الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاحتلال والديكتاتور

ناهد بدوي

2007 / 1 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


من الملاحظ أن مشهد إعدام صدام حسين قد أثار شعوراً بالغثيان والاختناق والقلق عند أغلب أبناء المنطقة العربية، فهو لم يثر شعوراً بالفرح عند أعدائه ولا بالحزن عند أصدقاءه لأنه عملياً قد أصبح من الماضي ولا يعني الشيء الكثير. إن الذي يعني الجميع الآن هو الحاضر والمستقبل الذي يبدو مظلماً. إن الذي يعني الجميع الآن أولئك الذين قاموا بإخراج فيلم إسقاطه ومحاكمته وإعدامه. فهم تحديداً الخطر الحقيقي الآن.
في تتالي الصور الذي عرضته الأقنية التلفزيونية والذي يبدأ بسقوط تمثال صدام حسين وينتهي بمشهد إعدامه، مروراً بالقبض عليه، ومشاهد محاكمته، ظهرت بشكل جلي طبيعة الإخراج الرديء للفلم الهوليودي الأمريكي الطويل في العراق.
اللافت للنظر في هذا الفيلم هو التشابه الكبير بين العقلية الأمريكية ومستواها الفني منذ دخول القوات المحتلة إلى العراق، وبين العقلية التي حكمت سلوك الديكتاتور الذي أسقطوه. السمة الأساسية المشتركة هو استخدام مبدأ القوة المطلق في السيطرة، ولكن أيضاً دعونا نتذكر أكثر من ذلك ونبدأ بالتعتيم الإعلامي الذي رافق الحرب على العراق منذ أول يوم دخلت فيه قوات الاحتلال إلى العراق. ثم انتقاء الصحفيين الذين رافقوا قافلة الاحتلال بدقة. ثم الحملة الشعواء على وسائل الإعلام التي يختلفون معها. وصولاً إلى التركيز على الشعارات الرنانة وتعداد الانجازات والإخراج المسرحي الرديء للحدث الذي يريدون الإعلان عنه.
ولكن أكثر ما هو لافت للنظر في هذا التشابه الأمريكي مع الأنظمة الاستبدادية هو الإصرار الدائم على تصوير الناس وهم يرقصون كالقردة فرحاً بالانجازات العظيمة، انجازاتهم هم! لا انجازات الراقصين أنفسهم. نشهد الطريقة نفسها في الحركة المدروسة والموجهة للكاميرا فقط .فكلما اقتربت الكاميرا من الراقصين ازدادت حماستهم في القفز والرقص الخالي من العفوية والفرح الصادق.
يستغل الأمريكيون عادة القدرة الهائلة لوسائل الإعلام في خدمة مصالحهم، خصوصاً إذا علمنا أن الولايات المتحدة تمتلك اليوم 56% من بنوك المعلومات في العالم، بينما تعود نسبة 27% منها إلى دول الاتحاد الأوربي، و12% إلى اليابان، فيما تبقى نسبة 1% فقط لدول العالم النامي مجتمعة. أليس من اللافت للنظر أنهم لم يستخدموا إمكانياتهم وبراعتهم تلك؟؟. بل انتقلوا إلى أسلوب أكثر همجية وتخلفاً في التدخل في مصائر الشعوب، من أساليبهم السابقة التي تعتمد على الغزو الثقافي والإعلامي التي عبر عنها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق "جورج شولتز" في وصفه لتقنية البث المباشر "بأنها أنجع من أسلحة نووية عديدة لغزو الكتلة الشرقية، وإن شعوب أوربا الشرقية ثارت على الشيوعية لأنها تمكنت من التقاط برامج التلفزيون الغربي والأمريكي".
لقد استخدمت الصورة في العراق بنفس الطريقة التي يستخدمها الديكتاتور وبالذوق المتدني نفسه. وفي كل مرة كنت ألمس قصدية تأثير الصورة كنت أشعر بالاهانة الموجهة لنا وكأننا شعوب لا يناسبها إلا شكل واحد من الخطاب، وهذا المستوى الفني الرديء جداً، والإخراج الذي يشبه المسرح المدرسي الذي يوصل الفكرة بشكل مباشر وعبر الحركة المباشرة الدالة بشكل حسي على الفكرة المراد إيصالها. وكأنهم يتوجهون إلى شعوب طفلة ومحدودة ولا تحتاج لجهد كبير وتقنية عالية وإخراج متقن للصورة كي ننجح بالسيطرة عليها. لذلك تخرج سقيمة وقبيحة تشبه تلفزيونات الأنظمة المستبدة حيث تتم السيطرة على المجتمع بالقوة العسكرية المباشرة وليس بالصورة أو الوسائل المتطورة التي تحاول السيطرة على عقول ذكية في مجتمعات ديمقراطية.
الاحتلال الأمريكي لم يبذل جهداً كافياً كما رأينا. ويكمن السبب في طبيعته العنصرية بالذات، حيث ينظر إلى شعوب المنطقة وكأنهم دون الحضارة.
يمكن أن تكون الايجابية الوحيدة لما يجري هي أن الحقيقة أضحت واضحة فاضحة لا تقسم الناس إلى معسكرين، واحد معها والآخر ضدها، وهذا ماحصل عشية احتلال العراق، بل توحدهم ضد حقيقة الاحتلال الأميركي الوحشية والعنصرية بامتياز. والتي تتلخص بأنهم مستعدون أن يدفعوا شعوباً بكاملها ثمناً لاستمرار سيطرتهم على العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عودة على النشرة الخاصة حول المراسم الرسمية لإيقاد شعلة أولمب


.. إسرائيل تتعهد بالرد على الهجوم الإيراني غير المسبوق وسط دعوا




.. بتشريعين منفصلين.. مباحثات أميركية لمساعدة أوكرانيا وإسرائيل


.. لماذا لا يغير هشام ماجد من مظهره الخارجي في أعمالة الفنية؟#ك




.. خارجية الأردن تستدعي السفير الإيراني للاحتجاج على تصريحات تش