الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
حلب بين نيران الصفقات وتناقضات المصالح
محمود عباس
2024 / 11 / 30مواضيع وابحاث سياسية
قراءة في ظلال الصراع الإقليمي.
كما يقال، قد تحرق شرارة غابة بأكملها. الهجوم المفاجئ الذي شنته فصائل المعارضة ضد قوات النظام السوري في حلب وريفها لم يكن مجرد حدث عابر، بل قد يحمل أبعاداً أعمق تؤثر على مجريات الصراع في المنطقة. لم يكن هذا الهجوم مخططاً له بدقة من قبل تلك الفصائل، ولم تكن النتائج المباغتة جزءاً من حساباتهم. ومع ذلك، فإن ما حدث يعكس أبعاداً إقليمية ودولية أعقد من مجرد انتصار ميداني أو انسحاب قوات النظام السوري وحلفائه الإيرانيين. فمدينة حلب نفسها تبدو، في الوقت الراهن، لغزاً: هل هي جزءاً من صفقة ما؟ أم أن ما جرى تجاوز توقعات الجميع؟
الأوامر المفاجئة التي تلقتها الفصائل من تركيا تشير إلى تنسيق إقليمي ودولي، حيث تلعب أنقرة دوراً محورياً في إدارة التوازنات المعقدة. تركيا، التي تدرك أبعاد المشهد بأكمله، تسعى جاهدة لتعظيم مكاسبها الجيوسياسية والدفاع عن موقعها في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية. من أبرز أهدافها القضاء على القضية الكردية كما يطرحها الحراك الكردستاني، وتقليص نفوذ الإدارة الذاتية في غربي كوردستان، أو حتى إزالتها بالكامل إذا سنحت الفرصة. فرفض تركيا الرسمي والساذج للحديث عن دورها في هذه العملية ليس سوى جزء من خدع سياسية معروفة.
الغريب في الأمر أن قادة منظمات المعارضة، مثل جبهة تحرير الشام وبقايا النصرة، وغيرهم من المنظمات التكفيرية التي تعمل كأدوات لتركيا، يدركون أنهم أدوات شبه مرتزقة، تُسخر لديمومة عملية إقليمية ودولية بعيدة المدى، لكنهم يبررونها تحت مسوغات ساذجة.
هذه العملية، من ضمن السلسلة التي تهدف إلى إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية والعسكرية للشرق الأوسط. ومن حلقاتها عملية القضاء على حماس سابقاً، ومن ثم تحجيم حزب الله، والآن المرحلة الثالثة: تفكيك أدوات إيران في سوريا. ومع ذلك، من الواضح أن هذه العملية لن تنتهي في سوريا، فهي جزء من مخطط أوسع لتغيير ملامح المنطقة بأكملها.
تركيا، بحكم إدراكها العميق واطلاعها الواسع على تفاصيل المشهد الإقليمي والدولي، تسعى بكل جهدها للحفاظ على مكانتها الحالية وموقعها الجيوسياسي الحيوي. كخطوة استباقية ودفاعية لمواجهة أي تطورات غير متوقعة، تعمل على استغلال الفرص المتاحة لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب وضمان مصالحها الاستراتيجية في المنطقة. أبرز أهدافها تتجسد في القضاء على القضية الكوردية بصيغتها المطروحة من قبل الحراك الكوردستاني، وإضعاف أو إزالة الإدارة الذاتية في غربي كوردستان. إن لم تستطع الإزالة الكاملة، فهي تسعى على الأقل إلى تقليص نفوذ الإدارة الذاتية، بحيث تُرغم على القبول بشروطها أو الاستجابة لما ستطلبه من الإدارة الأمريكية الجديدة، في حال وافقت أمريكا على مطالبه، وهذه لا زالت مشكوك فيه، يقول بعض المراقبين الدوليين أن إدارة ترامب الحالية لن تكون كالسابقة في العديد من الملفات الدولية.
على الأرجح، تحريك تركيا لأدواتها جاء نتيجة صفقة ما استباقية بينها وبين إدارة ترامب، وبتغاضٍ من روسيا، ليس لحماية إسرائيل بحد ذاتها، بل لضرب الميليشيات الإيرانية التي تُعد عاملاً مؤثراً على مصالح كافة الأطراف الكبرى في المنطقة.
من الواضح أن أمريكا وإسرائيل لن تسمحا لأدوات تركيا بتجاوز جغرافية النظام السوري، وهذا لا يعني ألا تتأهب قوات قسد والإدارة الذاتية لمواجهة أية احتمالات غير متوقعة خارج المخطط، فالكل على دراية بما تضمره تركيا وأدواتها من الإدارة الذاتية، رغم ما يتبين على الأقل في الوقت الراهن، أنها لن تتجه نحو مناطق الإدارة الذاتية بشكل مباشر. لا تزال استراتيجية الإدارة الأمريكية القادمة غير واضحة المعالم بشكل كامل، إلا أن هذه التحركات تمثل الشرارات الأولى لها. ربما تراهن تركيا، بقيادة أردوغان، على الضغط على النظام السوري للقبول بشروط التطبيع التي تم التوافق عليها بين روسيا وتركيا، أو السعي لإضعاف النظام إلى درجة يمكن معها إلغاء شرط الانسحاب التركي من سوريا كجزء من مسار التطبيع.
في هذه المعادلة المعقدة، تظل منظمات المعارضة السورية التكفيرية والمرتزقة جزءاً من الأدوات المستخدمة. ورغم ذلك، فإن تركيا تُبرر وجود قواتها في سوريا والعراق بحجة حماية أمنها القومي، وليس بالضرورة دعم تلك المنظمات بشكل كامل، وهو ما يضيف تعقيداً جديداً إلى المشهد.
وهنا لا يُستبعد أن يكون الهدف من الضغط على النظام السوري الغارق في الإجرام، إعادة النظر في موقفه المتهاون تجاه الإدارة الذاتية، وكأن أردوغان يعول الكثير على الإدارة الأمريكية الجديدة لتحقيق طموحاته، الذي يوازن بين طرفين في لعبة معقدة. فمن جهة، يُفعّل شريكه السياسي دولت بهشلي للبدء بحوار تدريجي مع السيد عبد الله أوجلان في إمرالي، ومن جهة أخرى، يدفع بأدواته لتنفيذ المرحلة الثالثة من خطة القضاء على أدوات إيران، بطلب من الإدارة الأمريكية القادمة إلى البيت الأبيض بدءاً من العشرين من يناير المقبل. وتشمل هذه المرحلة تقليم أظافر الميليشيات الإيرانية في سوريا، والقضاء على ما تبقى من فلول حزب الله، وهي خطوات تخدم، بشكل غير مباشر، مصالح إسرائيل، وتأتي ضمن العوامل السرية التي ربما ساهمت في نجاح دونالد ترامب.
المرحلة الرابعة، التي ستتبع ذلك، تتمثل في الحد من هيمنة الميليشيات الشيعية على العراق وإضعافها إلى درجة تفقد معها القدرة على تشكيل تهديد خارجي. بعدها، سيأتي الدور على الحوثيين، وهو ملف سترتبط السعودية بشكل كبير في التعامل معه، بأسلوب مشابه للدور الذي تقوم به تركيا الآن عبر أدواتها. أما إيران، فيبدو أنها إما موقعة على صفقة ما أو عاجزة عن مواجهة هذا السيناريو، رغم انتمائها إلى حلف واسع يضم الصين وروسيا، يمثل القطب المناهض لأمريكا وحلف الناتو.
العملية تكشف عن مخططات عميقة تحدث وراء الكواليس، أبرزها المخاوف التركية التي عبر عنها أردوغان عقب تصريحات نتنياهو حول "الشرق الأوسط الجديد". فيطمح من خلالها الحفاظ على جغرافيتها الداخلية وحل القضية الكردية وفق شروطها الخاصة.
وبها يقدم خدمة لإسرائيل، لتحقيق مكاسب ذاتية متعددة؛ علما أن إسرائيل أقصى أهدافها هو الحد من القوى التي كانت تهدد أمنها، وصولاً إلى تغيير الثقافة السياسية في المنطقة التي طالما طالبت بإزالتها وإنهاء وجود اليهود.
روسيا، بدورها، تقف في زاوية لا تقل تعقيداً عن غيرها. فقد يكون غياب تدخلها المبكر لطيرانها ضد منظمات المعارضة جزءاً من لعبة سياسية وعسكرية متفق عليها خلف الكواليس، وقد ترتبط هذه الحسابات بتطورات أكبر، مثل ما قد يحدث في أوكرانيا العام المقبل، بعد أن تتولى الإدارة الأمريكية الجديدة مقاليد الحكم.
لا شك أن السلام والاستقرار في المنطقة يخضعان لتوازنات دقيقة تقودها المصالح الاقتصادية والسياسية للقوى الكبرى. وما إذا كانت الشعوب المتضررة، مثل الكرد، ستتمكن يوماً من فرض إرادتها واستعادة حقوقها.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
29/11/2024م
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. يًشتبه في تطوير أسلحة غير تقليدية داخلها: ما هي مراكز البحوث
.. غارات إسرائيلية جديدة على غزة ترفع أعداد القتلى في القطاع إل
.. مراسلة CNN تدخل إلى سجن صيدنايا وهذا ما رصدته
.. شاهد | رد فعل مسن سوري علم بسقوط الرئيس المخلوع بشار الأسد
.. حكومة البشير تتسلم مقاليد الحكم لتصريف أعمال المرحلة الانتقا