الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسطين: ضخامة الجهد وهزال الحصيلة

محمد سيد رصاص

2007 / 1 / 2
القضية الفلسطينية


قدَم الشعب الفلسطيني تضحيات,فاقت ماقدمته ثورات الجزائر وفيتنام وجنوب افريقيا,ومع ذلك فقد كانت الحصيلة في البلدان الثلاثة المذكورة,والتي اعتبرت ثوراتها علامات فارقة في تاريخ القرن العشرين,أفضل من الذي حصلَه الفلسطينيون.
منذ الثلاثينيات,وضعت القيادة الفلسطينية,بزعامة الحاج أمين الحسيني,بيضها في سلة برلين ضد لندن,وقد كان أحد الأخطاء الكبرى لتلك القيادة هو محاربتها لليهود والإنكليز معاً في ثورة1936,رغم المؤشرات المرنةالتي أعطتها لندن تجاه العرب مع اقتراب غيوم الحرب العالمية,فيماربط الحاج أمين بعد هربه من بغداد إلى برلين,إثر هزيمة ثورة رشيد عالي الكيلاني,مصير القضية الفلسطينية بنتائج الحرب ,التي أتت لصالح الحلفاء.ربما ,بسبب هذه التجربة المريرة,سلَم الفلسطينيون أمرهم, في عام1948,إلى الحكام العرب,ليعودوا ويستردوا زمام قضيتهم عقب هزيمة حزيران.
وقف ياسر عرفات منذ بداية العمل الفدائي,الذي غمرته منذذاك تيارات يسارية ماركسية جديدة سيطرت على منظمات رئيسية فيه,ليدشن خطاً وطنياً فلسطينياً اقترب من حدود القطرية من دون التخلي عن نفحة العروبة,جمع في منظمته(="فتح")كل التيارات الايديولوجية,كماانتهج سياسة رفضت الدخول مع أي من المحاور العربية والدولية ولكن من دون قطع الخيوط أواغلاق الأبواب معها أوتحين الفرص للاستفادة منها لصالح القضية,وقد عبَر عن ذلك,في مقابلة أجراها معه المرحوم نبيل خوري بالسبعينيات,لماأجاب عن سؤال:(ماهي ايديولوجيتك؟)بكلمة واحدة هي:(فلسطين):عبر ذلك,نجح عرفات في فرض القضية الفلسطينية على العالم بوصفها قضية شعب,وليس كقضية لاجئين,وفي انتزاع اعتراف الأنظمة العربية بمنظمة التحرير ك"ممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني"في مؤتمر قمة الرباط-1974-,وذلك رغماً عن كل السقطات والحفر والتورطات-والتوريطات-التي حصلت للفلسطينيين عبر محطة عمان-أيلول1970-,وفي محطة الحرب الأهلية اللبنانية,حتى الخروج الفلسطيني من بيروت في صيف1982,الذي أدرك ياسر عرفات ,من خلاله,الدرس الأساسي وهو أن الضفة والقطاع يجب أن تكونا ساحة العمل الفلسطيني الرئيسية,وليس"القطاع الغربي"كما كانت تسمى احدى الفروع المختصة بالأرض المحتلة ,والتي أشرف عليها(الشهيد أبوجهاد)من مكاتبه في عمان ومن ثم بيروت.
نجح الفلسطينيون في تحقيق ذلك عبر انتفاضة 1987,ولم يكونوا مخطئين عندما فكروا,مع نهاية الحرب الباردة بين عامي1987و1989,بأن زمن الحصاد قد اقترب,بمايعنيه هذا من اتجاه الولايات المتحدة,التي أصبحت متفردة بالشرق الأوسط,إلى اعتماد (التسوية)مدخلاً إلى ترتيب أوضاع المنطقة,في وقت كانت فيه اسرائيل قد فقدت الكثير من وظائفها مع انتهاء تلك الحرب بين المعسكرين الدوليين:أتى اعلان الدولة الفلسطينية في دورة المجلس الوطني الفلسطيني المنعقدة بالجزائر,يوم15تشرين الثاني1988,على خلفية ذلك,إلاأن وقوف منظمة التحرير مع صدام حسين في غزو الكويت-2آب1990-قد جعلها في وضعية قريبة لوضعية الحاج أمين الحسيني بالأربعينيات,وهو ماحاولت المنظمة القفز منه عبر مفاوضات سرية,انتهت ب(اتفاقية أوسلو)-13أيلول1993-,لم تستطع من خلالها ترجمة عوامل القوة(وتراكمها)التي حصلَها الفلسطيني عبر عقدين من الزمن,بل عبرَت القيادة الفلسطينية,عبر(أوسلو),عن بحثها عن مخرج من وضعية المصلوب إلى الحائط ,الذي وجدت نفسها فيه بعد غزو الكويت,في ظل خوف فلسطيني شديد من أن تحصل سيناريوهات عربية مماثلة(عبر مسارات مدريد) لانفراد السادات في اتفاقيات كامب دافيد عام1978,تجعل الفلسطيني وحيداً ومعزولاً أمام الاسرائيلي.
هنا,لم يظهر الفلسطيني براعة في المفاوضات,كماأظهرها في مسارات العمل النضالي,وفي الميدان الديبلوماسي,وفي نسج واستثمار العلاقات الدولية,ليكرر تجربة السادات,الذي لماحاول تذكير بيغن في مؤتمر كامب دافيد بأنه قدَم عبر زيارته للقدس مالم يحلم به الاسرائيليون طوال ثلاثة عقود,ردَ عليه رئيس الوزراء الاسرائيلي بأن"الورقة التي تقدم في السياسة تفقد قيمتها بعد التقديم",وربما عبرَ عن تلك الروحية التفاوضية الشاعر الفلسطيني الأكبر,لماوقف على المنصة,أثناء مؤتمر أدبي عقد بإحدى العواصم الغربية بعد فترة قصيرة من اعلان الدولة الفلسطينية,وبادرشاعرة اسرائيلية كانت واقفة قربه بالقول متقرباً:"ألعن جدتي هاجر,وجدتك سارة",لترد عليه تلك الاسرائيليةبعبارة:"ألعن جدتك هاجر",وتصمت.
كان (أوسلو)مأزقاً,ولم يكن ممراً إلى الحقوق,أوإلى الوضع النهائي,ولم يكن بتاتاً,وبالتأكيد,مثل(صلح الحديبية),كماأعلن ياسر عرفات بعد ثمانية أشهر منه,في أحد مساجد كيب تاون,أثناء حضوره مراسم تنصيب نيلسون مانديلا رئيساً جديداً لجنوب افريقيا,وقد حكم هذا المأزق مسار العمل الفلسطيني,ولم يستطع الفلسطينيون الخروج منه عبر(انتفاضة الأقصى),التي حاول من خلالها الرئيس عرفات تحسين شروطه التفاوضية عبر استخدام موارب للعمل المسلح من قبل منظمة فتح(="كتائب الأقصى")وصريح عبر حماس والجهاد ,في محاولة لتكرار تجربة بن غوريون بين عامي1942و1948عبر منظمتي(الإرغون)و(شترن)ضد البريطانيين,لتفشل الانتفاضة,ثم ليزداد المأزق الفلسطيني مع أجواء(مابعد11أيلول)التي نجحت من خلالها اسرائيل في ربط العمل المسلح الفلسطيني بمناخات عمليتي نيويورك وواشتطن داخل الذهن السياسي الغربي بضفتي الأطلسي,وبعدها ليتفاقم هذا المأزق مع غزو العراق ومحاولة واشنطن"إعادة صياغة المنطقة",وماعناه ذلك من اعطاء شارون فترة سماح أميركية,استمرت سنتين ونصف,استطاع من خلالها رئيس الوزراء الاسرائيلي إعادة صلب الفلسطيني للحائط,وافقاده حتى المكاسب القليلة التي أتت من(أوسلو).
خلال السنتين الماضيتين,بعد وفاة الرئيس عرفات,تعمقَ المأزق الفلسطيني,مع فقدان الزعامة الكاريزمية الجامعة,ومع وصول حماس للسلطة,لتتحول الأخيرة,كماالشارع الفلسطيني,لقيادة وزعامة برأسين,وهو ماأنتج بوادر لحرب أهلية فلسطينية.
السؤال الآن:هل يستطيع الفلسطيني الخروج من ذلك المأزق المتفاقم( والكبير)عبر(قوة المؤسسة)وديموقراطيتها,كما فعل بن غوريون في صيف وخريف 1948 مع منظمات (الإرغون)و(البالماخ)و(شترن),ليعيد محاولة الخروج الفلسطيني من المأزق,كما حصل بعد خروج صيف1982من بيروت,في ظل مناخات تؤشر إلى احتمالات كبيرة لإنطلاق جديدة لعملية(التسوية),التي ربما تريد واشنطن من خلالها تجفيف ينابيع الامتداد الايراني نحو شرق المتوسط,تمهيداً للمجابهة الكبرى مع طهران؟..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كير ستارمر -الرجل الممل- الذي سيقود بريطانيا


.. تحليق صيادي الأعاصير داخل عين إعصار بيريل الخطير




.. ما أهمية الانتخابات الرئاسية في إيران لخلافة رئيسي؟


.. قصف إسرائيلي يستهدف مواقع لحزب الله جنوبي لبنان | #رادار




.. سلاح -التبرعات- يهدد مسيرة بايدن في السباق الرئاسي! #منصات