الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عيد الاستقلال المغربي: بين الفرح والاختلافات الاجتماعية

بن سالم الوكيلي

2024 / 11 / 18
كتابات ساخرة


يعد عيد الاستقلال في المغرب مناسبة هامة تستحضر ذكرى تحرير البلاد من الاستعمار الفرنسي في عام 1956. فهو ليس فقط مناسبة للاحتفال بالتاريخ، وإنما أيضا لحظة للتأمل في واقع الحال والتفكير في التحديات التي لا يزال يواجهها المجتمع المغربي. في هذا اليوم، تتزين الشوارع بالأعلام والزينات، وتتناثر مشاعر الفخر في القلوب، لكن هذا الفرح الشعبي يتوازى مع ظاهرة مثيرة، ألا وهي النقاشات الحادة التي تشهدها الفضاءات العامة والخاصة حول مختلف القضايا، بدءا من السياسة إلى الرياضة، مرورا بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

يتميز هذا اليوم بانتشار النقاشات الحامية بين المغاربة حول ما تعنيه "الوطنية" وما هو المعيار الصحيح للاحتفال بالاستقلال. فمن جهة، يرفع البعض الأعلام ويتغنون بالنشيد الوطني، بينما يختار آخرون الانخراط في سجالات غير منتهية حول الأمور السياسية والرياضية. حتى أن بعض هذه المناقشات تتسم أحيانا بالسخرية والتهكم، لدرجة أن البعض يعتبر أن الاختلاف في وجهات النظر هو الوجه الآخر للعملة الوطنية. فهل هذه الخلافات تعكس حيوية ديمقراطية، أم أنها تعبير عن فوضى فكرية لا تلائم هذا اليوم التاريخي؟

فيما تتعدد مظاهر الاحتفال، لا تقتصر المناسبة على تجمعات شعبية أو مراسم رسمية، بل تجد أن غالبية المغاربة يفضلون التعبير عن احتفالاتهم بطرق غير تقليدية. كثيرون يفضلون الجلوس في المقاهي أو التجمعات الأسرية حيث تتحول محادثات الاستقلال إلى مواضيع جانبية مثل أسعار السلع أو جودة الخدمات العامة. وكثيرا ما يظهر في هذه النقاشات مزيج من السخرية والنقد اللاذع للواقع الاجتماعي والاقتصادي، حيث يعبر البعض عن استيائهم من ارتفاع الأسعار متسائلين: "كيف نحتفل بالاستقلال بينما غلاء المعيشة يهدد استقرارنا؟"

من جهة أخرى، قد تبدو هذه النقاشات غير مجدية أو مثيرة للجدل، لكنها في حقيقة الأمر تعكس جزءا من الوعي الشعبي المتنامي حول الواقع الوطني. فلا شك أن هذه الاختلافات في الرؤى والأفكار هي نتيجة طبيعية لتنوع الأراء والاهتمامات في مجتمع متنوع كالمجتمع المغربي. ولكن، ماذا يعني أن تكون "وطنيا" في ظل هذه الخلافات؟ هل يكمن المعنى في توحيد الرأي وتوافق الجماعات حول هدف واحد، أم أن الوطن الحقيقي هو الذي يحتضن تنوع الآراء واختلافاتها؟

وفي الواقع، تطرح هذه الاختلافات سؤالا مهما حول معنى "الاستقلال" في العصر الحالي. فبينما تحررت البلاد من الاستعمار الأجنبي، لا يزال المواطن المغربي يعاني من تحديات جديدة، أبرزها الفوارق الاجتماعية، التفاوت الاقتصادي، وعدم المساواة في الفرص. فهل نحن حقا مستقلون في كل جوانب حياتنا، أم أن هناك "استعمارا" آخر يتمثل في أنماط من القهر الاجتماعي أو النفسي؟

لا شك أن الاحتفال بعيد الاستقلال هو فرصة لتجديد العهد مع الوطن، وللتأكيد على أن هذا الوطن هو ملك للجميع، بكل تنوعه واختلافاته. ففي نهاية المطاف، يشكل هذا التباين في الآراء مصدر قوة، إذ يعكس حيوية المجتمع وتطلعاته نحو المستقبل. فيوم الاستقلال ليس مجرد ذكرى تاريخية بل هو دعوة للتفكير في كيفية بناء وطن نعيش فيه بكل حريتنا واختلافاتنا، وكيفية تحويل هذه الاختلافات إلى محركات للتطور والنماء.

لذلك، عندما نرفع الأعلام ونحتفل في هذا اليوم، يجب أن نتذكر أن الوطن لا يتطلب منا التوافق التام، بل يتطلب منا أن نتشارك في الاهتمام به، وأن نحترم اختلافاتنا، وأن نعمل معا نحو تحسينه. فالوطن الذي نحب ونحتفل به هو ذلك الذي يسمح لنا بأن نكون مختلفين، وأن نضحك فيه، وأن نعبر عن آرائنا بحرية، في إطار من الاحترام المتبادل والتعايش السلمي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان نوار بلبل يكشف حكايات الخوذ البيضاء.. جنود الظل في سو


.. استعدوا لأقوى نسخة.. وزراء الثقافة والأوقاف يفتتحون معرض ال




.. الكلب عمل فيلم وراح أوروبا وعمل فوتوسشين وأنا لأ


.. وزيرا الثقافة والاتصالات يطلقون تطبيق «كتاب» لتسهيل القراءة




.. كلمة وزير الثقافة خلال افتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب في