الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من النجاة الى القيادة

نورهان حجي علي

2024 / 11 / 7
حقوق الانسان


من النجاة الي القيادة

في الثالث من أغسطس 2014، نظم تنظيم داعش هجومًا وحشيًا على المجتمع الإيزيدي في سنجار، العراق. استهدف هذا الهجوم الإبادة العرقية والدينية للإيزيديين، وخاصة النساء والأطفال، في محاولة لإزالة وجودهم الثقافي والديني. تعرضت النساء بشكل خاص لانتهاكات جسيمة من قبل التنظيم، حيث تم اختطاف آلاف النساء والفتيات واستغلالهن وإجبارهن على العبودية الجنسية. ونتيجة لهذا العنف، شُردت العائلات وفُقدت الأرواح وتعرض المجتمع الإيزيدي لأزمة وجودية.
وثقت المؤسسات الدولية هذه الأحداث، ووصفتها بجرائم إبادة جماعية ضد الإنسانية. وبالرغم من هذه المآسي، كانت هناك نساء ممن نجون من تلك الفظائع وتحدين الصعاب، ليصبحن قادة ورموزًا للمقاومة والأمل في مجتمعاتهن.
يهدف هذا التقرير إلى تسليط الضوء على قصتين من النساء الإيزيديات اللاتي عانين من ويلات السجون والانتهاكات على يد داعش، لكنهن تحدين الألم وتحولن من ضحايا إلى قائدات. سيروي التقرير قصتين من هاؤلاء النساء من خلال تجاربهن، وسيبرز كيف استطعن بناء حياة جديدة وإلهام مجتمعهن على الرغم من الصعوبات التي مررن بها.
نادية مراد
نادية مراد هي أيزيدية عراقية وناشطة حقوقية حصلت على جائزة نوبل للسلام، بعدما نجت من واحدة من أكثر التجارب القاسية في حياتها. في عام 2014، اقتحم تنظيم داعش قريتها، وأسروا العديد من النساء والفتيات، بما في ذلك نادية، حيث تم أخذها كرهينة وتعرضت للعنف الجسدي والنفسي. كان الهدف من هذا التعامل هو تدمير الروح المعنوية للأقلية الأيزيدية وطمس هويتهم.
لكن نادية لم تستسلم. بعد عدة أشهر من الأسر والمعاناة، استطاعت الهروب، مما كان بداية جديدة لها في حياتها، لكن بنظرة ثاقبة نحو هدف أسمى. انتقلت نادية إلى ألمانيا حيث بدأت تروي قصتها للعالم، وأخذت على عاتقها مهمة رفع صوت الناجيات من العنف وضحايا الاتجار بالبشر. استغلت تجربتها الشخصية المأساوية كوسيلة لزيادة الوعي بقضية الأيزيديين، وخصوصًا النساء اللواتي تعرضن للاستعباد والاستغلال من قبل داعش.
بمرور الوقت، أصبحت نادية رمزًا عالميًا للنضال من أجل حقوق الإنسان وقيادة قوية في قضية الناجيات. نالت جائزة نوبل للسلام عام 2018، لتصبح واحدة من أقوى الأصوات في العالم ضد العنف الجنسي، ولا تزال تعمل بلا كلل لتحقيق العدالة لأولئك الذين عانوا من ويلات الحروب والانتهاكات
ليلي تعلو
في قصة ملهمة، أصبحت ليلى تعلو، الناجية الأيزيدية، رمزًا للسلام والمساواة بعد حصولها على جائزة الأم تيريزا للسلام والمساواة. جاء هذا التكريم ليعبر عن احترام وتقدير لكل الأيزيديين وللخيرين الذين وقفوا إلى جانبهم خلال محنة احتلال شنكال في 2014. تُمنح هذه الجائزة للأفراد والمنظمات التي تدعو للسلام، العدالة الاجتماعية، والمساواة، وتُشجع على تعزيز التعايش السلمي. تأسست جائزة الأم تيريزا عام 2005، وهي تكرّم الأشخاص الذين يسعون لنشر قيم العدالة والسلام.
عاشت ليلى تجربة قاسية إذ بقيت في أسر تنظيم داعش الإرهابي لأكثر من سنتين، إلى أن تحررت في مدينة الرقة. بعد تحريرها، قرر شقيقها، الكاتب الأيزيدي خالد تعلو، توثيق قصة معاناتها في كتاب عنوانه “ليلى وليالي الألم”، الذي تُرجم إلى عدة لغات، منها العربية، الكردية، الإنجليزية، واللاتينية، لينقل للعالم رسالة صمود ليلى وألم شعبها.
تم منح ليلى الجائزة في حفل رسمي بمدينة مومباي الهندية، وبعد استلامها الجائزة، عادت إلى المخيمات التي يعيش فيها آلاف النازحين الأيزيديين في ظروف قاسية منذ سنوات، حيث تدهورت أوضاعهم بشكل ملحوظ دون تحرك فعّال من الجهات الحكومية أو الدولية.
أعرب خالد تعلو عن أن هذه الجائزة تمثل دعمًا معنويًا كبيرًا لليلى ولكل الأيزيديين، لكنها لا تنهي معاناتهم. لا تزال ليلى تعيش في الخيام مع أطفالها، فيما يستمر الأيزيديون في انتظار يوم تعود فيه حياتهم لطبيعتها، آملين في جهد حقيقي من الجهات المعنية لوضع حد لهذه المعاناة
تعويض الناجيات الايزيديات
في خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة للناجيات الإيزيديات اللواتي عانين من ويلات الإرهاب على يد عصابات داعش، أقر البرلمان العراقي قانوناً لتعويض الناجيات الإيزيديات، بهدف ردّ الاعتبار لهن وإعادة تأهيلهن في المجتمع. يمثل هذا القانون نقلة نوعية في التعاطي مع معاناة الناجيات وضمان حقوقهن في العيش بكرامة، خاصةً بعد تعرضهن لأبشع أنواع الانتهاكات التي ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية. يهدف قانون تعويض الناجيات الإيزيديات إلى تقديم الدعم والمساعدة لهؤلاء النساء اللواتي شهدن مآسي لا يمكن وصفها. يعترف القانون بمعاناتهن ويعمل على توفير التعويضات اللازمة لتمكينهن من العيش بكرامة وإعادة بناء حياتهن. كما يؤكد القانون على أن ما تعرضت له الناجيات يعد جرائم إبادة جماعية تتطلب إجراءات خاصة لضمان محاسبة مرتكبيها
يشمل القانون عدداً من المزايا والتعويضات للناجيات الإيزيديات، من بينها تخصيص راتب شهري يتم توفيره لكل ناجية، يساهم في توفير الاستقرار المالي لها ولعائلتها، ودعم الناجيات عبر تقديم فرص العمل والتأهيل النفسي والاجتماعي والمهني، لمساعدتهن على الاندماج في المجتمع واستعادة ثقتهن بأنفسهن. كما يوفر القانون للناجيات قطعاً من الأراضي السكنية مجاناً، كمساهمة في تأمين مسكن مستقر ودائم، ويمنح إعفاءات للناجيات من بعض القوانين الخاصة بالتقاعد والخدمة العامة، كما يُتيح لهن العودة إلى مقاعد الدراسة ويضمن توفير استثناءات تعليمية لهن في مؤسسات التعليم العالي
يؤكد القانون على عدم شمول مرتكبي الجرائم ضد الإيزيديات بأي عفو خاص أو عام، مما يعني التزام الجهات القضائية بملاحقة المتهمين وضمان عدم إفلاتهم من العقاب. يعامل القانون الجرائم المرتكبة بحق الإيزيديات كإبادة جماعية، ما يتطلب ملاحقة المتورطين فيها على المستويين الوطني والدولي، والتعاون مع المنظمات الدولية لإقامة الدعوى الجنائية وتحقيق العدالة
جاء هذا القانون بعد تصديق البرلمان العراقي عليه، واستجابةً لدعوات متعددة طالبت بضرورة الاعتراف بمعاناة الإيزيديات وضمان حقوقهن. بعد إجراء التعديلات المناسبة، أصبح القانون نافذاً، ليضع جزءاً من مسؤولية تحقيق العدالة على عاتق الدولة العراقية، ويشكل رسالة واضحة لرفض الظلم وتقديم الحقوق للمتضررين.
يمثل هذا القانون رسالة أمل لجميع الناجيات، حيث يعكس التزام الدولة بحمايتهن ورد حقوقهن المادية والمعنوية، ويعد خطوة نحو تحسين الواقع المعيشي لهؤلاء النساء. كما يؤكد على أهمية وضع حد لجرائم الإرهاب وحماية مكونات العراق المتنوعة، وضمان المساواة بين الجميع.
إن قانون تعويض الناجيات الإيزيديات ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو بيان بأن العراق يرفض الظلم ويسعى لتعويض من عانوا من الإبادة الجماعية. يهدف هذا القانون إلى ضمان أن يُعترف بمعاناة الناجيات، وتقديم الدعم اللازم لهن لتجاوز آثار الماضي الأليم وبدء حياة جديدة مليئة بالأمل والكرامة
الواقع الحالي للناجيات
يعتبر الواقع الحالي للناجيات ، وفقًا للمقابلات التي أُجريت معهن، جزءًا من مطالب المجتمع الإيزيدي والدولة، ويُعد بمثابة مناشدة للناجيات أنفسهن لتسليط الضوء على واقعهن الحالي. على الرغم من أن العديد من التصريحات الصحفية والبيانات قد نشرت لرفع الوعي حول قضية الناجيات، وتم تناول الموضوع من قبل العديد من المنظمات في اتجاهات متشعبة، إلا أن من المهم الإشارة إلى الدعم المستمر الذي تقدمه حكومة إقليم كردستان، عبر مكتب رئيس مجلس الوزراء، السيد نيجيرفان بارزاني، لمساعدة الناجيات ماديا بعد تحررهن. كما صرح السيد حسين كورو، مسؤول مكتب شؤون المخطوفين، في حديث صحفي لراديو زاكروس، أن الدعم المادي المقدم للناجيات يأتي فقط من مكتب رئيس حكومة إقليم كردستان، حيث تحصل كل ناجية على مبلغ مالي لمساعدتها في العودة إلى حياتها الطبيعية بعد تحريرها.
وفيما يتعلق بموقف الحكومة العراقية، انتقد السيد حسين كورو عدم تقديم أي دعم مادي للناجيات، مشيرًا إلى أن آخر الإحصاءات تؤكد أن ٦٣٨٧ شخصًا تم اختطافهم، غالبيتهم من النساء. من بين هؤلاء، نجا ٢٥٩٣ شخصًا، منهم ٩٣٧ امرأة و٣٢٦ رجلًا و١٣٣٠ طفلًا. أما البقية، فقد بلغ عددهم ٣٧٩٤ شخصًا، بينهم ١٩٤٠ امرأة.
ورغم هذه الإحصاءات، فإن متابعة واقع النساء الإيزيديات الناجيات من داعش تشكل تحديًا كبيرًا، بسبب توزيعهن في مناطق ومخيمات متعددة، بعضها رسمي وبعضها غير رسمي، في هياكل غير مكتملة البناء أو في مناطق نائية. تنتشر الناجيات في مخيمات مثل عربت، كوي، أربيل، آكري، شيخان، دهوك، زاخو، بالإضافة إلى المناطق المحررة مؤخرًا في شمال سنجار. لذا، يجب أن يستند أي تقييم لواقعهن إلى الوضع النفسي والاجتماعي لهن.
تُظهر المتابعة المستمرة أن الناجيات يعانين من ظروف صعبة بسبب قلة البرامج طويلة الأمد لتأهيلهن ودعمههن، وهو ما يتطلب مشاريع خاصة تستمر لفترات طويلة. ورغم أنهن يتلقين الدعم النفسي والطبي الأولي من خلال مركز دعم الناجيات الحكومي، الذي يوفر خدمات طبية ونفسية مجانية، فإن نقص الاستمرارية في الدعم يعد من أبرز التحديات. بعض المنظمات تقدم فرقًا جوالة لمتابعة أوضاع الناجيات، لكن هذه الخدمات ليست منتظمة، مما يسبب ارتباكًا في تلقي العلاج النفسي والاستفادة من الدعم.
من خلال المتابعة، لوحظ أيضًا وجود تقاطع في تقديم الخدمات، حيث تقوم بعض الأطراف بتقديم الدعم النفسي والاجتماعي دون الخبرة الكافية، مما يؤثر على نوعية الدعم المقدم. كما أن هناك مشاريع لا تستمر سوى لفترات قصيرة، مع وعود من منسقي المنظمات الذين لا يلتفتون دائمًا إلى مطالب الناجيات في تعزيز ثقتهن بالمجتمع.
في الختام، يظهر أن رحلة الناجيات الإيزيديات من سجون داعش لا تقتصر فقط على التحول من مرحلة المعاناة إلى النجاة، بل تتعداها إلى مسار طويل نحو القيادة والتأثير في المجتمع. قصص مثل قصة نادية مراد وليلى تعلو تبرز قوتهن وإرادتهن في تجاوز الصعاب، وتحويل آلامهن إلى محرك للتغيير. رغم الدعم المادي والقانوني الذي قدمته الجهات المعنية، لا يزال واقعهن الحالي يواجه تحديات كبيرة، ويحتاج إلى المزيد من الجهود المستمرة لضمان التأهيل النفسي والاجتماعي المستدام.
إن قانون تعويض الناجيات الإيزيديات يمثل خطوة مهمة في مسار العدالة، لكنه لا يكفي وحده لتحقيق الشفاء الكامل. إن المجتمع الدولي والمحلي مدعو لمواصلة العمل جنبًا إلى جنب مع الناجيات، لتوفير بيئة آمنة ومستدامة تساعدهن على بناء حياتهن من جديد. إن تحقيق التغيير الحقيقي يتطلب ليس فقط الاعتراف بالمعاناة، بل أيضًا تمكين هؤلاء النساء من أخذ دورهن القيادي في بناء مجتمعاتهن ومواجهة التحديات المستقبلية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة: غزة بها أكبر عدد من الأطفال مبتوري الأطراف با


.. قلق الفلسطينيين بعد توقف مساعدات الأونروا من كرم ابو سالم




.. بعد سيطرة المعارضة عليها.. كيف ترتبط حلب بملف عودة اللاجئين


.. الجامعة الأميركية بالقاهرة تحتفي باليوم العالمي لذوي الاحتيا




.. الأمم المتحدة تحذر من صعوبة الوضع بالسودان وتقول إن نحو 25 م