منذُ سقوط المملكة البابلية الثانية حوالي القرن الرابع قبل الميلاد ، هجم الغرباء لحكم العراق بالسيف والدم والنار مدة أربع وعشرون قرناً بالتمام والكمال، فبدأها العيلاميون ثم المقدونيون ثم الفرثيون ثم الساسانيون ثم عرب الجزيرة ( صدر ألإسلام ) ثم ألأمويون ( الشام ) ثم العباسيون (الجزيرة العربية ) ثم المغول ثم العثمانيون وأخيراً البريطانيون وخَدَمُهُم عُمّال الحجاز ، حتى فجر الرابع عشر من تموز 1958 ، حيث سطّر ( قاسم ) أوّلَ ملحمة بعد ألفين وأربعمائة عام من حكم ألأغراب للعراق ، فكان أوّل عراقي يُعيد ألعراق لأهله..
ولأنه عراقي أصيل ، فقد وهب كل حياته وطاقاته لأجل العراق وشعب العراق..لم يكترث بجانب الشر المُحدق به من كل الجهات ، فهناك عرب الخليج وحقدهم على كل شيء أسمه عراق ، وبلاد فارس ألأكثر حقداً وخُبثاً وحسداً ، وبلدان الوحدويون ألمُدّعين العروبة كعبد الناصر وأحبابه البعثفاشيين ، والطورانيون الترك الحالمون بأمجاد إمبراطورية هازئة ...كان كل همَّه العراق والعراقيين..فوهب دمه وحياته لأجلهما ، فكانت أعماله خير شاهدٍ على ذلك..لم يُقِم نصباً او صوراً او لوحات ..لم يضع إسمه على كل ماأنشأ..لم يُجبر أحد على حب مالايشتهيه او فعل مالايرغب..لم يُصدر حكم بألإعدام على أحد..فالعراقي عزيز عليه حتى وإن تآمر على حياته وبلده وشعبه..فالعراق أوّلاً وأخيراً..ولابد من عدم نزف دماء العراقي بمخططات الغرباء الحاقدين على كل شيء إسمه عراق..فكانت جملته ألأثيرة ( عفا الله عمّا سلف ) خير سُمٍّ في حلق من يرميه بنقدٍ سيء..
لم يضع إسمه على شيء..بل جعل الناس يتحدثون بمنجزاته..وهو عمل مافعله ( جلجامش ) قبله بآلاف السنين حينما أراد الخلود..فكأن القدر قد جمع كل من قاسم وجلجامش في هدف واحد لم يكن يقصده ..وكأن القدر جمعهما معاً في أن يحكما العراق بالحب والعدل وألآلام..فأي صنيعة فعل قاسم حينما عفا عن قاتليه ؟ ! ويدّعون بأنه سفّاح !!!!! ياالله..هل إنقلبت الدنيا فأصبح عاليها سافلها وسافلها عاليها ؟؟!!!هل تحول الدم الى ماء؟؟
أي نكرة يتفوه بهذا ماعليه إلاّ أن يثبت كلامه بألأدلة؟؟وبما أنهم لا يستطيعون فليس أمامهم غير التزييف..وهل ينفع مع أجيالٍ عاشت زمن قاسم وأجيالٍ لم تعش زمنه بل قرأته وقرأت مما سبقه وعاشت مابعده فقارنت بين ألأزمنة الثلاثة فإكتشفت الحقيقة ؟!!هل يستطيع الظلام ان ينتشر دون فسحة ضوء ؟أي غباء يعلو منطق هؤلاء ممن لا يملك ذرة ضمير وشرف ؟ أي عراقي شريف يتفوه بحق أشرف حاكم عراقي قاد العراق وشعبه نحو السمو والذرى ؟؟!!!أي غباء يمتطيه من يحاول حجب نور الشمس بكفيه الملوثتين بدم العراق؟؟
هل نفتخر بعراقنا لأنه أنجب إبناً قدّيساً كقاسم ؟
ولم لا ، لكننا ندعو الله أن يسامحنا قاسم ويعفو عنا لأننا لم نسنده يوم المحنة ،مضحياً بحياته من أجل عدم إراقة مزيد من الدماء، وهو الذي عفا عن الملوثين ، هل يُعقل ألاّ يعفو عن مُحبيه ؟!!كيف لا وقلب قاسم المُفعم بالحب والحنين أوصلتاه الى حتفه الذي لا يليق حتى بعدوٍ مشين..
سامحنا ياقاسم..اعفو عنا..فنحن باقون في ذكراك وجاهدون في النيل لأهدافك وسمو خلقك..جادّون في بناء جيل يتشرف بحمل لواء إسمك ، وجعل أفكارك نبراساً لنا ورماحاً في قلب كل حاقد لئيم..
لا تقل أنك بلا عائلة..فكلنا عائلتك وأولادك إخوتك وأحفادك ..أنت لم تمت أبداً ،فمهما حاولوا مسح آثارك إلاّ ان الله أبى ، فكأن الله أعمى بصيرتهم عن جسري 14 تموز والجمهورية ليبقى خالدين يمجّدان حبك للعراق رغم أنف الحاقدين..
أي عدالة لم تكن قبلك ولا بعدك
أي صدق لم يكن قبلك ولا بعدك
أي جمال لم يكن قبلك ولا بعدك
أنت فينا ونحن فيك
أنت منا ونحن منك
أنت لنا ونحن فداك..

د.عبد الفتاح مرتضى
كندا – تموز – 7 - 2003