الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
المشروع الاستيطاني الصهيوني: بين الترانسفير ... والإبادة، (الحلقة السابعة)
مسعد عربيد
2024 / 11 / 22القضية الفلسطينية
الاستيطان الصهيوني بين الحالات الاستيطانية الأوروبية: مقارنة في أوجه الشبه والاختلاف
أولاً: بعض السمات المشتركة
أ) الإيديولوجيا المشتركة: جمعت الحركة الصهيونية في إيديولوجيتها وممارستها العملية نسيجًا من الأطروحات الفكرية والسياسية والاجتماعية. ولمَّا كانت قد نمت وتزامنت مع سياق الحركات الأوروبية القومية في القرن التاسع عشر (الإيطالية والألمانية على سبيل المثال)، فقد سعت لتقديم نفسها بوصفها حركة قومية تتشابه مع هذه الحركات، وتأثرت بها آخذة عنها إيديولوجيا الإحياء القومي وتفوُّق الأمة وفرادتها وعظمة تاريخها. من هنا، اتسمت الصهيونية بالتركيز على تفوُّق اليهود، بوصفهم "شعبًا" وفرادته وخصوصياته، على الشعوب الأخرى.
غير أن هذه الإيديولوجيا في الحالة الصهيونية، على تشابهها مع الدعوات الأوروبية، لم تتوقف عند تفوق الأمة وفرادتها، بل ذهبت عميقًا في التاريخ ورجعت إلى الوراء أكثر من ألفي عام، لتجعل من السرديات التوراتية "تاريخًا، ولتوظف الدين والتراث الديني مستخدمة "الله" ووعوده "لشعبه المختار" في "أرض الميعاد"( ).
ب) الوعود الربانية أساسًا للحق التاريخي: حين تروج الصهيونية لمقولة "الشعب اليهودي" هو شعب الله المختار، أي إنه أفضل شعوب الأرض، وإن ذلك نابع من الإرادة الإلهية؛ فإنه يضفي على اليهود الحق التاريخي في فلسطين، ويصبح هذا الحق المزعوم مبررًا للاحتلال والاستيطان واقتلاع الشعب الأصلي.
ج) تفوُّق "الشعب اليهودي" أساسًا لاستيطان فلسطين: حين يكون اليهود "شعبًا مختارًا" وفق سرديتهم، يصبح ادعاء التفوق والفرادة دافعًا للاستيطان وإبادة الشعب الأصلي؛ لأنه يصبح من حق اليهود "التاريخي" استعادة أرضهم وسيادتهم عليها، ما يعني أنه من حقهم استيطان الأرض والتخلص من سكانها الأصليين وإحلال المستوطنين الصهاينة مكانهم.
د) التفوُّق العرقي والقومي ومهمة "تمدين" الشعوب الأخرى: أخذت الدعوة الصهيونية عن غيرها من الحركات القومية الأوروبية في القرن التاسع عشر أفكار الإحياء القومي وتفوُّق الأمة وفرادتها وعظمة تاريخها.
وعلى منطق التفوُّق والفرادة، بهذه النظرة، ادَّعت الصهيونية مهمة تمدين الشعوب الأخرى؛ فالأمة المتفوقة مطالبة بتمدين الآخرين من الشعوب "الهمجية المتخلفة". ومن هنا جاء وعد هرتسل للقوى الإمبريالية بأن تكون "دولة اليهود" جدارًا حاميًا للحضارة الغربية، ذلك الوعد الذي كان متسقاً تماماً مع إيديولوجيا هذه القوى ومصالحها.
ينبي على هذا، أنه ليس هناك من مانع "أخلاقي" أو "شرعي"، يحول دون ادعاء "التمدين" وما يعنيه من الاستيلاء على الأرض والثروات وإبادة "الهمج" وتشريدهم.
وما زلنا نشهد ترديد هذه الادعاءات العنصرية والفاشية. ومع أن حرب الإبادة جارية في قطاع غزة والضفة الغربية، يتحدث المستوطنون الصهاينة عن "دورهم التمديني" في هذا الجزء "المتخلف" من العالم الذي هو في أمس الحاجة إلى "عِلمهم وخبراتهم".
ه) تلاقي المصالح والأهداف: لم يكن الصهاينة أوَّل مَنْ سعى إلى استيطان فلسطين. فقد فكر فيها المستعمرون البريطانيون والفرنسيون منذ نهاية القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر، وبعد صعود موجة الاستعمار الأوروبي وانتشار سيطرته، أي قبل تأسيس الحركة الصهيونية ذاتها عام 1897.
ويعود التلاقي بين الإيديولوجيا الصهيونية ونشأة الحركة الصهيونية السياسية وأهدافها، من جهة، والمصالح والأهداف الإمبريالية من جهة أخرى، إلى العلاقة العضوية والمادية بينهما. فقد نمت الصهيونية في أحضان الإمبريالية البريطانية ثم الأميركية وانسجمت معهما في الأهداف والمصالح، فكانت كيانًا وظيفيًا في خدمتها.
ثانياً: بعض أوجه الاختلاف
أ) الأوروبي الأبيض لم يكن بحاجة إلى اكتشاف فلسطين: فإذا كانت الحركات الاستيطانية الأوروبية البيضاء قد جاءت في سياق "اكتشاف العالم الجديد"؛ فإن فلسطين لم تكن جزءًا من هذا العالم الجديد، بل كانت دومًا في قلب العالم القديم، ومركزًا حضاريًا ذا تاريخ طويل. ولم يأتِ المستوطنون الصهاينة "ليكتشفوها"، بل كان الفرنجة قد حضروا إلى بلادنا "لتحرير قبر المسيح وإنقاذه من السيطرة الإسلامية". وقد حصل ذلك قبل قرونٍ من الصهيونية، حين خضنا معهم حروبًا امتدت لقرنين من الزمن.
ب) الاستيطان الأوروبي وفرض الديانة المسيحية: عمل المستوطن الأوروبي في مشاريعه على نشر المسيحية وفرضها على السكان الأصلانيين، وقد نجح في ذلك إلى حدٍ كبير. ولكن على العكس من ذلك، فإن المستوطن الصهيوني لم يسعَ إلى نشر اليهودية بين الفلسطينيين العرب ولم يرغب في اعتناقهم لديانته التي بقيت منحصرة في اليهود.
ج) الصهيونية والكهنوت اليهودي: انطلقت الدعوات القومية الأوروبية، على وجه العموم، من معاداة الكنيسة المسيحية (الكاثوليكية تحديدًا) وسطوة مؤسساتها. وكان منظروها، في كثير من الحالات ومنذ عصر الإصلاح الديني (مارتن لوثر، وجون كالفن، وغيرهما)، مخالفين للكثير من المعتقدات الدينية وتفسيرا تها الكاثوليكية.
وعلى النقيض من ذلك، فإننا نجد أن الحركة الصهيونية تفادت الصدام مع العقيدة الدينية اليهودية والكهنوت اليهودي ومؤسساته. وبنت منذ بدايتها علاقة متينة مع المؤسسة الدينية وتمسكت باليهودية وتراثها الديني. والأكثر أهمية من الناحية العملية، أنها عملت مع المؤسسة الدينية اليهودية واستخدمتها لترويج المشروع الصهيوني، خصوصًا في روسيا القيصرية وبلدان أوروبا الشرقية، وتجنيد التجمعات اليهودية في العالم لخدمة مشروعها الاستيطاني، وأقنعتهم بمغادرة بلادهم الأصلية وجلبهم إلى فلسطين.
ولم يقتصر ذلك على مرحلة التحضير لإقامة الكيان الصهيوني، بل شهدنا تعاظمًا مستمرًا ومتناميًا لدور المؤسسات الدينية في مراحل الكيان كافة، وخصوصًا الحركات الدينية اليمينية والمتطرفة التي أضحت قوة سياسية واجتماعية ذات تأثير هائل داخل تجمعات المستوطنين ومؤسسات الحكم في الكيان الصهيوني.
د) الصهيونية بين الأصولية اليهودية.. وعلمانية قادتها: استندت الدعوة الصهيونية إلى السرديات التوراتية والتراث الديني اليهودي مع أن جُل مؤسسيها وقادتها كانوا "علمانيين" وبعضهم ملحدين. فقد خدمت هذه السرديات أهداف الحركة الصهيونية وجعلت منها معتقدات دينية جوهرية في الديانة اليهودية، فكان أن قبلها أتباع هذه الديانة على أنها معتقدات إيمانية لا تقبل النقاش. وهكذا نجحت الصهيونية في الجمع بين "الديني" و"القومي"، إذ كان التداخل بينهما ضروريًا:
- للتعويض عن غياب "الهوية القومية" وكي تتمكن الحركة الصهيونية من اختلاق "الشعب اليهودي"؛
- تجنيد المادة البشرية من التجمعات اليهودية وإحضارهم إلى فلسطين لاستيطانيها؛
- تبرير العنف والإرهاب بذرائع توراتية دينية للتخلص من السكان الأصليين وتنفيذ مشروع الاستيطان؛
- اختلاق الذرائع للقضاء على مقاومة الفلسطينيين؛ فقد أدركت الصهيونية منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر أن عرب فلسطين سوف يقاومونها ويكافحون من أجل أرضهم، وهو ما فعلوه ولم يتوقف منذ ذلك الحين.
ه) صراعنا ليس بين "حركتين قوميتين": من أكثر الأوهام خطورة في فهم صراعنا مع الاستيطان الصهيوني أنه صراع بين "شعبين"، أو "قوميتين"، أو "حركتين قوميتين"، كما يروِّج الصهاينة والإمبرياليون الغربيون، بل هو كفاح شعب ضد احتلال استيطاني في سبيل التحرير الوطني لبلدٍ محتل.
و) الاستيطان الصهيوني دخيل على فلسطين: قامت الحركات الأوروبية القومية بين مواطنيها وعلى أرضها (جغرافيًا وتاريخيًا)، في حين قام المشروع الصهيوني في فلسطين على إحضار اليهود من الخارج حيث كانوا مواطنين للبلدان التي عاشوا فيها على مدى قرون، وينتمون الى جنسيات ولغات وقوميات وثقافات مختلفة وموزعة على أصقاع المعمورة.
ز) العلاقة مع الفلسطينيين العرب: من أبرز ما يميز أهداف المشروع الاستيطاني الصهيوني عن المشاريع الاستيطانية الأخرى، أن بناة المشروع الاستيطاني في فلسطين لم يسعوا إلى استخدام السكان الأصلانيين مصدرًا للعمالة الرخيصة وسوق استهلاك منتجاتهم، كما فعل الأوروبيون البيض في مشاريعهم الاستيطانية. فقد أدرك المستوطنون الصهاينة بعد تجربة وجيزة أن الفلاحين والعمال الفلسطينيين هَبُّوا في وجههم وقاوموا استيلاءَهم على أرضهم ومزروعاتهم ومنتجاتهم. وأدرك المستوطنون مبكرً ا، وبحكم عنصريتهم وإيديولوجيتهم المغلقة، أن التعامل مع الفلاحين والعمال الفلسطينيين لن يحقق لهم أهدافهم في بناء "دولة يهودية نقية"، بل على النقيض، فإنهم سيكونون مضطرين للعيش المشترك وتقاسم الأرض معهم.
ح) الفشل في إبادة الفلسطينيين: يهمنا، في هذا السياق، أن نشير إلى ملاحظة أكدّها كثير من الباحثين في الاستعمار الاستيطاني، وهي أن الاستيطان نجح في بعض المشاريع الاستيطانية الأوروبية في إبادة السكان الأصليين، حيث فاق عددُ المستوطنين عددَ السكان الأصليين كما حدث في أستراليا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية ونيوزيلاندا مثلاً. أما في الحالات الأخرى حيث صمد السكان الاصليون في مقاومتهم للاستيطان، وظلّ عددهم متفوقا على عدد المستوطنين الدخلاء، فقد أخفق المشروع الاستيطاني في تحقيق أهدافه، كما حصل في حالة الاستعمار الاستيطاني الفرنسي في الجزائر على سبيل المثال. وهو أيضًا ما نشهده اليوم في فلسطين. فعلى الرغم من المشروع الاستيطاني الصهيوني الذي طال عمره ما يزيد عن 142 عامًا وتوحُّشه في ارتكاب المجازر وجرائم الإبادة والتهجير على نحو غير مسبوق في التاريخ البشري، نرى أنه فشل في إبادة الشعب الفلسطيني وسحق صموده ومقاومته. فما زال شعبنا في حالة مواجهة بطولية مباشرة ومستمرة مع هذا العدو، ولا يزال عدد الفلسطينيين في فلسطين 51.36% مقابل 48.64% من اليهود.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. شهداء وجرحى في قصف للاحتلال الإسرائيلي على بيت لاهيا
.. المعارضة المسلحة: قواتنا تواصل التقدم في ريف حماة الشمالي ول
.. المشاهد الأولى لعمليات إنقاذ نفذتها الخوذ البيضاء بعد قصف رو
.. رئيس الوزراء العراقي يؤكد أن العراق لن يقف متفرجا على ما يحد
.. الاحتلال يهدم منزل عائلة مقدسية في قرية النبي صومئيل