الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الأعدام وصدام حسين وذاكرتي

شاكر الناصري

2006 / 12 / 31
الغاء عقوبة الاعدام


من المؤكد أن صدام حسين كان طاغية ودكتاتورا ومستبدا متوحشا ومتعطشا للدم ونواح الابرياء ، ومن المؤكد أيضا أنه كان لايسعد بشيء او يحتفل قدرفرحته برؤية أنهار الدم التي تسيل بفعله وقراره وأرادته.
هذا الطاغية الدموي والمجرم البشع الذي أعدم فجر هذا اليوم كان قد اعدم أحب أحبائنا وأقرب الناس الى قلوبنا، أخوتنا ، أصدقاءنا، أو ممن كانوا من أبناء هذا البلد المدعو عراق.
لم يعذبهم كما قد يفهم من معنى العذاب والتعذيب، بل هو عذبهم لدرجة أنهم كانوا امام أختيار قاس ومرير ومميت في نفس الوقت، اما الاستمرار بعذاب لاتعرف له نهاية ما أو الاعتراف بكل شيء من محاولة أغتيال السيد الرئيس الى محاولة التحدث مع صديق عن مساوىء رجل أمن ما، غير ان كلا الطريقين يقودان الى الاعدام بالمشنقة او رميا بالرصاص. أحبتنا و أصدقاؤنا الذين نتحدث عنهم لم يكن يعنيهم كيثرا ان يعدموا شنقا او رميا بالرصاص، كان كل همهم الخلاص من عذاب لايطاق وأن كان الطريق الموصل الى ذلك هو الموت.
لم يكن في حسباني في لحظة ما أن اشاهد أنسان يجهز للاعدام وأن كان ذلك الشخص صدام حسين.
حين كنا صغارا وفي مدينة موبوءة بالفقر والبؤس ورجال الامن والاعدامات السرية كالناصرية، أشاعت السلطة خبرا عن أعدام أربعة رجال لاغتصابهم طفلا او مراهقا وأن علينا كأبناء هذه المدينة ان نتجمع فجرا لنشاهد عملية الاعدام ، شنقا حتى الموت بحق هؤلاء الاربعة، لانهم أرتكبوا جريمة هزت المدينة وجعلتها تعيش على وقع هذا الخبر ومتابعة ما يجري بقاعة المحكمة حين ذهبنا فجرا لم نشهد عملية أعدام للمتهمين، ربما لاننا وصلنا متأخرين وكنا أما وطفلين، بل وجدنا أربع جثث معلقة بحبال مربوطة الى مشنقة ولعلنا حفظنا أسمها من تلك اللحظة( مشنقة). ربما شغلنا أياما وأسابيع وأشهر نتحدث عن هذه الواقعة لكنها كانت حادثة علقت في مخيلة أطفال في تلك الفترة وأنا منهم.
حيت كبرنا كنا نتحدث أو نتحسر على أنسان ما ،عذب وأعدم ولم تكن تعنينا كثيرا شنقا حتى الموت او رميا بالرصاص غير أنه أعدم ومات لموقف ما أو أنه تفوه بكلمة ما تمس هيبة السيد الرئيس أو نائبه أو أنها تمس حزبه الموغل في الفاشية.
ونحن نواصل تقدمنا بالعمر او كبرنا الذي يقودنا الى الجحيم او المقصلة كان ثمة أختيار عسير _على الاقل لي شخصيا- بين أن تكون كما تريدك السلطة الفاشية أو أن تكون ضدها ، كنا نعلم أن الاختيار الثاني قاس ومرير ويقود الى نهاية كارثية فأخترناه وراح الاعز من الرفاق والاصدقاء عماد عبد الرزاق وحاكم محمد ضحايا له فيما عشنا نحن عذابا مريرا.
أدخلنا الحرب المدمرة، حرب طائفية وقومية بكل ما للكلمة من معنى، حرب بالنيابة عن قوى اخرى وجدت أن أرخص الدماء التي ستراق هي دماؤنا خصوصا بظل قائد أستسهل النصر والدعم الالهي وأنارت حولة أهلة العزة القومية المقيتة، في تلك الحرب فقدنا أحب أحبتنا ,وأعز أعزتنا، أخوتنا وأصدقاءنا ،أورفاقنا في الجيش أو حين نترقب الحرب على الجبهات البعيدة التي لنا فيها اخوة وأحبة وأصدقاء ورفاق كلمة وشركاء وطن. كنت أشاهدهم يتساقطون الواحد تلو الآخر –كما يقول مظفر النواب- وكنت أنتظر دوري لكن كما يبدو أنه قد تأجل حتى اشهد أكتمال فصول مأساتنا التي لاتنتهي.
لاأخفي شيئا حين أقول أني كنت فرحا بحكم الاعدام الذي صدر بحق صدام حسين وكل من شاركه في أرتكاب كل المجازر التي حلت بنا كعراقيين_ لعله سيطفىء نار تستعر بدواخلنا او ربما اكون أقرب الى الثأر، كنت فرحا أنهم سيلاقون مصير أحب الاحبة والاناس الاقرب الى قلبي وأصدقائي الذين أعدموا بدم بارد في دهاليز دوائر الامن والمخابرات أو الشعبة الخامسة-نهر الخر- أو الذين أعدموا في الرضوانية أو من الجنود الذين فروا من جبهات حرب لاتعنيهم، أو الذين أعدموا خلال القصف على مدن كاملة كالناصرية والسماوة وكربلاء او حلبجة والنجف ......الخ . هم لم يموتوا لان جيش السلطة كان يريد أستعادة هيبة سلطة منكسرة بيد أناس تحكمهم ، بل لان قرار أعدامهم قد صدر بأحراق وتدمير تلك المدن بما فيها ، ناسها ، أشجارها، دورها ، معاملها ومؤسساتها...الخ.
حين صدر حكم الاعدام بحق صدام حسين كنت أتمنى ان يكون مصيره كمصير أحبتي وأصدقائي وناسي عماد عبد الرزاق او حاكم محمد او محمد طارش او ثامر كحيوش او مهدي صالح و رياض خزعل وعباس حسن لفته..الخ كان يفرحني على الاقل أن صدام حسين كان سيعدم وسيموت كما مات أحبتي وأصدقائي ورفاقي أو كما ما كل عراقي ضحية حكم البعث ودكتاتورية طاغية دموي. لكن أمريكا وهي تداري مأزقها وفشلها الذريع سياسيا وعسكريا وستراتيجيا في العراق أرادت ان تقدم لنا أعدام صدام حسين كمحصلة او تعبير عن فشلها وأنعدام افقها بعد ان اوصلت العراق الى درجة الانهيار والحرب الاهلية وضياع مجتمع بأكمله. ربما يكون من قرأ بيانات وقرارات الاعدام أو من نفذ الحكم شخص عراقي وبالصفة التي تريدها له أمريكا كردي او شيعي أوسني غير انها في محصلة الاحوال قرارات أمريكية صرف . أمريكا وحكومة المالكي أرادت أن تقدم لنا أعدام صدام حسين دفعة واحدة وبلا مقدمات، صور وأخبار وحبل مشقة وملثمين وجثة هامدة ليطل علينا أفاق طائفي كموفق الربيعي –مستشار الامن القومي ولاادري عن أي أمن وقومي يتحدث غير انه حتما سعيد بمنصبه- ليقول لنا هذه نهاية دكتاتور العراق صدام حسين ، صور وأخبار وحديث عن اليات وضع حبل المشنقة على رقبة جلاد كان قد أبدع بوضعها على رقاب العراقيين، وأحاديث عن صبره أو أنهياره وكيف كان محترما لحظة أعدامه وكم كان سليط لسان(مشاداة كلامية كما قال موفق الربيعي).
اليس من حقنا أن نتسائل كيف كان مصير أحبتنا ، هل ألبسوهم كما البسو صدام ، هل خيروهم بين أن يضعوا على رؤوسهم الكيس الاسود من عدمه كما فعلوا مع صدام حسين ....ام هو درس لنا لكي نجهز أنفسنا لمرحلة آخرى سيكون الاعدام فيها أسهل من كل الاشياء.
قد يقولون أن أعدام صدام حسين سيكون نهاية لحقبة تاريخية دامية من تأريخ العراق الا أنه سيكون مفتتحا لحقبة أخرى تأريخية ودامية أيضا.
لكن الاهم من كل ذلك سواء أعلنت عن موقفي أو رايي بقضية اعدام صدام حسين من عدمه سيبقى حكم الاعدام هو أبشع العقوبات وأشدها وحشية ولا أنسانية وبل هي عقوبة معادية للبشرية وللوجود البشري وعقوبة لايمكن ان تكون بمستوى تطور الانسانية وأرتقائها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد أعمال العنف ضد اللاجئين السوريين في تركيا.. من ينزع فتيل


.. تركيا وسوريا.. شبح العنصرية يخيم وقطار التطبيع يسير




.. اعتقال مراهق بعد حادثة طعن في جامعة سيدني الأسترالية


.. جرب وحالات من التهابات الكبد تنتشر بين الأطفال النازحين في غ




.. سوريون يتظاهرون ضد تركيا في ريف إدلب