الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة / أحصنة و بيادق

نواف خلف السنجاري

2007 / 1 / 1
الادب والفن


حين دخل صالة المطعم بوجهه المتجهم و عصاه التي يتوّجها رأس أسد مذهب، غطّت المطعم سحابة خوف و رهبة.. وقف صاحب المطعم و العمال صامتين و كأن طيرا حط فوق رؤوسهم، ثم انحنى الجميع فأسرع صاحب المطعم و افرغ جناح العوائل بأكمله.. دخل (الأستاذ) تتبعه ثلاث فتيات كعارضات أزياء، و ظل فريق حمايته خارجا يحرسون المطعم و يمنعون مرور المركبات في ذلك الشارع.. كان جميع من في الصالة في حالة تأهب و إنذار قصوى، فالزائر ليس شخصا عاديا انه مسئول كبير و احد أقارب (الرئيس).. جلس (الأستاذ)_ و لا ادري من أين جاءوه بهذا اللقب مع أنه لم يكمل دراسته الابتدائية!!_ و من حوله فتياته الفاتنات فقدم لهم العمال كل ما لذّ و طاب من مأكل و مشرب.. و بعد أن ملئوا بطونهم بالطعام الشهي و الشراب الفاخر، بدءوا يلوثون الجو بكل ما تجود به أفواههم النتنة من كلام بذيء و نكات ماجنة و ضحكات هستيرية يسمعها حتى من يمر في الشارع.. صاح (الأستاذ): - (يا ولد)..
فجاء صاحب المطعم راكضا و قال متذللا:
- (أمرك سيدي)
- اجلب لنا رقعة شطرنج حالا.
و بعد دقائق أتى بالرقعة و وضعها أمامه.
- هل تجيد لعبة الشطرنج؟
- لست لاعبا ماهرا ولكن (هوشيار) احد عمالي يتقن اللعبة..
- حسنا إذا فليأت ويلاعبني.
جاء هوشيار و سلم عليهم، فضحكوا و لم يردوا تحيته.
- اجلس..
جلس الفتى مقابل رقعة الشطرنج و المسئول و الفتيات في الجهة الأخرى، و قال بأدب:-
تفضل أنت باللعب. بدأ (الأستاذ) بالنقلة الأولى و استمر اللعب.. سيطر (هوشيار) على مجرى اللعبة منذ البداية بكل هدوء و ثقة، و تذكر قريته الجميلة التي دمرها الأوباش - و من ضمنهم - هذا الخنزير الذي يلاعبه.. لقد امتلأت نفسه بالإصرار على هزيمة هذا الوغد مهما بلغ الثمن، وبدأت يده البيضاء كالثلج تتوهج كلما حرك حجرا كأنه يحرك الشموس.. في المقابل كان (الأستاذ) يلعب بغضب و عندما يربح بيدقا يرميه بعصبية إلى طرف الصالة، فتصفق له فتياته و يضحكن بنشوة من ربح الجولة. حرك (هوشيار) حصانه و بصوت يكاد لا يسمع قال: _ كش ملك..
لقد جن جنون المسئول و تتطاير الشرر من عينيه و انطفأ الصخب و الضحك من وراءه.
- مات الملك.. ضرب الطاولة بقبضته الضخمة و أشعل سيكارا و قال:
اعدّوا الرقعة لجولة أخرى، كان يغلي داخله صوت غاضب "كيف يغلبني هذا اللعين؟".
بدأت الجولة الثانية و لم تمض أكثر من سبع نقلات حتى أنهى الفتى الذكي اللعبة، و قال بخبث:
¬- رقعة الشطرنج كصنارة صيد السمك لا تفرق بين العامل و المسئول!!.استشاط السيد غضبا و نظر إلى ساعته و التفت إلى مشجعاته قائلا:
- جولة أخيرة و لا بد أن أفوز هذه المرة..
كان صاحب المطعم و عماله يرمقون هوشيار بنظرات تدل على الاستياء و كلما تلاقت عيونهم بعيونه يؤشرون له بأصابعهم أن يخسر و إلا ستحل كارثة.. لكن الفتى الشجاع كان يبتسم بلا اكتراث و استمر باللعب بكل هدوء و ثقة و حسم الجولة الأخيرة أيضا.
لقد تحول وجه (الأستاذ) إلى وجه ذئب كاسر، و بابتسامة صفراء شاحبة قال و هو يربت على كتف هوشيار:
- أنت لاعب ماهر.. سنلعب مرة أخرى وسأهزمك حتما.
قال الفتى: - أنا مستعد في أي وقت تشاء.
تدخل صاحب المطعم و قال بتملق:- أرجو المعذرة سيدي..
- لا عليك..رمى برزمة من الدولارات فوق الطاولة و خرج.. بعد يومين وقفت أمام المطعم أربع سيارات (مرسيدس) سوداء و خرج من إحداها رجل ضخم أصلع يضع نظارات سوداء أمام عينيه، دلف المطعم دون أن يسلم على احد. فنهض صاحب المطعم كمن يؤدي التحية العسكرية:- بماذا اخدم سيدي؟ فصاح الرجل:_ أين عاملك هوشيار؟ (فالأستاذ) يريده في مزرعته..
فهم صاحب المطعم قصده و ركض إلى هوشيار و همس في إذنه:
- أرجوك لا تغلبه هذه المرة فهؤلاء ليسوا بشرا فلا قلوب لهم و متوحشون و قد يصيبوك بمكروه..
- سأذهب لا تخف علي.
كان ذلك اليوم آخر يوم يمسك فيه هوشيار الأحصنة و البيادق بأصابعه البلورية.. و لكنه استطاع بوجهه الطفولي و عينيه الصافيتين كسماء صيفية أن يمرغ غرور الطغاة بالوحل.. و ينتصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان


.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي




.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح


.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص




.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض