الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
طفلُ الشّتات: حكايات وطنٍ وحلمٌ لا يموت!
محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
2024 / 11 / 23
القضية الفلسطينية
في أقاصي الأرض حيث تختنق الأنفاس وتغرق المدن في صمتها، تقبع المخيمات الفلسطينية، حاملةً في زواياها جرحاً نازفاً اسمه الشتات. هنا، يولد الطفل الفلسطيني في عالمٍ مليء بالآلام، حاملاً في يده بطاقة اللاجئ بدلاً من حلم بريء أو لعبةٍ في يده. يكبر في عالمٍ ضاق به الأفق، حيث تغلق الطرق ولا تجد السماء مكاناً للفرح. بين الجدران المتداعية والأزقة الضيقة، يكتب الزمن تاريخاً جديداً، تاريخاً من الحروب، والتهجير، والألم الذي لا يغيب.
في المخيمات، لا يعرف الأطفال كيف يكون اللعب. فهم يركضون هرباً من القذائف، ويتسابقون مع الموت بدلاً من الأحلام. لا يرسمون على الورق ألواناً، بل يرسمون بالدم والأحزان صوراً لأحبةٍ غادروا، ولم يعرفوا كيف يعودون. يكبرون على صوت القنابل، لا على تهويدات الأمهات، ويغفون على قصص اللجوء والتهجير، ويستيقظون على كوابيس التشرد التي لا تنتهي.
أطفال الشتات يعيشون في سجونٍ من الحزن، يلتهمهم الفقر، ويحاصرهم الظلام. الماء شحيحٌ، والكهرباء غائبة، والأمل يكاد يكون كلمة منسية. لكن، ورغم كل هذا، لا تكل قلوبهم الصغيرة عن النبض بالأمل. قلبٌ ينبض بحياةٍ لا يموت، وشعلةٌ صغيرة تبقى مشتعلة في أعماقهم، لا تخبو مهما كانت الرياح عاتية.
في عيونهم، يتجسد الوطن. يحكون عنه كما سمعوه من آبائهم وأمهاتهم: "كان لنا بيت وحديقة، كان لنا جيران وألعاب". تلك الحكايات هي قوتهم اليومية، دفءٌ في لياليهم الباردة، وسرابٌ يمسكون به في بحرٍ من الضياع. أما ألعابهم؟ فهي قطع خشب قديمة، أو علب فارغة، ولكن في كل لعبة منهم قصة وطنٍ يرفض الغياب. وفي كل رسمة على جدران خيامهم، هناك صورةً لوطنٍ في قلوبهم، رغم أنهم لا يعرفون ملامحه كاملة.
رغم الجوع والبرد، لا يذبل حلمهم. أحلامهم صغيرة لكنها تتوهج في أعينهم. حلم العودة إلى بيوتهم، إلى مدارسهم، إلى دفء وطنهم الذي رحل. تراهم يجلسون على أطراف المخيم، ينظرون إلى الأفق البعيد، كما لو أنهم يفتشون عن وطنهم الذي ضاع بين الغيوم.
وفي أوقات اللعب، تتحول كلماتهم إلى خطط كبيرة: "سأكون طبيباً أداوي المرضى في المخيم"، "سأبني مدرسة في قريتنا"، "سأزرع الأرض حين نعود". كلماتهم هذه ليست مجرد كلمات، بل هي تعبير عن روحٍ لا تقهر، وعزيمةٍ تتحدى المستحيل.
ولكن خلف تلك الضحكات الصغيرة، تختبئ حكايات لا تسعها الكلمات. وجع الفقد، الخوف من المجهول، والشوق إلى أشياء صغيرة حُرموا منها. كم طفل يستفيق على صوت الرياح، يخشى أن تطير خيمته وتُسرق منه أحلامه؟ كم طفل يتمنى أن يعود إلى مدرسته ليكتب كلمة "وطن" على السبورة؟
ومع ذلك، تظل أرواحهم صامدة. هم أطفال استطاعوا أن يجعلوا من المخيم مساحة للحلم، ومن الجراح أفقاً للإبداع. حكاياتهم علمتنا أن الأمل يمكن أن يولد حتى في أعمق الظلمات، وأن الأحلام يمكن أن تعيش وسط الأنقاض.
أطفال المخيمات ليسوا مجرد أرقامٍ في تقارير النزوح أو قوائم الإغاثة. هم أرواحٌ صغيرة، يحق لهم الحياة والفرح. يحتاجون إلى عناية، إلى أيدٍ تمتد إليهم، لتعيد لهم طفولتهم المسلوبة. تعليمهم، ودعمهم نفسياً، ومنحهم الأمل والحياة، ليس مجرد واجبٍ إنساني فحسب، بل هو حقٌ مقدس.
علينا أن نصغي إلى حكاياتهم، أن نساعدهم في تحويل أحلامهم إلى واقع، وأن نؤمن بأن الأوطان لا تبنى بالخرائط، بل تبدأ من القلوب. وعندما تتجذر هذه الأوطان في قلب طفل، فإنها لا تموت أبداً.
طفل الشتات الفلسطيني ليس مجرد طفل عادي، بل هو صورةٌ حيةٌ لمعاناة شعبٍ بأسره، وهو أيضاً رمزٌ لصمود هذا الشعب، وإرادته في الحياة رغم كل المصاعب. ستظل المخيمات تروي حكاية الظلم، لكنها ستبقى أيضاً منبعاً للأمل الذي لا ينطفئ، لأن هذا الشعب، بكل أطفاله وكباره، هو شعبٌ عظيمٌ لا يرضى بالهزيمة.
أطفال المخيمات هم شهادةٌ على قسوة العالم، لكنهم أيضاً دليلٌ على قدرة الحياة على الاستمرار، مهما كانت التحديات. في عيونهم الصغيرة، يشتعل الأمل، وفي ضحكاتهم البريئة، يظل الوطن حياً. هم الحكاية التي لا تنتهي، والحلم الذي لا يموت.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. هل تفضل #نارين_بيوتي النوم بجانب #شيرين_بيوتي أو #سيدرا_بيوت
.. الخيار الصعب لإيران.. مواجهة أم حلول دبلوماسية؟ | #التاسعة
.. الجزيرة ترصد الاستعدادات لإعادة تشغيل مطار دمشق الدولي
.. تحركات عسكرية لآليات ومعدات عسكرية روسية في قاعدة حميميم.. م
.. مشاهد لدمار خلفته غارة إسرائيلية على النصيرات في غزة