الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شطرنج في مدينة حمص

حسان الجودي
(Hassan Al Joudi)

2024 / 11 / 12
الادب والفن


على رقعة "حمص"، تتحرك "الجامعة" مكان عمله، كالملكة ،حركتها حرة ، لكنها ثقيلة ، تجر في ذيولها التوابيت الحجرية الرومانية التي عثر عليها في الأنحاء .
"يتساءل: هل أخاطب الغياب في المكان لأعوض عن فقدانه؟ أو لأنني أشعر بالذنب بسبب نجاتي دونه؟"
ينزلق في مربعات سوداء وبيضاء نحو "الخالدية" التي تقف كأبراج من الميكانو ، مهدمة عاجزة عن الدفاع عن نفسها.
"يكتب عنها لأنه لا يملك مقص الكنائس والأسواق والمساجد والمدارس. يكتب لأن الكلمات هي وطنه الشاسع، والجمل هي بيوته."
تستند دراجة هوائية إلى حافة المربع، مثل جندي سقط في معركة منسية. تتجمع الزرازير قادمة من الشمال .
"ليست نوستالجيا ما يدفعه للكتابة، بل شعور عميق بالأسى . يحول الألم إلى جمال، ليس هرباً من الواقع، بل مقاومة له.
يتابع نحو "القصور" المهجورة حيث يسمع أصداء بائع الحليب المذبوح، ثم يركب السرفيس الذي لا سقف له عائداً إلى "طريق الشام".
"هو يوثق تاريخاً لن يكتبه أحد، يحفظ ذاكرة ستمحوها الحرب."
"باب السباع" - ذلك الفيل العجوز - يتحرك بزاوية منكسرة نحو مصيره. كان يظن أن حركته القطرية ستحميه، لكن الظلال حاصرته في زاويته.
"يبني هياكل لغوية مستدامة لتعويض الهياكل المادية المدمرة."
تناور "الغوطة " كحصان أعرج، تقفز فوق الأنقاض، تحاول أن تتجنب الكمائن، لكن حركتها على شكل حرف L لم تعد تجدي نفعاً.
"ليس وحده في هذه الفيزياء - صوته يحمل أصوات الآلاف الذين فقدوا الحبال الالهية."
في شارع "الأكاسيا" القديم، يتقدم كبيدق متردد. كل خطوة للأمام تكلف خسارة. لكنه يكتب لتحويل الخسارة إلى معنى،حتى لو كان رخيصاً كالتنك!"
يلمح "باب تدمر" واقفاً كقلعة سوداء في حراسة أوركيديا "الحميدية ". يراقب حي "النزهة" تلك القلعة البيضاء ، وهي تحاول التروي قبل خسارة موقعها.
"هو لا يكتب عن الماضي، بل عن مستقبل مسروق."
"الملعب البلدي" يتأرجح كفيل أعرج، ويطوح كرات القدم المثقوبة بالرصاص في كل مكان، وهو يحاول عبثاً حماية المربعات المتبقية من رقعته.
"يحول المأساة إلى استعارات، ليس تجميلاً للقبح، بل لجعله مفهوماً، قابلاً للمشاركة"
"السوق المسقوف" و"بستان الديوان" و"الساعة الجديدة" وقربها "سوق الدجاج" - هياكل في "ماكوندو" جديدة تتحرك بيأس، تبحث عن مخرج من حصار الظلال.
"يكتب ليحفظ ذاكرة جماعية، ليجعل من تجربته الفردية جسراً للمشاة."
"كش ملك "يقترب. المربعات تضيق، والقطع تتساقط واحدة تلو الأخرى. لم يعد هناك مجال للمناورة. حتى الملك - قلب المدينة - يترنح في مربعه الأخير، يبحث عن منفذ للنجاة.
"هو لا يبحث عن الخلاص في الكتابة، بل عن الحقيقة."
فوق هذه الرقعة الحزينة، حيث الأبيض والأسود يختلطان في رمادية الحرب، تتحرك الأماكن كقطع شطرنج مذعورة. كل نقلة تقربها من نهايتها المحتومة. كش مات / كش حرب يلوح في الأفق، والظلال تبتسم بانتصار قاتل.
" سيظل يكتب، لأن الكتابة هي انتصار وحيد يتيم الذراعين"…








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان السوري باسل خياط: فخور كوني سورياً.. وحتى الآن لا أصد


.. الفنان السوري باسل خياط لـ-العربية-: تعرضت لمحاولات كثيرة من




.. أفضل ما قطر في 2024: الفنون البصرية والعجائب المعمارية والري


.. أحمد رزق ووفاء عامر .. الفنانون يواسون بدرية طلبة فى وفاة زو




.. كيف تفاعل مشاهير وفنانو سوريا مع سقوط بشار الأسد؟ | هاشتاغات