الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وقل جاء الحق وزهق الباطل

حسين عبدالله نورالدين

2007 / 1 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


تساءل كثيرون لماذا يحزن البعض على صدام حسين؟ لماذا يقيمون بيوت عزاء في بعض البلدان العربية مثل الأردن وفلسطين واليمن وسورية ولبنان وليبيا والسودان؟
والسؤال الأوجب قبل ذلك لماذا أحب كثيرون صدام حسين؟ لماذا يمجدونه ويبجلونه ويحلفون باسمه ويبكون عليه يوم لقي المصير الواجب لأمثاله؟
هل هي المكرمات والأعطيات التي كان لا يبخل بها صدام عملا بالآية الكريمة: الحسنات يذهبن السيئات؟ أم عملا بقول الشافعي:
وأن كثرت عيوبك في البرايا
وسرك أن يكـون لهـا غطـاء
تستر بالسخاء فكـل عيـبٍ
يغطيه كمـا قيـل السخـاء
ومهما يكن من أمر، فان الجدير بالملاحظة هو أن امة العرب تكيل بمكيالين، ولا زيادة لمستزيد. أليس غريبا حقا أن يثور العرب لمقتل بضع عشرات أو بضع مئات في حرب إسرائيلية ضد لبنان ولا يثورون لمقتل الآلاف من العراقيين جراء الإرهاب الأعمى؟ أم أن امة اقرأ لا تقرأ؟ إلا يقرأون ما تورده الأخبار والصحف عن التفجيرات الإرهابية؟ إلا يقرأون كيف أن تلك التفجيرات تقع في الأسواق وفي تجمعات العمال الذين يلقطون أرزاقهم في الساحات؟ الم يسمعوا عن تفجير القبتين الشهيرتين؟ الم يسمعوا عن تفجير مواكب الأعراس أو مواكب الجنازات؟
نسمع أن محاميا أردنيا من منتسبي حزب العبث العراقي ترأس فريق الدفاع عن صدام حسين. مقابل ماذا؟ ثم أين كان من عذابات العراقيين الذين قضوا على مشانق البعث أو سراديب أبي غريب؟ كيف يمكن للإنسانية أن تنجب مثل هؤلاء الذين يتباكون على الطغاة؟
في الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات وقف كثير من العرب إلى جانب العراق في تلك الحرب لأسباب سياسية. وعرف البعث العراقي كيف يتسلل إلى قلوب وجيوب الكثيرين في الأردن وكذلك في فلسطين والسودان واليمن وهي الدول الأكثر فقرا. لان الحكم في العراق حكم حزبي فقد كان يعرف كيف يشتري الذمم. ولان النقابيين يمكن أن يكونوا راس الحربة بدا بهم. كانت هناك الأعطيات والمكرمات للنقابات وخاصة المحامين والصحفيين. وأقيمت الإسكانات التي تكلفت الملايين من الدولارات، وإسكان الصحفيين في ضاحية الرشيد في عمان شاهد على ذلك، حتى أن صحفيا من وكالة الإنباء الأردنية قال يومها: لو طلبوا منا أن نسجد لصدام لسجدنا.
قد يكون ذلك الوقوف إلى جانب العراق ضد إيران مبررا من حيث انه وقوف إلى جانب دولة عربية ضد دولة غير عربية أرادت تصدير أفكارها ومبادئها الغريبة. حتى الإخوان المسلمون الذين يمكن أن يقفوا مع إيران من باب الوقوف إلى أخوتهم في الدين ضد نظام حكم علماني كانوا معه على طرفي نقيض، لم يفعلوا. تم شراءهم كما اشتريت النقابات. وعندما وقع الغزو البعثي للكويت، وقف الإخوان ضد العراق في الأيام الأولى لكنهم سرعان ما انقلبوا مؤيدين للغزو كما فعلت النقابات. ومرة أخرى كان البعث قد اشتراهم.
الفلسطينيون وقفوا إلى جانب البعث في الغزو لان البعث قد اشتراهم أيضا من خلال الأعطيات والدفعات بالدولار لقادة الفصائل وخاصة الإسلاميين الذين ظلوا مخلصين للبعث حتى الرمق الأخير. كان البعث يحرض على العمليات الانتحارية لتخريب عملية السلام وإبعاد الانتباه عن العراق طوال فترة الحصار الدولي. تماما كما فعل عام اثنين وثمانين، إذ اشتد الضغط الإيراني على العراق وتم احتلال مساحات واسعة من أراضيه حتى حرض إحدى المنظمات الفلسطينية على إطلاق النار على السفير الإسرائيلي في لندن ليبدأ الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان.
رأينا مظاهرات احتجاج على إعدام الطاغية في بنغلادش وفي الهند وفي والباكستان واندونيسيا ورأينا احتجاجات في الصحافة المصرية والسورية والأردنية وبعض اللبنانية. وتصريحات من بعض الدول العربية وحدادا في ليبيا. رأينا بيوت عزاء في غزة وسورية والأردن وغيرها.
يتساءل المرء ماذا اعترى هؤلاء للمراهنة على الحصان الخاسر.
أم أنها عقلية الجاهلية الأولى عابدة الأوثان والأصنام. يبدو أنها كذلك. العقلية العربية في أعماقها ما زالت عقلية بدوية جاهلية تعبد الوثن وتبجل الزعيم الظالم الذي يضرب بالحديد والنار وتتبعه في طاعة عمياء. عبادة الزعيم الذي لا يرحم وفقا لدستور عبدة الشيطان الذي يقول في الصفحة الأولى انه ما دام الله رحيما فلا باس من معصيته أما الشيطان فانه جبار لا يرحم فلا باس من طاعته.
كان العرب يعبدون الوثن و الصنم لأنه من حجر لا يعترض عليهم أبدا. هم كانوا يضعون له العبادة ويتبعون قواعدها وهو صنم لا يتدخل في حياتهم. كذلك البعث العراقي لصاحبه صدام حسين كان لا يتدخل في هؤلاء. يفعلون ما يريدون ما داموا يسجدون له ويشكرون له أعطياته.
كان العرب يطوفون حول الكعبة يسبحون بحمد الأوثان وهم يعرفون أنها لا تضر ولا تنفع لكنها في الوقت نفسه كانت مصدر دخل وتجارة وجاه لزعامتهم وقيادتهم. كذلك الحال الآن. هؤلاء المطبلون المزمرون الهاتفون بالبعث وبالطغاة المحتفلون باستشهاد صنمهم ووثنهم كانوا يعرفون ماذا كان يفعل ذلك الوثن في كعبته ومع ذلك يبجلونه ويعبدونه طالما أنه سخي عليهم بالمال والجاه.
حتى بعد أن زال الجاه واندثر الرمز في مشنقة دقت عنق الوثن الأكبر، فان حلاوة الروح ما زالت عند البعض تأبي أن تعترف بالخسارة وتأبى أن تقر بضلالها مثلما فعل أبو سفيان عندما دخل محمد إلى الكعبة بعد فتحها ليطوف حجة الوداع محطما الأصنام قائلا جاء الحق وزهق الباطل. فتح أبو سفيان فمه مندهشا لما رأى أصنامه تتحطم رافضا الإقرار بالهزيمة، متمنيا لو يعود به الزمن إلى أيام الجاه والعز، يود لو يفتح بيت عزاء لأوثانه.
لكنها هند بنت عتبة، إحدى زوجاته، أعادت إليه صوابه، وكانت اعقل منه، إذ قالت له في تساؤل وجودي: هل كنا على ضلال؟*


* الجزء الأول: موت رئيس والضلال الذي كنا فيه، الحوار المتمدن العدد 1782








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخاوف من استخدامه كـ-سلاح حرب-.. أول كلب آلي في العالم ينفث


.. تراجع شعبية حماس لدى سكان غزة والضفة الغربية.. صحيفة فايننشا




.. نشاط دبلوماسي مصري مكثف في ظل تراجع الدور القطري في الوساطة


.. كيف يمكن توصيف واقع جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة؟




.. زيلنسكي يشكر أمير دولة قطر على الوساطة الناجحة بين روسيا وأو