الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهاية الطاغية..تحذير لبقية الطغاة!

سالم جبران

2007 / 1 / 2
مواضيع وابحاث سياسية



أعترف أنني لم أشعر، إطلاقاً. شعور التشفي والفرح، عندما شاهدت على شاشة التلفزيون عملية إعدام صدام حسين، شنقا. ولكنني، بطبيعة الحال، لم أشعر إطلاقاً، بالأسف أو بالحزن.
وكل الذين يتفذلكون، بالقول إن محاكمة صدام لم تكن "نزيهة" وأنه يحاكََََم بينما المحتلون الأمريكيون يدّنسون أرض العراق، نقول أمرين: أولاً هل حظي الساسة الذين سبقوا صدام في الحكم، ملك العراق وبعده عبد الكريم قاسم وأكثر من مليون عراقي قُتلوا في عهد صدام، بمحاكمة نزيهة أو غير نزيهة؟ عندما قام الانقلاب ضد حكم عبد الكريم قاسم عُيِّن صدام مسؤولاً عن "كتائب التصفيات"، وقد تمّت تصفية المناضلين الشيوعيين والديمقراطيين وصُفِيَّت أيضاً عائلاتهم حتّى آخر طفل..بدون محاكمة نزيهة أو غير نزيهة!.. منذ الحجاج بن يوسف لم يعرف العراق طاغية وحشياً شرساً عديم الرحمة الإنسانية، مثل صدام حسين.
أما القول بأن الأمريكيين يدنسون أرض العراق العظيم، فهذا صحيح، ولكن أليست حماقة وبلطجية الدكتاتور هي التي استدعت الأمريكان للقيام بعدوانهم القذر، وسهّلت عليهم.
وإذا نظرنا إلى الأمور بمنظار أعمق وأرحب، فإننا نعتقد أن إسقاط نظام صدام حسين ومحاكمته وشنقه تضع العالم العربي كله، حكاماً وشعوباً، أمام وقفة تفكير عميقة.
إنني أسأل: لو لم يكن صدام دكتاتوراً فظاً ومريضاً بجنون العظمة، ولو أقام بعد الانقلاب نظاماً مستقراً، سار رويداً رويداً للديمقراطية وتوحيد الشعب العراقي وبناء اقتصاد البلد، ألم يكن بإمكانه أن يدخل التاريخ بطلاً وطنياً ديمقراطياً مصلحاً؟
لو صرف صدام المليارات على بناء عراق جديد ومزدهر بدل الحرب ضد ايران والحرب المستمرة، "الكيماوية، ضد الأكراد وضد الشيعة وضد المعارضة، ألم يكن ذلك أفضل مليون مرّة، له وأيضاً للشعب العراقي؟
لو لم يقم بالمغامرة المجنونة والبائسة بغزو الكويت، مما وحّد ضده-عسكرياً أيضاً-كل العالم العربي، ألم يكن ذلك أفضل له وللعراق؟
هناك من يحللون صدام الشخص والنظام تحليلاً نفسياً. ربما يكون في ذلك بعض الحقيقة. ولكن الحقيقة المركزية أن الطغمة العسكرية عندما تأخذ الحكم من خلال انقلاب دموي لا ينتهي الصراع، بل يبدأ الصراع داخل الطغمة، وينتصر الأكثر شراسة ووحشية وقتلاً وإرهاباً. صدام صار حاكماً مطلقاً، بعد أن وقف- وهو يحمل السيف مفاخراً- فوق تلال من جماجم الشعب العراقي!
إن مأساة الأمة العربية – الضحية، أنها تُعجب أحياناً بالزعيم "القوي"، الذي يقتلها في آخر الأمر. وهذه الأمة، منذ الحجاج إلى أيامنا، لم تمر في مرحلة أمينة ومستقرة، لم تمر في مرحلة كان فيها الزعيم خادماً للشعب يعزز كرامة الإنسان وثقته بنفسه، لم تمر في مرحلة يفاخر فيها النظام بالنهضة العلمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي تعزز إنسانية الإنسان وسيادته فوق وطنه، ولكن النظام الدكتاتوري يحول الوطن كله إلى معسكر اعتقال وساحة إعدام. رمياً بالرصاص.
صدام حسين ليس "نشازاً" في التاريخ العربي الحديث، بل هو "القاعدة". وبقية الحكام ربما لم يقتلوا العدد الكبير الذي قتله صدام ولكنهم من نفس الطراز، من نفس النهج، قتلوا هم أيضاً طبقاً "لحاجاتهم" للبقاء في السلطة، ولو على الجماجم.
وعندما استقرت الأنظمة فوق تلال الجماجم، وظن الطغاة أن الأمن "مستتب"، بدأ كل طاغية يحضِّر ابنه ليرث الحكم بعده. لو لم يحدث ما حدث في العراق، وبقي النظام مستقراً، أما كنا سنجد عُدي، إبن صدام "بطلاً" قومياً و"رئيساً محبوباً"، وريثاً لوالده، بعد طول العمر؟
ألم يحدث "التوريث" في سورية؟ ألا يجري إعداد التوريث في اليمن؟ ألا يجري إعداد التوريث في مصر؟ ألا يجري إعداد التوريث في ليبيا؟
من المفارقات المأساوية في التاريخ العربي المعاصر، إن الأنظمة "الثورية"، "الجمهورية"، "الاشتراكية"، التي جاءت إلى الحكم على ظهر دبابة أكثر فساداً وأكثر قهراً وأكثر إهانة للشعب، من الأنظمة الملكية.
هل نبالغ إذا قلنا إن النظام في المغرب أو في الأردن أو في دول الخليج، مع أنه ملكي، فإنه أكثر انفتاحاً وأكثر ديمقراطية وأكثر مرونة في إعطاء الشعب مساحة لحرية التفكير والنقد، من الأنظمة المسماة "جمهورية"، والمسماة "اشتراكية"؟!!
معمر القذافي أعلن الحداد ثلاثة أيام في ليبيا. والمواطن العربي لا يعرف، هل القذافي أعلن الحداد على صدام حسين، أم أعلن الحداد مسبقاً على نفسه وعلى نظامه، وعلى كل الأنظمة الدكتاتورية التي حوَّلت الأوطان العربية إلى "مزارع" خاصة للطغاة العسكريين الانقلابيين. وهؤلاء الطغاة يرون كل خيرات الوطن، وكل نساء الوطن مُلكاً خاصاً لهم، ومن لا يصدِّق فليقرأ ما نشره الصحفيون العراقيون عن عدي نجل صدام.
إن العراق، بعد الإطاحة بنظام صدام ليس مستقراً. والقتلة الأمريكيون يعيثون فساداً في العراق الحبيب. ولكن عصابات "القاعدة" أيضاً تعيث فساداً في "دجلة الخير". وقد يحتاج العراق إلى وقت لطرد الغزاة وإعادة بناء الوطن وصياغة الاستقرار والوفاق بين العرب والأكراد، بين السنة والشيعة، بين كل موزايكا الطوائف ، في العراق.
ولكن أمراً واحداً ليس حوله نقاش، الطغاة ليسوا قادرين على قيادة بناء الوطن، بل على هدم الوطن. الطغاة ليسوا قادرين على استخدام ثروات الوطن لبناء المستقبل، بل هم قادرون على هدر كل الإمكانيات والخيرات والكنوز الوطنية، وما هم قادرون بالأساس على فعله هو توسيع المقابر الجماعية لمئات ألوف الناس الذين قتلوا بدون محاكمات، ودفنوا سراً، بدون جنازات تشييع، وفي أماكن مجهولة!
قبل ست سنوات كنت في زيارة لمدينة لندن. والتقيت هناك رفيقاً وأخاً عراقياً. وأصر هذا أن ألتقي مساء، مع جمع من العراقيين المنفيين. فعلت ذلك بفرح ولكن أيضاً بخوف ما. فانا أحب شعب الجواهري والرصافي والسياب والبياتي، وأخاف ان أقف وجهاً لوجه أمام عذابهم!
وعندما التقينا سمعنا أغاني عراقية جميلة. وسمعنا شعراً، وسمعنا قصصاً بطولية عن المقاومة الشعبية السرية لنظام صدام الفاشي، ولا أنسى كلمة قالها أحد الأبطال، (لم أسجل اسمه): "نحن لا نريد أن نقتل، نريد أن نوقف القتل، وأنا لا أكره صدام بل احتقره. نريد للشعب العراقي أن يصير حراً وسعيداً وموحداً، عراق الحياة والشعر والفرح الإنساني".
إنني أعانق، من موقعي في وطني الذي لم أغادره، على الرغم من كل المحن، ألوف العراقيين الذين التقيتهم في موسكو وبرلين وبراغ وصوفيا ولندن وأثينا والولايات المتحدة.
كل شعب يستحق الفرح والحياة الطيبة. ولكني، وانا لست عراقياً، أقول إن الشعب العراقي المعذب البطل، الجريح والسجين يستحق الحرية والفرح والأمان والتقدم، بدون تأجيل!

(سالم جبران- شاعر ومفكر وإعلامي فلسطيني)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تلوح بإرسال قوات إلى أوكرانيا دفاعا عن أمن أوروبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا بشأن عملية رفح وصفقة التب




.. بايدن منتقدا الاحتجاجات الجامعية: -تدمير الممتلكات ليس احتجا


.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تغلق شارعا رئيسيا قرب و




.. أبرز ما تناولة الإعلام الإسرائيلي بشأن تداعيات الحرب على قطا