الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لم يعد وطني يجذبني

ماجد فيادي

2006 / 12 / 31
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


في أحد دروس تعلم اللغة الألمانية, ضمن برنامج اندماج المهاجرين في المجتمع الألماني, طرحت المدرسة سؤالاًَ على الطلبة, ما هو الوطن بالنسبة لكم؟؟؟
طالبة يابانية ( لم تكن من المهاجرين) تقول :. وطني هو عائلتي, فأنا مرتبطة بهم كثيراًَ.
طالبة كوبية ( متزوجة من ألماني) تقول:. وطني حيثما حللت.
طالب كردي ( من كردستان تركيا, وهو مهاجر لأسباب سياسية) يقول:. وطني هو ارضي في كردستان الكبرى.
طالب إسرائيلي ( من عرب فلسطين, جاء الى المانيا لدراسة الطب) يقول:. وطني عائلتي وارضي التي ولدت فيها.
طالب مصري ( متزوج من ألمانية عندما كانت في مصر) يقول:. وطني مصر, أم الدنيا.
طالبة نيجيرية ( متزوجة من ألماني ) تضحك وتقول باستحياء, لا ادري.
حينها وصل الدور لي, أجبت وطني الأول هو العراق حيث أهلي وأصدقائي, ووطني الثاني حيث أعيش وسط أناس يحترمون إنسانيتي, ويعاملوني دون تميز.
المدرسة:. هل ترغب بالعودة الى وطنك الأول ؟؟؟
بدوري أرمي الكرة في ملعبكم, هل عادة وطني ألاول كما اعرفه وأريد له ؟؟؟
أن يكون الوطن كما أريد فهذا مستحيل, لان الأوطان يصنعها المجتمع, والمجتمع متنوع بطبيعته, فكيف هو الحال بالشعب العراقي, المُسيس أصلا, لكن هل بقي وطني كما اعرفه ( على اقل حد ضمن دائرة معارفي وأقاربي ).
في الحقيقة, هاجر معظم أصدقائي الذين هم اقرب لي من عائلتي, وهاجر عدد آخر من أفراد عائلتي, آخرين اتخذوا مواقف سياسية غريبة, لم أتوقعها منهم, أصدقائي أيضا اتخذوا مواقف سياسية غريبة, تدل على ضيق أفق, لم اعرفه فيهم, والدي مازال ينقل لي الأخبار ويحللها كعادته منذ كنت طفلا, والدتي بدأت تدعوني للتوقف عن مزاولة العمل السياسي, وهي التي لم تمنعني أو تمنع أخوتي عنه, في زمن الدكتاتور.
هي تقول:.
كنا نعرف عدونا, فهو ألبعثي أو المنافقين ممن يسعون لنيل رضا البعثيين, من اجل الحصول على مكاسب مادية, أجهزة الأمن والمخابرات, التي لا تستخدم التمويه لإخفاء هويتها, أطفالنا ( خوفا من نقلهم لما يدور من حوار داخل العائلة), أما اليوم فليس للعدو شكل محدد, فهو بعثي يلغم السيارات, ومرة إرهابي من تنظيم القاعدة, وأخرى سفاح بلقب أمير, هو احد أفراد الاستطلاعات الإيرانية, هو احد أفراد الجيش العراقي المنحل تحول الى مجاهد بعد أن هرب أمام دبابتين أمريكيتين وسلم بغداد, هو احد أفراد جيش المهدي يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ( كأننا لا نعرف الدين), عدونا عصابات تعيش على السلب والنهب واخذ الفدية, عدونا ايران التي تمد جهات بالمال والسلاح من اجل إثارة المشاكل بوجه الأمريكان, عدونا سوريا التي تمد البعثيين والقتلة وتأويهم في دمشق لتمد الارهابيين من خلالهم بالمال والسلاح, بالضد من أمريكا, أمي تقول الجيش العراقي المنحل تحول الى مرتزقة بيد الارهابيين, والعاطلين عن العمل مستعدين للقيام بكل شيء من اجل الاستمرار بالحياة وإطعام أبنائهم, عدونا وبالرغم من انقطاع التيار الكهربائي, صار يقفز علينا من شاشات الفضائيات, عدونا الجيش الأمريكي بأفراده الخائفين على أنفسهم, وهم يقتلون كلمن يقوم بحركة لا تعجبهم, أو هو أمريكي مهووس جاء للعراق تلبية لرغبة في نفسه ( تدري ابني قبل فترة صدمت سيارة همر أمريكية سيارة والدك وذهبت دون أن تتوقف لتتأكد من سلامته), أما التخلف فقد صار ينمو أكثر كلما اشتد الإرهاب وانعدمت الخدمات, ابني أما المرض فقد تعودناه وهو يحصد أطفالنا منذ بدأ الحصار الاقتصادي, اليوم لا تستطيع أن تقول انك شيعي أو سني, أما إذا قلت انك شيوعي فأنت من المنسيين, يقتلوك الشيعة والسنة متعاونين على تنفيذ أمر الله بالامري بالمعروف والنهي عن المنكر.
أمي تقول أبني استر علينا, ( بعد أن عرفت أمي درب السجون والمعتقلات بحثا عن أبي وأخي وعمي) لم تعد لدي الطاقة كما كنت في شبابي.
لست هنا ابحث عن مسؤولية صدام في يوم إعدامه ( فقد ذهب الى مزبلة التاريخ قبل أن اكتب هذه الكلمات), كما لا ابحث عن مسؤولية أمريكا وهي تمارس رياضة الكاوبوي في العالم الجديد, إنما أخاطب بنات وأبناء بلدي وهم يستفيقون على إعدام الطاغية صبيحة يوم عيد الأضحى, الى أين انتم ذاهبون بوطني, الى متى تتعاملون بالحقد والقتل, الى متى تستمرون لعبة بيد الدول الأخرى, الى متى تتنكرون الى لغة العقل.

كنت قد سمعت بمقول مفادها, (مات الملك, عاش الملك) لكن العراقيون يقولون ( مات الملك, عاشت الملوك).
**هل ترغب بالعودة الى وطنك ؟؟؟ سؤال طرحته مدرسة اللغة الألمانية **








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف يتصرف الألمان عندما يمرضون؟ | يوروماكس


.. لمى الدوري: -العراق يذخر بالمواقع الأثرية، وما تم اكتشافه حت




.. الهدنة في غزة على نار حامية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مسلسل المانغا - بون- : وحدة تسافر عبر الزمن وتحي الموتى




.. -طبيب العطور- بدبي.. رجل يُعيد رائحة الأحبة الغائبين في قارو