الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الحركة الانتقالية في قطاع التعليم بالمغرب
محمد السكاكي
2024 / 11 / 12الحركة العمالية والنقابية
تكتسي الحركة الانتقالية في صفوف موظفي التعليم أهمية بالغة في الاستقرار والعطاء، كما تشكل طريقة أساسية بالنسبة لوزارة التعليم في تدبير الموارد البشرية، وفق ما تقتضيه حاجيات البنية التربوية من موارد بشرية لكل مؤسسة تعليمية (هيئة التدريس، أطر التسيير والتدبير الإداري).
هذا من الناحية الصورية، أما في الواقع المعيش فالأمر مختلف تماما. إذن كيف يتم تنظيم الحركة الانتقالية؟ ماهي مرتكزاتها ومعاييرها الأساسية؟ ماهي بالتالي الاختلالات التي تعتريها؟ وماهي كذلك البدائل الكفيلة بمعالجة هذه الاختلالات، وتنظيم حركة انتقالية منصفة للشغيلة، وتستجيب لمتطلبات البنية التربوية للمؤسسات التعليمية؟
واقع الحركة الانتقالية لموظفي التعليم:
عرفت الحركة الانتقالية التي تهم موظفي التعليم، عدة تغييرات وتعديلات، بحيث لا يكاد يمر موسم دراسي دون أن تحاول الوزارة تقديم تعديل معين - ليس بالضرورة نحو الأفضل – ودون أن تمر بداية موسم دراسي كذلك، دون حركة مكثفة من الاحتجاجات – على مستوى الفروع المحلية والإقليمية للنقابات التعليمية – أو اللجوء لمختلف الأساليب لقضاء الأغراض الشخصية عبر الوساطة التي تلعب فيها بعض الأطر النقابية أدوارا بارزة جنبا إلى جنب مع مختلف رموز الفساد داخل الإدارة، بما يؤكد وجود الخلل في العملية كلها. بحيث يبدو أن لا الشغيلة التعليمية راضية عن هذه الحركة ولا الوزارة أيضا. فتبدأ حركة انتقالية على هامش الحركة الأساسية قد تعادل في حجمها الحركة الأولى، تحت مسميات مختلفة (الحركة الجهوية، الحركة الإقليمية، تدبير الفائض والخصاص باللجوء للتعيين من أجل المصلحة المعروف في الأوساط التعليمية ب"التكليف"!!!).
خلال كل موسم دراسي تنظم وزارة التعليم حركة انتقالية لإتاحة الفرصة للموظفين للبحث عن الوجهة التي يرغبون الاستقرار فيها...وبالشكل الذي يؤدي الى توزيع متقارب للموارد البشرية على المستوى الوطني وبما يوفر ما يكفي من الموظفين في مختلف المؤسسات التعليمية على المستوى الوطني. لكن هذه العملية ورغم كونها تبدو طريقة مناسِبة لتحقيق الغايتين معا، فإنها لم تحقق إلا الجزء اليسير منهما. فلا الموظفون يحققون حلم الانتقال والاستقرار ولا الوزارة توفر الحاجات الضرورية من الموظفين نتيجة الخصاص الذي يعرفه قطاع التعليم، وهذا ما تؤكده الفوضى وعرقلة انطلاق الموسم الدراسي في آجاله المحددة من خلال التسيير الارتجالي للإدارة، وتؤكده كذلك الاحتجاجات المرافقة لكل دخول مدرسي على هذه الاختلالات، وتتأكد اكثر من خلال حركة انتقالية موازية تتم تحت جنح الظلام، حيث تتشابه الأوجه، وتتقاطع الأهداف الخسيسة وتتساوى المواقع في عملية الفساد.
من الناحية الصورية تعتمد عملية انتقال الموظف على مبدأين الاول يقتضي وجود منصب شاغر، والثاني هو مبدأ الاستحقاق، فتوضع رهن إشارة الموظف عشرة مناصب (فقط) وضمن حدود المؤسسات الموجودة ضمن أكاديميتين (فقط) بما فيها الاكاديمية الأصلية، التي يشتغل فيها، مما يقلص من حظوظ الانتقال، لأن حصر عدد الاختيارات يؤدي الى شل حركية الموظفين. فبقدر ما يتم حصر عدد المناصب ومجال الحركة، بقدر ما يتم تقليص عدد المستفيدين من هذه الحركة.
اختلالات الحركة الانتقالية:
إن الحركة الانتقالية بالمواصفات المشار إليها، لا تستجيب لرغبات الشغيلة، ولا تؤدي إلى التدبير الأمثل للموارد البشرية بالشكل الذي يغطي حاجيات المؤسسات التعليمية من الأطر الضرورية. مما يدفع الإدارة إلى الدخول في دوامة من التنقيلات "من أجل المصلحة"، التي تكون عادة موضوع رفض واحتجاج، كونها تشكل ضربا لاستقرار الموظف. وفي هذا السياق ابتدعت مجموعة من الأساليب الغريبة، التي لا تستند على أي قانون، بل ضدا عليه، مدعومة في ذلك بكل النقابات التعليمية، فتعمل على تعيين الموظفين في بعض المؤسسات وفي مناطق لا تلقى إقبالا من الموظفين، كونها توجد ضمن المناطق التي تعاني مستوى كبيرا من التهميش (غياب وسائل النقل وصعوبة التنقل، صعوبة واستحالة توفير سكن لائق على سبيل الإيجار، غياب شبكة الربط الكهربائي، الماء، المرافق الصحية/المراحيض!!! الربط الهاتفي، المتاجر،...) بشكل يفوق احتياجاتها، لتضرب المبدأ الأساسي في قانون تعيين الموظف او نقله، وهو وجود منصب شاغر، في مقابل ضرب مبدأ قانوني آخر وهو ترك مناصب شاغرة في الأوساط التي تحظى بإقبال الموظفين (الوسط الحضري وشبه الحضري) لتعالج هذا الخلل بخرق قانوني آخر هو نقل الموظفين الفائضين عن الحاجة وإعادة توزيعهم على المؤسسات التي تعرف بنيتها التربوية خصاصا في الموظفين، خارج أي قانون.
وهنا تعمل الإدارة على حرمان الموظف من حقه المشروع في التعيين في المنصب الشاغر، وتقدمه له في غالب الأحيان كامتياز، لفائدة نقابة معينة مقابل التغاضي عن ملفات أخرى، ليتحول التعيين في منصب (مستحق في أساسه خارج كل هذه الخروقات القانونية) الى نقطة تقاطع في الفساد بين الأطراف الثلاث (الإدارة، النقابة، الموظف).
وهنا مكمن اخطر الاختلالات التي ما فتئت الإطارات النقابية تصفق لها، ضرب استقرار الموظف، حرمان الموظف من حق مشروع، التعيين خارج القانون...الخ. فكما تعمل الإدارة على تقديم الامتيازات لأطراف على حساب أخرى وضرب مبدأ الاستحقاق بما يفرضه واقع الفساد، تتهافت الإطارات النقابية للانخراط في هذا الوضع وتزكيته بحثا عن فتات لإرضاء الزبناء، وهكذا تتقاطع هذه الاطراف الثلاث في التواطؤ ضد الشغيلة وتعمل على ترسيخ الفساد. وهكذا ينتهي "موسم النضال" النقابي في قطاع التعليم (على الأقل في فروعة المحلية والإقليمية والجهوية) بانتهاء تدبير حركية الموظفين.
الحركة الانتقالية والبنية التربوية:
تشكل البنية التربوية للمؤسسة التعليمية مدخلا أساسيا لتنظيم حركية الموارد البشرية. فالبنية التربوية يجب ان تستند على معيار موضوعي وصارم يقوم أساسا على معدل توزيع التلاميذ في الفصل الدراسي. إذ يجب أن يكون هناك عدد محدد ولا يجب تجاوزه. لأن توزيع التلاميذ بدون معيار موضوعي يؤدي إلى إعداد بنية تربوية على "المقاس" فنفس عدد التلاميذ يمكن أن يفرز بنية تربوية تعرف خصاصا في الموظفين، ويمكن ان يؤدي إلى عكس ذلك، بتقليص الحاجات من الموارد البشرية والإبقاء على البعض في عداد الفائض عن الحاجة. مثال لتوضيح دور البنية التربوية للمؤسسات التعليمية في تنظيم الحركة الانتقالية. إذا لم يكن لدينا معيار مضبوط ومحدد لتوزيع التلاميذ، فإن العملية سيتم التحكم فيها حسب المزاج، وحسب ما يقتضيه قضاء أغراض الزبناء؛ حيث يمكن ان نوزع التلاميذ في الفصل الدراسي بمعدل 20 فردا ونكون أمام خصاص في الموارد البشرية، كما يمكن ان نضم التلاميذ ونوزعهم بمعدل 40 فردا في الفصل الدراسي ونكون أمام فائض يساوي أو يفوق ما كان يعتبر في عِداد الخصاص، في الحالة السابقة.
أما إذا أخذنا بعين الاعتبار، توقيت تنظيم الحركة الانتقالية، فإنها تقوم على بنية تربوية متوقعة فقط مما يزيد من هامش الخطأ، كون المؤسسات التعليمية تقترح بنية لا علاقة لها بالمعطيات الواقعية، بل على ما يتم توقعه فقط، ودون أن يكون مطابقا للواقع في أغلب الحالات. ولذلك يجب أن تنظم الحركة بعد الانتهاء من جميع العمليات الإدارية والمصادقة النهائية على البنية التربوية ، حتى تتمكن المؤسسات التعليمية من تحديد حاجياتها من الموارد البشرية، وبالتالي إعلانها مناصب شاغرة. بالإضافة إلى تحديد المناصب الشاغرة، يجب اعتبار جميع المناصب محتملة الشغور في وجه الجميع، مما يضاعف من حظوظ الموظفين في حركة منصفة. وعدم حصر الاختيارات في عدد محدد، بالنظر لما يتيحه التطور التقني من إمكانات، في معالجة هذه الوضعية، وتعيين الخريجين الجدد في الترتيب الموالي للموظفين السابقين.
الحركة الانتقالية: مساوئ الحصيص، وتجزيء الحركة
إذا كانت وزارة التعليم، تسمح بحركة انتقالية للموظفين لا يتجاوز عدد الخربجين الجدد، فإنها تحرم الموظفين من مكسب أساسي ومن وسيلة أساسية لتحقيق الاستقرار، الذي يؤثر بشكل واضح على أدائهم المهني.
إذا كانت الوزارة هي التي تقرر في تحديد حاجات قطاع التعليم من الموارد البشرية، من حيث العدد ومن حيث التخصصات والمهام. فإن عدد الخريجين الجدد سيكون مساويا للاحتياجات، من حيث المبدأ، أي كافيا لتغطية كل الاحتياجات. إذن ما دام الأمر على هذا النحو فلم يعد مقبولا أن تقيد الوزارة الحركة الانتقالية بعدد الخريجين فقط، لأن هؤلاء الخريجين هم من سيغطي المناصب الشاغرة التي سيخلفها انتقال الموظفين. ولم يعد مقبولا كذلك عدم إطلاق حركة انتقالية، حيث جميع المناصب محتملة الشغور في وجه الجميع، ما دافت الموارد البشرية مساوية للاحتياجات. وما دامت حركية الموظف مرتبطة بشغور المنصب من عدمه. بشكل لن ينتج عنه أي اختلال. ولإنصاف الموظفين يجب القطع مع أسلوب التفضيل والتمييز، كون الوضعيات العائلية اختيارات شخصية، لا تترتب عنها امتيازات، ولذلك يجب الاعتماد على الأقدمية العامة كأساس للاستحقاق، والاقتصار على حركة واحدة ( انتقال الموظفين وتعيين الخريجين الجدد)، تشمل الخريجين الجدد، الذين سيغطون المناصب الشاغرة حسب الاستحقاق بالاعتماد على السلم الترتيبي للتخرج من مراكز التكوين (أثناء تخرج الموظفين، يحصلون على نقطة عددية، تمكنهم من الترتيب فيما بينهم على المستوى الوطني) فيمكن ان يبدأ الموظف، مثلا بنقطة ستة (6) عن كل سنة، ويكون ويعين الخريج الجديد بنقطة ما بين واحد وخمسة (اعتماد الاعداد العشرية).
إن تنظيم الحركة الانتقالية الخاصة بموظفي التعليم، يجب ان تكون دفعة واحدة في إطار تدبير حركية الموظفين، بمن فيهم تعيين الخريجين الجدد، بشكل يضمن انطلاق الموسم الدراسي بدون تعثرات، وبشكل شفاف يحترم مبدأ الاستحقاق بالنسبة للموظفين. حيث يجب أن يتم الإعلان عن جميع المناصب الشاغرة، واعتبار بقية المناصب محتملة الشغور في وجه الجميع. بالاعتماد الموقع الذي تخصصه الوزارة لهذا الغرض.
إن تجزيء الحركة الانتقالية، على المستوى الوطني، على مستوى الأكاديمية الجهوية، وعلى مستوى المديرية الإقليمية، تتضمن أولا، تعسفات تضرب في مبدأ الاستحقاق ومبدأ تكافؤ الفرص بالنسبة للموظفين، وثانيا تعرقل انطلاق الموسم الدراسي، وثالثا تسمح بانتعاش واقع التعفن والفساد الذي يجتمع تحت سقفه كل من الإدارة والإطارات النقابية، والموظف.
أما من جهة ضرب مبدئَي الاستحقاق وتكافؤ الفرص، يكفي ان نتصور موظفا اشتغل في القطاع، ما يزيد عن عشرين سنة، لمجرد ان يغادر منصبه إلى وجهة أخرى يبدأ رصيده في التنقيط والترتيب من الصفىر، وينبغي انتظار ثلاث سنوات حتى يتمكن من "تجريب حضه" على المستوى الوطني، وسنتين ما بين مديريتين في نفس الأكاديمية للتربية والتكوين، فين حين يمكن ان يتم تعيين موظف جديد من أول الأمر في منصب يجب ان ينتظر هذا الموظف ثلاث سنوات للظفر به رغم طول المدة التي قضاها في القطاع.
أما من جهة عرقلة انطلاق الموسم الدراسي، فيتأكد أن جميع عمليات التخطيط والإحصاء، التي تتحدث عنها الإدارة، تبقى مجرد عمليات لتسويد الأوراق، وملأ الخانات، لا تصلح إلا للترتيب في الرفوف؛ لأن الدخول المدرسي سواء من حيث تدبير الموارد البشرية، أو الخريطة المدرسية، والبنية التربوية للمؤسسات التعليمية يعرف اختلالات كبيرة، يتم إعدادها وتغييرها عند انطلاق الموسم الدراسي، ويبدأ تجريب الوصفات وتغييرها دون ضبط محدد حتى تُحسم هذه الوضعية بمرور الزمن وحده، ويسير الموسم الدراسي محملا بأعطاب وخروقات تزيد ٨من تعقيد وضعية القطاع.
اما العلاقة بين هذا التدبير العشوائي وبين واقع الفساد والتعفن الذي ينخر القطاع، فإنه بمثابة العلاقة بين المقدمة ونتيجته الطبيعية والمنطقية.
إن الفساد بنية قائمة بذاته، يفرض منطقه الخاص في التعاطي مع الواقع، إذا كانت الإدارة تستعمل أساليب فاسدة في التسيير او التدبير، فإن ذلك ليس فيه ما يدعو للاستغراب، كونها جزء من وضع عام للفساد. وإذا كان الامر مبررا كذلك من جهة الموظف الذي لا تهمه إلا أغراضه الشخصية، وبروح انتهازية فجة، اصبحت شعورا عاما يتقاسمه موظفو القطاع. فإن الغريب هو ما تدافع عنه بعض الإطارات النقابية (المناضلة والمناصلة جدا!!) حين تتشبث بمبدأ تجزيء الحركة الانتقالية (على المستوى الوطني، الجهوي، الإقليمي، تدبير الفائض والخصاص) ليست لأنها حلا انسب بالنظر للمساوئ المشار إليها، بل كونها تسمح لهذه الإطارات باستغلال واقع الفوضى، لتكريس مبدأ الزبونية، إذ تنخرط في دوامة من الفساد، تتغاضى بموجبها عن الملفات النقابية الكبرى مقابل رشوة من الإدارة تقايضها بصمتها وتواطؤها للضفر بفتات ترضي الزبناء، كونها لا تبحث إلا عن المنخرطين (بصيغة الزبناء) في عملية حسابية تمكنها من الاستعداد للعمليات الانتخابية لا غير (الظفر بصوت انتخابي في انتخابات "ممثلي الموظفين" في انتخابات "مندوبي" الموظفين، في قطاع التعاضديات، اللجان الثنائية،...) وهكذا تنهي هذه الإطارات النقابية، مهمتها لمجرد انطلاق الموسم الدراسي، وما قد تكون انعمت بها عليها الإدارة من فتات تعيد توزيعها على الزبناء، حسب "الاستحقاق" الذي يتأسس على مبدأ الحضوة داخل هذا الإطار أو ذاك.
تنبيه:
٠ينحصر موضوع المقال في الحركة الانتقالية التي تهم هيئة التدريس، كونها اكبر عملية من حيث العدد، واكبر عملية من حيث الاختلالات التي يتركها تدبيرها السيء.
٠يمكن لوزارة التعليم أن تعتمد نفس مبدأ حركة هيئة التدريس، بالنسبة لباقي الهيئات، كون الفرق ينحصر في جانبه الكمي فقط.
٠اعتماد نموذج المذكرات الوزارية التي لم تكن تسمح للموظف بالانتقال خارج الاكاديمية الجهوية التي يشتغل فيها، إلا بعد قضاء ثلاث سنوات، وسنتين داخل نفس الأكاديمية في حدود المديريات الإقليمية التابعة لها، وما يترتب عنها من حيف في حق الموظف.
٠الاشارة إلى هذه المذكرات بمساوئها، كونها، توفر الحل الذي ستلجأ اليه الوزارة، مستقبلا.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. «سوق المزارعين» يفتح أبوابه.. منصة نابضة لتعزيز العطاء الزرا
.. قرار حكومي يشعل غضب المتقاعدين في الأرجنتين ويدفعهم إلى الشو
.. موريتانيا.. نقابة أطباء الاختصاص تطالب بزيادة رواتب أعضائها
.. شيرين و-السيئة الجارية- زلة لسان جديدة أثناء نعيها الملحن مح
.. سريلانكا.. هجرة العاملين في مجال الصحة تفاقم أزمة النظام الص