيواجه حتماً ردود فعل من قبل الولايات المتحدة تتضمن النقد أو الإبعاد عن المنظمة الدولية (والولايات المتحدة مهيمنة تماماً على مقدرات الأمم المتحدة).
ويذكر هولبروك بأنه كان غاضباً على بطرس غالي " لأن غالي أثناء إحدى زياراته لسراييفو عام 1992 أدلى بتصريح صدم فيه الصحفيين، وتزامن ذلك مع وصولي إلى سراييفو المحاصرة ". وان التصريح الذي أزعج هولبروك هو قول بطرس غالي: "الحرب في البوسنة هي حرب الناس الأغنياء، إنني أتفهم عدم رضاكم ولكن الوضع لديكم هنا أفضل من عشرة مواقع أخرى في العالم، ومن الممكن أن أقدم لكم كشفاً بأن البوسنة تبتلع جزء من الميزانية المخصصة لأماكن أخرى من العالم تتقدم على البوسنة من حيث الأولوية ولكن جريان الأمور بهذه الصورة وبسبب البوسنة يتعرض كل نظام الأمم المتحدة للخطر" .
إذن افسد بطرس غالي الخطة الأمريكية التي ادعت بأن مشكلة البوسنة تمثل المشكلة الرئيسة (رقم واحد) على كوكب الأرض.
لاهاي: تم تشكيل المحكمة الدولية الخاصة في لاهاي على اثر الحرب الأهلية في البوسنة وذلك بهدف ان تظهر أمريكا بأنها "حامية حمى الإسلام". وتم اختيار بعض القضاة من دول الشرق الأوسط الموالية للسياسة الأمريكية مثل مصر، إذ وضع رجال القانون المصريون في تقريرهم الذي يحمل عنوان "تقرير عن المسؤولية السابقة للصرب عن الجرائم الخطيرة في البوسنة . واقل ما يوصف هذا التقرير ومن خلال عنوانه بأنه مسخ وبدون معنى. وكأنه وضع حسب المذاق الأمريكي.
وفي هذا الإطار كانت أول قضية كبيرة تطرح أمام المحكمة ضد واحد مجهول من صرب البوسنة وهو( دوشان تاديتش) والذي اتهم بجرائم حرب ضد المسلمين وأنه كان يعمل وفقاً للإرشادات والتوجيهات السياسية لبلغراد وبالي (معقل صرب البوسنة). وبناءً على قضية تاديتش الضبابية من الناحية القانونية انطلقت المحكمة في توجيه بقية الاتهامات ضد الصرب باستمرار من ذلك الوقت إلى يومنا هذا.
وأخيرا كشف هولبروك بأن هذه المحكمة المسماة بالمحكمة الدولية قد تم تشكيلها من اجل تنفيذ السياسة الأمريكية قائلا: "انطلاقا من هدف دعم عمل المحكمة، وتقوية دورها جاءت زيارة مادلين أولبرايت في الأيام الأولى من افتتاح جلساتها، فإن وزيرة الخارجية قد سعت من أجل تلميع صورة المحكمة. وسعت أيضاً من أجل رصد الأموال لها وهناك دول أخرى قدمت مساعدات كبيرة للمحكمة. إن هذا يظهر بأن المحكمة عبارة عن وسيلة ذات قيمة سياسية، وفي بعض الأحيان كانت هناك ضغوطاً تمارس على قضاتها .
إيران والأزمة البوسنية: قام المسؤولون السعوديون والإيرانيون وكذلك وسائل إعلامهم بترديد ما تشيعه وسائل الإعلام الغربية الصاخبة (وأحياناً الهسترية). إذ أخذت وسائل الإعلام تلك تصور مشكلة البوسنة بحجم وضع قضية للقدس، أو بوزن قضية اللاجئين أو القضية العراقية. وكان الإعلام السعودي والإيراني يركز على مقارنات وتشبيهات عديمة المعنى كالقول بان( 1.3) مليون صربي (صرب البوسنة) يتحدون ( 1.2) مليار مسلم في العالم. وبنفس الأسلوب يطلق الرئيس رافسنجاني "الشاه الجديد" كما يسمى في إيران، تصريحاً بمناسبة موت احد "المجاهدين" الإيرانيين في البوسنة فيقول: "إن شعبنا فخور لأنه قدم شهيداً في البوسنة والذي دفع بنفسه إلى هناك لنجدة الشعب البوسني. إن هذا وسام فخر لنا جميعاً. فعندما نعطي هذا الشهيد فإننا نستطيع أن نقول وبكل حرية للعالم الإسلامي بأن الجهاد في سبيل الله لا يجعلنا نتقيد بالحدود الجغرافية لبلادنا، بالرغم أن الطريق إلى البوسنة أصبح مغلقاً ونواجه العديد من المشاكل خلال إرسالنا للمساعدات . وأعلنت الحكومة الإيرانية بأن الحرب الأهلية في البوسنة تعد "ثاني اكبر معركة للإسلام". وإن وزير الخارجية الإيراني محمد اكبر ولاياتي حاول (وفشل بمحاولته) أن يزور سراييفو عبر كرواتيا في نوفمبر عام 1992. وأعلنت الصحف الإيرانية عن مقتل إيرانياً في البوسنة عام 1994 وقام مسؤولون بوسنيون، في تلك الفترة ، بزيارة طهران مع ضخ سياسي إعلامي كبير.
أمريكا حامية للإسلام لدى الإيرانيين: وفي هذا المجال أطلقت الدعايات الإعلامية المستمرة التي تصور عمليات الاغتصاب الجماعية المنظمة الرهيبة والمزعومة ضد النساء المسلمات البوسنيات التي قام بها أفراد قوات صرب البوسنة. مثلا إن صحيفة (جمهوري إسلامي) الإيرانية كتبت عام 1994 بأن: "الصرب اغتصبوا مالا يقل عن (33000) مسلمة" . وكانت الحكومة الإيرانية قد أرسلت عدة طلبات إلى الدول الغربية من أجل الإذن في للسماح لدخول الجيش الإيراني البوسنة والهرسك والمساهمة في الحرب لنصرة المسلمين. ومعلوم ان هذه الخطوة الإيرانية قد تم اتخاذها لأسباب دعائية فقط لأن الإيرانيين يعرفون جيداً بأنهم كانوا بحالة لا تسمح لهم من الناحية الفنية العسكرية لتحقيق طلبهم المزعوم. إن هذه الخطوة الدعائية تم استثمارها لغرض إلهاء الرأي العام الإيراني عن المشاكل الداخلية الإيرانية آنذاك.
يقول رافسنجاني: "هناك في البوسنة أمة متمسكة بتقاليد الإسلام العريقة، وهي تواجه في بلدها البوسنة حرب إبادة عرقية بسبب تمسكها بالإسلام. إن المسؤولين الرسميين في البلدان الإسلامية ناشدوا الغرب أن يتدخل بهذه الحرب وأن لا يترك الصرب بأن يستمروا بجرائم التصفية العرقية ضد المسلمين. فإذا كان الغرب ليس مستعداً للتدخل ووقف الحرب عند ذاك ينبغي عليهم أن يفتحوا الطريق للشباب المسلم وللمجاهدين الإيرانيين لكي يتدخلوا ويساهموا في الحرب وفي طرد الصرب من هذا البلد الإسلامي .
إذاً هذه رسالة غير مباشرة للشعب الإيراني تفيد بأن الأمريكيين البغضاء يمكن أن يكونوا "جيدين" في ما إذا سمعوا "نصيحة" إيران وقصفوا "الأشرار" الصرب في البوسنة. (وهذا ما حصل فعلاً عام 1994 وعام 1995).
لقد حصلت هذه الأحداث وهذه التحركات الإيرانية تجاه الولايات المتحدة بعد عدة سنوات من موت الخميني، إذ بدأ حكام طهران الجدد التحرك والتنسيق مع الولايات المتحدة (ليس بشكل علني واضح ولا بشكل مستور تماماً) تلك الدولة التي كافح ضدها مؤسس الجمهورية الإسلامية الخميني طيلة حياته.
إن السبب الظاهري والمعلن هو البوسنة ولكن السبب الحقيقي هو المصالح السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط.
العربية السعودية والبوسنة: حاولت العربية السعودية أكثر من إيران وبشكل علني أن تبرر سياسة الولايات المتحدة، وأن ترد اعتبارها في البلقان. ولذالك فأن وزير الدفاع السعودي (وهو الشخص الثاني في تلك المملكة) الأمير سلطان قد اجتمع عام 1995 مع الرئيس كلينتون ووزير دفاعه وليام بيري. وجاء في الإعلان الذي أعقب الاجتماع بأنه تم عقد اتفاقية حول شراء بضع عشرات من الطائرات الأمريكية تقدر قيمتها بعدة مليارات من الدولارات. وتضمن الاجتماع مناقشة قضية القدس وفلسطين والبوسنة. ولم يوضح البيان كيف أصبحت قضية البوسنة بمستوي القدس وفلسطين؟ وتحدث الوزير السعودي عن العلاقة بين الأزمتين البوسنية والشرق الأوسطية ووصف مواقف الرئيس كلينتون حول القدس والبوسنة بأنها" شريفة ونبيلة" .
وقال الأمير سلطان بعد اللقاء مع كلينتون بأن الرئيس الأمريكي قد أظهر درجة عالية من التفهم " للقضايا العربية والإسلامية عموماً". وإن الأمير سلطان أعلن تأييده لقصف صرب البوسنة، وإن التدخل في البوسنة "بقيادة الولايات المتحدة والناتو" هو الرد العادل الذي يســتحقه الصرب.
أما وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل، وخلال تجمع دول عدم الانحياز عام 1995 فأنه أخذ يربط بين مواضيع لا رباط بينها وأوضح لزملائه بان العربية السعودية "تساعد ضحايا العدوان" كما في حالة الكويت عام 1990 أو البوسنة عام 1995. وإضافة إلى أن الرياض تدعم النضال المستمر للفلسطينيين وحقوقهم المشروعة . وقد تطرف الأمير تطرفاً واضحاً في مدحه لاتفاقية أوسلو عام 1993 ومحادثات مدريد عام 1991، أي أنه بالغ في مديحه لمفاوضات السلام الفلسطينية-الإسرائيلية. ومعلوم إن تلك المفاوضات كانت برعاية أمريكية، ويبدو أن هدف فيصل تلميع صورة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، إذ أنه ظهر بمظهر المسوق للدعاية الأمريكية. ومن المثير للانتباه إن فيصل عبر عن "قلقه" للأوضاع في كوسوفو وحالة الأقلية الألبانية هناك. علماً بأن الوضع في الإقليم (عام 1995) كان هادئاً ولم تظهر مشاكل فيه إلا بعد ثلاث سنوات.
ومن الممكن أن نطرح السؤال التالي: هل كان وزير الخارجية السعودي لديه علم الغيب بما سيحصل في كوسوفو بعد ثلاث سنوات أم ان "أصدقاءه" الأمريكان قد زودوه بما سيحصل في البلقان مستقبلا ؟
المشاورات بين الرياض وواشنطن حول أسعار النفط خلال حرب البوسنة:
عقدت خلال الحرب الأهلية في البوسنة والهرسك عدة مباحثات بين الولايات المتحدة والعربية السعودية بشأن الأسعار العالمية للنفط. فعلى سبيل المثال إن واحداً من تلك الاجتماعات عقد في النصف الثاني من عام 1995. وحظر ذلك الاجتماع ممثلو الشركات الأمريكية الخاصة ووزير النفط السعودي. وكانت من نتائج الاجتماع بقاء أسعار النفط خلال تلك الفترة دون مستوى (20) دولاراً للبرميل الواحد.
المجاهدون: لم يتواطأ الحكام السعوديين والإيرانيين نفطياً وإعلاميا فقط مع الولايات المتحدة بل استغلوا الحرب الأهلية في البوسنة لكي تحل من قبل أتباعهم المتطرفين والأصوليين. وقد نظمت ما يطلق عليها جسور جوية وأرضيه من الشرق الأوسط إلى البلقان حيث تم نقل آلاف ممن يطلق عليهم بالمجاهدين المتحمسين للقتال. وحسب المعلومات التي أدلى بها وزير الدفاع الأمريكي (وليم بيري) ساهم (10000) من المجاهدين في حرب البوسنة( ). وفي سراييفو تم الإعلان رسمياً عام 1999 عن منح (11000) أجنبي الجنسية البوسنية من الذين اشتركوا في الحرب الأهلية .
لقد أدت الدعاية إلى غسيل مخ هؤلاء المتطوعين اللذين صور لهم بأنهم يناضلون لحماية المسلمين في البلقان. ولكن في الحقيقة أن قتالهم كان من اجل موضوع آخر وهو إسلام تلك الدول الذي اسماه الخميني "الإسلام الأمريكي" وهكذا وصلت الحالة إلى هذه الدرجة من السخف. فبدلا من النضال ضد أعداء الإسلام الحقيقيين الأمريكان وإسرائيل في الشرق الأوسط فإنهم توجهوا من مختلف دول العالم الإسلامي ليتدربوا على أيدي الضباط الإيرانيين وليموتوا من أجل المخططات الأمريكية في البوسنة من خلال قتالهم ضد الصرب.
إنهم، في الحقيقة، لا يعلمون شيئاً عن دوافع الحرب في هذه البلاد لأنهم لم يكونوا في البوسنة من قبل ولم يعرفوا جذور المشكلة. و صور لهم بأن الصرب قد غزوا البوسنة ولم يعرفوا أنهم يدافعون عن وطنهم ويعيشون على ارض أجدادهم منذ عدة قرون. وإن الذين دفعوهم إلى الحرب هم الأمريكان أنفسهم الذين اغتصبوا الأرض العربية والثروات في الشرق الأوسط.
من المناسب القول بأن إحدى النتائج المأساوية في هذا المجال أن واشنطن قد عملت خطة جهنمية من أجل خلق عداء مابين الارثودكس والإسلام. وهذا العداء المفتعل سيكون فقط لصالح أمريكا وإسرائيل في المدى البعيد.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. اجتماع العقبة ..أي أهمية للأردن والمحيط الإقليمي لسوريا؟
.. طائرة شحن روسية تغادر قاعدة حميميم في سوريا إلى ليبيا
.. هل ينتقل سيناريو سوريا إلى العراق؟ | #ملف_اليوم
.. صور حصرية توضح اعتراض شاحنات المساعدات عند نقطة تفتيش جديدة
.. استئناف العمل بميناء اللاذقية التجاري